الحوار الوطني يناقش الحبس الاحتياطي.. اليوم    محافظ القليوبية يجرى جولة مفاجئة بمدينة كفر شكر لمتابعة المشروعات    وزارة التموين: تطوير 9 مطاحن وزيادة القدرة الإنتاجية ل1970 طن دقيق يوميا    «المشاط»: تطوير سياسات الاقتصاد الكلي بهدف دفع جهود التنمية وزيادة الاستثمارات في قطاعي الصحة والتعليم وتوطين الصناعة    حمدوك: نعول على مصر كثيرا في المساعدة لحل الأزمة السودانية    دبلوماسي ألماني: وصول ثالث بطارية نظام باترويت المضاد للطائرات إلى أوكرانيا من ألمانيا    أفشة وشريف ينعيان أحمد رفعت    طلب مفاجئ من ماجد سامي بعد وفاة أحمد رفعت| عاجل    محامي سفاح التجمع يكشف ل«البوابة نيوز» سبب تنحيه عن القضية    التعليم: تشكيل لجنة خاصة لتصحيح أوراق إجابات الطلاب بالكامل في لجنة ثانوية عامة بالدقهلية بسبب الغش الجماعي    محمد رياض يكشف سبب تأجيل موعد افتتاح الدورة الجديدة ل«القومي للمسرح»    عاجل| سبب وفاة أحمد رفعت.. ما هو اختلال كهرباء القلب؟    الخشت يكشف أسباب تقدم جامعة القاهرة في التصنيفات الدولية    ستارمر: الدفاع والأمن على رأس أولويات الحكومة البريطانية الجديدة    بعد حادثة وفاة مستشارة الرئيس السوري.. معلومات لا تعرفها عن «لونا الشبل»| صور    الحوار الوطني يناقش توصيات المرحلة الأولى ويفتح ملف الحبس الاحتياطي    وفد من جامعة «كوكيشان» اليابانية يتابع الخطة التدريبية للمسعفين    هل نجح الزمالك في إنهاء أزمة إيقاف القيد ..مصدر يوضح    المصارعون الروس يرفضون المشاركة في الأولمبياد    «إيمان» و«آيات» شقيقتان متطوعتان في «حياة كريمة»: «غيرت حياتنا وبنفيد غيرنا»    وزير الزراعة يؤكد ضرورة التيسير على منتفعي الإصلاح الزراعي وتقنين أوضاعهم    تأجيل محاكمة المتهمين باختلاس تمثال أثري من المتحف المصري الكبير ل7 أكتوبر    مصرع شخص أسفل حفرة أثناء التنقيب عن الآثار    بيع القمامة بدلًا من إلقائها.. بورصة إلكترونية للمخلفات ومصانع التدوير    إصابة شابين بالرصاص الحي خلال مواجهات مع قوات الاحتلال في شرق نابلس    «الحزن والضغط النفسي» أسباب وفاة أحمد رفعت .. وخالد تاج الدين يوجه رسالة مؤثرة بعد رحيله    أحدث ظهور ل ياسمين عبد العزيز داخل الجيم..والجمهور: "خسيتي وبقيتي قمرين"    دعاء للأم في ليلة رأس السنة الهجرية    انطلاق أولى حلقات الصالون الثقافي الصيفي بالمجلس الأعلى للشئون الإسلامية    مفتي الجمهورية يهنئ المستشار عبد الراضي صديق برئاسة النيابة الإدارية    الكشف على 706 مواطنين في قافلة طبية مجانية بقرية الحلفاية بحري بقنا    بعد الانتهاء من المراحل ال3.. «الري»: الرفع المساحي للأحوزة العمرانية ل4200 قرية (تفاصيل)    وفاة عاملان صعقا بالكهرباء داخل مزرعة مواشى بالغربية    السعودية هوليوود الشرق!    