تتصاعد المخاوف من انهيار اتفاقية السلام الشامل لعام 2005 التى وضعت نهاية للصراع بين شمال السودان وجنوبه. وتوشك هذه الاتفاقية على مواجهة الامتحان الأصعب، وهو الاستفتاء على استقلال جنوب السودان المزمع إجراؤه فى التاسع من يناير المقبل. وكان من المتوقع تزايد الهواجس الدولية إزاء هذه القضية، لأن حزب المؤتمر الوطنى الحاكم فى السودان لن يقبل أبدا بانفصال الجنوب دون ضجة. وعلى كل، هل يمكن لأية حكومة الترحيب بتقسيم المناطق الواقعة تحت سيادتها؟ تعكس النزاعات المستمرة حول الحدود وإيرادات النفط وإقليم أبيى وعملية التصويت عدم الثقة المتبادل بين الجانبين منذ فترة طويلة، والعداوات القبلية، والقيود التنظيمية فى السودان، وهو البلد المترامى الأطراف والمتخلف والفقير نسبيا. وترفع جميع هذه العوامل من حرارة الموقف. لكن السبب الأقل وضوحا الذى يجعل نواقيس الخطر تدق هو تزايد ميل الساسة الأمريكيين وجماعات الضغط إلى تقسيم الفرقاء السودانيين إلى «رجال طيبين» و«رجال أشرار»، وإلى مقاتلين من أجل الحرية وظالمين. قبل خمسة أعوام، قررت الولاياتالمتحدة والأطراف الأخرى المعنية بالوضع فى السودان أن التوصل إلى اتفاق أكثر أهمية من كيل الاتهامات بشأن المسئولية عن الحرب، أو عن أزمة دارفور، على سبيل المثال. لكن هذا التجرد النابع من دوافع براجماتية يتلاشى فى الوقت الراهن. تسود قناعة لدى المسئولين والدبلوماسيين فى شمال السودان بأن الغرب عامة (بما فى ذلك الأممالمتحدة)، وإدارة أوباما خاصة، يرسون أسس استقلال جنوب السودان وهو النتيجة المتوقعة من الاستفتاء على نمط كوسوفو. ويُعتبر سلفا كير، قائد حركة تحرير شعب السودان ورئيس إقليمجنوب السودان، مدافعا قوى الحجة عن موقفه، كما أثبت مجددا الأسبوع الماضى، خلال زيارة مبعوث مجلس الأمن الدولى إلى جوبا. ذلك أن مهارات كير السياسية الناعمة تتناقض بحدة مع خشونة الرئيس السودانى عمر البشير. ويبدو أن كير قد أصبح الرمز المفضل لدى سوزان رايس، مندوبة الولاياتالمتحدة فى الأممالمتحدة، ورئيستها هيلارى كلينتون، وزيرة الخارجية الأمريكية. ولدى السيدتين انتقادات كبيرة على البشير. وعندما عادت رايس من السودان، كررت تحذيرات كير حول «احتمال استعداد الشمال لحرب، عبر حشد قوات فى مواجهة الجنوب» وهو ادعاء نفته الخرطوم بقوة، بينما لم تقدم رايس أى دليل يثبت صحته». وتتبنى الإدارة الأمريكية حاليا اقتراح رايس بوجود منطقة عازلة بين شمال السودان وجنوبه، بينما قوبل الاقتراح برد فعل متجهم من جانب الخرطوم. فقد صرح أحد المسئولين العسكريين السودانيين قائلا: «يعكس الاقتراح إما جهلا بواقع تطورات الأوضاع فى السودان، أو إساءة تستهدف استقرار وتماسك السودان». وأشار إلى أن زيادة عدد القوات الدولية سوف يؤدى إلى زيادة التوترات لا الحد منها قبيل عملية التصويت. وتسعى جماعات أمريكية بدعم من اليمين المسيحى إلى تشويه صورة حكومة البشير عن عمد. وبعد فشل جماعات الناشطين كمشروع كفاية فى إجبار البشير على اعتقال المتهمين بالإبادة الجماعية وارتكاب جرائم حرب فى دارفور وهو الاتهام الذى ترفضه بحسم الخرطوم، وكذلك الاتحاد الإفريقى ومنظمة المؤتمر الإسلامى اتهمت هذه الجماعات البشير بالتخطيط لحمام دم جديد. بل تشير تلك الجماعات أن التدخل العسكرى الأمريكى المباشر قد يكون ضرورة. وقد قال الممثل جورج كلونى، وهو أحد المؤيدين البارزين لمشروع إناف (Enough Project)، الأسبوع الماضى: «إذا لم نفعل شيئا، وإذا ولينا ظهورنا وسرنا بعيدا، فسوف يُقتل مائة ألف أو نصف مليون أو مليون شخص». وقفت جماعات الضغط بقوة ضد جهود بعض مسئولى الإدارة الأمريكية من أجل التواصل البَنَّاء مع الخرطوم. ولا شك فى أن تجدد الصراع بين الشمال والجنوب سوف يؤدى إلى ظهور دعاوى إلى التدخل الأمريكى. وقد استبعد عبدالله الأزرق، سفير السودان فى لندن، التوقعات بشأن تزايد احتمال حدوث فوضى، باعتبارها مبالغات مهينة، بالرغم من إقراره بوجود مشكلات كبيرة. وأضاف أن كير لم يف بالوعد الذى قطعه الجنوب على نفسه فى اتفاقية السلام الشامل، حينما دفع نحو الاستقلال بدلا من جعل الوحدة تبدو «جذابة» كما سبق وأن تعهدت جوبا. وقال سفير السودان فى لندن: «تحكم حركة تحرير شعب السودان الجنوب باستخدام فوهات البنادق، وتقوم بترهيب الناخبين. ولم تكن الانتخابات الأخيرة التى أجريت فى الجنوب فى أبريل شفافة، بل جرى تزييفها. وإذا حدث الأمر نفسه فى الاستفتاء، فلن نستطيع قبول نتائجه، وسوف نرفضه. وإذا حدث تزوير، فسوف نقول ذلك بلا تردد». لكن الأزرق كان قاطعا بشأن عدم اعتزام الشمال اللجوء إلى العنف إذا صوَّت الجنوب من أجل الاستقلال. فقد قال: «لن نستخدم وسائل عنيفة من أجل منع ذلك. فنحن لا نريد حربا». وأضاف أن انفصال الجنوب سوف يمثل «زلزالا»، لن يؤثر على السودان وحده، بل على البلدان المجاورة أيضا، حيث سوف يحاول البعض منها استغلال هذا الانفصال. وقال «سوف يواجه الجنوب الفقير، قليل السكان، المستقل حديثا، طريقا وعرا. لكن التصورات حول استخدام الخرطوم للقوة من أجل منع الانفصال تُعتبر إما جاهلة أو خبيثة، أو الاثنين معا. لقد أصبح السودان قضية من قضايا السياسة الداخلية الأمريكية. وهم مستمرون فى تشويه صورتنا وإظهارنا كشياطين. ويُعد ذلك جزءا من مناخ الإسلاموفوبيا السائد. فكيف يمكننى إقناعكم بأننا لسنا شياطين؟»