الرحم ذلك العضو الأهم الذى يميز المرأة بنعمة الأمومة. يرعى جنينها لشهور تسعة يتهيأ فيها للقاء العالم الخارجى فى أبهى صورة. الراصد لطبيعة أنسجة الرحم يدرك أنها صنعت فى أفضل تكوين. الطبقة الخارجية من الألياف العضلية القوية صنعت فى نظام بديع يتيح للرحم قدرة استثنائية فى أوان المخاض لتنقبض بقوة لتقذف الوليد خارجها. وطبقة داخلية هشة رخوة مخملية ذات طبيعة فريدة تستجيب لرسائل الهرمونات لتحتضن فيها شبكة من الشعيرات الدموية الدقيقة توفر دفئا نادرا يستقبل البويضة التى تم تلقيحها فصارت نبتة لجنين فى طور التكوين. ماذا يحدث لو أصاب تلك الطبقة مس من الجنون فقررت فجأة أن ترحل تاركة وراءها الرحم جدبا عقيما؟ هجرة بطانة الرحم (Endometriosis) أحد الأمراض النادرة التى غالبا ما تسلب المرأة قدرتها على الإنجاب. للبطانة الداخلية للرحم (endometrium) أهمية بالغة فى دعم وظائف الرحم البيولوجية. فهى التى تبطنها بالكامل من الداخل وتعمل فى تناغم مذهل مع تلك الرسائل التى يرسلها المبيض يطلب فيها أن تتهيأ لاستقبال ضيف الرحم القادم (البويضة التى تم تلقيحها بحيوان الرجل المنوى) والذى سيمكث تسعة أشهر كاملة يجب أن يقضيها هانئا حتى يكتمل فيخرج للنور. إذا لم تصل الرسائل فى موعدها تمزقت تلك الأنسجة ألما وخرجت فى صورة الدم الذى يعلن عن قدوم الدورة الشهرية وغياب الحمل. فى بعض الأحيان وبسبب غير معلوم تقرر بعض من أنسجة بطانة الرحم الهجرة إما خارج الرحم. ترحل بطريقة أيضا غير معلومة ربما كانت عن طريق قنوات فالوب إلى أى مكان داخل تجويف البطن الذى يحيط بكل أحشائه الغشاء البريتونى. قد ترحل أيضا إلى أعضاء تناسلية أخرى مثل المبيض لتستقر فيها وفى أحوال نادرة تصل إلى نسيج الرئة. تستقر تلك القطع المتناثرة من بطانة نسيج الرحم فى أماكنها الجديدة لكنها ولغرابة الأمر مازالت تستجيب لإشارات هرمونات الأستروجين والبروجستيرون (estrogenoprogterone) فتحتقن لتنزف فيما بعد تماما كما كان لها أن تفعل فى الرحم. حينما يحدث النزف فى تلك الأماكن البعيدة لا يلقى ترحيبا إنما يتسبب فى التهاب تلك المناطق وتهييج أنسجتها الأمر الذى يتزامن وآلام مبرحة إلى جانب مضاعفات عديدة منها تكوين تجمعات دموية أو ندوب أو التسبب فى التصاقات فى أماكن ما تحدثه من مضاعفات. هجرة بطانة الرحم تبدو جلية لدى السيدات فى سن الثلاثين والأربعين حينما يتهيأن للحمل. وقد تبدو الأعراض فى صورة بسيطة أو متوسطة أو عنيفة لكنها فى أغلب الأحوال تتسبب فى عقم السيدة المصابة وإن كانت إمكانية علاجها واردة فى بعض الحالات البسيطة. أعراض مرض هجرة بطانة الرحم آلام حادة فى البطن قبل وأثناء وبعد الدورة مباشرة. آلام قاسية أثناء ممارسة العلاقة الحميمية بلا سبب ظاهر. دورة شهرية ثقيلة الوطأة قد تمتد لأيام طويلة يصاحبها نزيف قد يواكبه نزول قطع من النسيج يمكن ملاحظتها. العقم وعدم القدرة على الإنجاب. أسباب محتملة لهجرة بطانة الرحم لا أحد إلى الآن يمكن أن يفسر سر تلك الهجرة الغريبة التى تلجأ إليها أنسجة الغشاء المبطن للرحم، وإن كانت هناك بعض النظريات التى تسعى لتفسيرها. يفسر البعض أنه لسبب ما قد يسير دم الدورة الشهرية فى طريق عكسى بدلا من أن يخرج عبر عنق الرحم والمهبل فإنه يعود مرة أخرى إلى الرحم ومنه إلى قنوات فالوب. قد يكون السبب ضيقا موضعيا فى عنق الرحم أو المهبل. وقد يحدث ذلك حينما لا تستبدل السيدة الفوط الصحية بصورة سريعة. يقترح البعض أن هذا يحدث لدى المرأة التى تنخفض المناعة لديها لسبب أو لآخر. هناك احتمالات الإصابة بهجرة بطانة الرحم إثر التعرض لمادة كيماوية معروفة (Dioxin). فى النهاية هناك أسئلة كثيرة وعلامات استفهام عديدة حول ما يجبر بطانة الرحم على الهجرة لكن الإشارة لوجود حالات متكررة فى أسرة واحدة قد ترجح احتمال العامل الوراثى فى الأمر. هل من علاج؟ الاستجابة للعلاج أمر وارد أحيانا ويبدأ العلاج بالأدوية والهرمونات ثم الجراحة وفى النهاية العلاج بالأعشاب والنصح بممارسة اليوجا. فى الحالات البسيطة والتى لا تتكرر فيها هجرة بطانة الرحم فإن الحمل إحدى وسائل العلاج الناجحة على أن يتم متابعة الحمل تحت إشراف الطبيب باستمرار إلى أوان الولادة. قد يتم العلاج بأن تتناول المرأة حبوب منع الحمل بصفة مستمرة لمدة تسعة أشهر فيما يشبه الحمل والولادة العادية. قد تنجح تلك الوسيلة لكن الألم غالبا ما يعود بعد الكف عن تناول حبوب منع الحمل. قد ينصح أيضا بالجراحة. أو استئصال كل الأنسجة التى تمت فى أماكن غير أماكنها. نظريا يجب أن ينتهى الألم لكن فى حالات كثيرة يعود الألم بصورة أشد ربما ترك الجراح أحد تلك الأنسجة المهاجرة فلم يلتفت لها. هل الوقاية ممكنة؟ عدم معرفة سبب ذلك المرض تحديدا قد يجعل من الوقاية أمرا ليس ميسورا ولذا فالتركيز على تشخيصه وبالتالى علاجه متى أمكن هو الأمر الأجدى ببذل الجهد.