أجواء مميزة وطقس معتدل على شواطئ مطروح والحرارة العظمى 29 درجة.. فيديو    رابط نتيجة تنسيق رياض الأطفال بالإسكندرية 2024    جهود التحالف الوطني في الدعم الاجتماعي والصحي خلال أول 6 أشهر من 2024    يورو 2024 - ناجلسمان: تعويض كروس سيكون صعبا.. وأقاوم الدموع    للاستشارات الهندسية.. بروتوكول تعاون بين جامعتي الإسكندرية والسادات- صور    تجميل غرف الكهرباء بحرم جامعة حلوان    عاجل | ننشر أسماء المحكوم عليهم بالإعدام شنقًا في "حرس الثورة"    بالأسماء، وزير الداخلية يأذن ل 21 مواطنا بالحصول على الجنسيات الأجنبية    حكم صيام أول محرم.. «الإفتاء» تحسم الجدل    الاتحاد الأوروبي يرفض قصف وإجلاء المدنيين صباحا ويدعم الاحتلال بالأموال ليلا    رئيس الوزراء يوجه بالإسراع في تنفيذ مبادرة «100 مليون شجرة»    لطلاب الثانوية العامة، أفضل مشروبات للتخلص من التوتر    وزير الخارجية: مصر تسعى لدعم دول الجوار الأكثر تضررًا من الأزمة السودانية    ما الحكمة من اعتبار أول شهر المحرم بداية العام الهجري؟ الإفتاء تُجيب    خبيرة فلك: ولادة قمر جديد يبشر برج السرطان بنجاحات عديدة    مصر وسوريا تشددان على الرفض التام لمحاولات تصفية القضية الفلسطينية أو تهجير الفلسطينيين.. الرئيس السيسى يؤكد ل"الأسد" مواصلة الجهود الرامية لوقف إطلاق النار بقطاع غزة وإنفاذ المساعدات الإنسانية بصورة مستدامة    مفتى الجمهورية: التهنئة بقدوم العام الهجرى مستحبة شرعًا    ماذا يريد الحوار الوطنى من وزارة الصحة؟...توصيات الحوار الوطنى تضع الخطة    الصحة تطمئن على جودة الخدمات المقدمة بمستشفى عين شمس العام    يورو 2024| تشكيل منتخب إنجلترا المتوقع لمواجهة سويسرا    وفاة اللاعب أحمد رفعت إثر تدهور حالته الصحية    «في الساحل الشمالي».. شوبير يكشف عن أولى صفقات الأهلي (فيديو)    الداخلية الإيرانية: تقدم بزشيكان على جليلي بعد فرز أكثر من نصف الأصوات    احتفالات السنة الهجرية الجديدة 1446 في العراق    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محنة المعارضة فى مصر
نشر في الشروق الجديد يوم 22 - 10 - 2010

آن الأوان أن نعترف بأن المعارضة فى مصر فى محنة شديدة. نعم، إنها كبيرة الحجم وواسعة النطاق، حتى لأكاد أقول إنها تضم الغالبية الساحقة من الشعب المصرى: فغالبية الشعب المصرى تتكون اليوم من رجال ونساء ساخطين، مرهقين، ويتساءلون عن اليوم الذى يمكن أن يزيل الله فيه كربهم ويكشف غمتهم، ويعرفون جيدا أن المسئولية عن هذا الكرب وهذه الغمة تقع على النظام الحالى.
بالإضافة إلى كبر الحجم واتساع النطاق، يمكن أن نصف المعارضة المصرية أيضا بأنها غالبية الصوت. يسمع صوتها الجميع، باستثناء حفنة صغيرة جدا من أصحاب الامتيازات الجالسين على قمة النظام، والذين يتمتعون بخيرات البلد. هذه الحفنة الصغيرة لا تسمع ولا تريد أن تسمع صوت المعارضة العالى. ولكن هذا الصوت العالى، كثيرا ما يبدو وكأنه أقرب إلى الصراخ الهستيرى منه إلى النقد أو المطالبة بالإصلاح. وهذا الصراخ الهستيرى هو نفسه من الأدلة على شدة المحنة التى تعانى منها المعارضة المصرية. لقد مر على المعارضة المصرية زمن كانت فيه تنادى فعلا بالإصلاح وبمطالب محددة، وتتكلم بلهجة أكثر هدوءا وأقل حدة (هكذا أتذكر المعارضة فى السبعينيات والثمانينيات، أى منذ ثلاثين أو أربعين عاما)، ولكن المعارضة المصرية تغيرت، وطريقتها فى الكلام لم تعد كما كانت.
هذه المحنة الشديدة التى تمر بها المعارضة فى مصر ليس من الصعب تفسيرها.
1 هناك أولا اختفاء أى بارقة أمل لدى المعارضين فى أن يتمكنوا من الوصول إلى الحكم، أو حتى الاشتراك فيه، لتنفيذ ما يعتقدون أنه إصلاحات ضرورية. الدولة الديمقراطية تعرف ما يسمى ب«تداول السلطة»، فلا يحتكر فيها السلطة شخص أو حزب واحد إلى الأبد. ولكن كل الأمور فى مصر تسير على مبدأ أن السلطة أبدية، وأن الذى يصل إلى الحكم يعمل كل ما فى وسعه للبقاء فيه إلى الأبد، وهذا هو ما يحدث بالفعل.
فى ظل تداول السلطة، يمكن مقارعة الحجة بالحجة، ويسعى أصحاب الرأى، والرأى المعارض، إلى تعبئة الناس فى صفهم. ولكن فى ظل احتكار السلطة يصاب المعارضون باليأس، ويفقد الناس بالتدريج ثقتهم بجدوى المعارضة أصلا. وإذ أصاب اليأس المعارضين وأنصارهم، ما أسهل أن يتحول النقد إلى سباب، وأن تتحول المطالبة بالإصلاح إلى صراخ هستيرى.
2 وإصرار الحكام على احتكار السلطة يصيبهم بالغلظة والقسوة فى معاملة معارضيهم، وكل من يشتبه فيه الوقوف إلى جانب المعارضة. والقسوة والغلظة تزدادان فى الحكام مع مرور الزمن بسبب اعتيادهم الجلوس على مقاعد الحكم، وطول عهدهم بما تمنحه لهم السلطة من امتيازات وبحبوحة العيش، فلا يتصورون كيف يمكن أن يأتى غيرهم ليحل محلهم، أو أن ينتقلوا هم إلى مقاعد المعارضة.
ومع طول عهدهم فى الحكم يزداد عدد المستعدين لخدمتهم، ولو لمجرد الحصول على مكافآت مادية سخية، بل ويصبح لديهم عدد كبير من الأشخاص المستعدين للقيام بمهمة ضرب المعارضين بل وتعذيبهم إذا لزم الأمر. وهذا يصيب المعارضين وأنصارهم بالخوف، فيزدادون ضعفا على ضعف.
3 والقانون غائب غيابا يكاد يكون تاما. بل لقد كف النظام عن التظاهر بوجوده. رجال الشرطة لا يحمون إلا الممسكين بالسلطة، ولا يقبضون إلا على من يغضب الحكام والقضاء يأتمر بأمرهم (أو هكذا يتحول الأمر بالتدريج)، فإذا حدث ووقف القضاء ضد أصحاب السلطة، تم تجاهل الحكم وكأنه لم يكن.
نعم، هناك جميعات لحقوق الإنسان، وهناك مراسلو الصحف والإذاعات الأجنبية، ولكن هذه الجمعيات محدودة القدرة وقليلة الموارد، ومن ثم اعتادت الحكومة تجاهل احتجاجاتها، والمراسلون الأجانب لهم تفضيلاتهم الخاصة وفقا لدرجة الأهمية التى يحتلها المعارض لدى الحكومات الأجنبية ووسائل إعلامها. فأهمية المعارض فى نظرهم لا تتوقف على صدق تعبيره عن مشاعر قومه، بقدر ما تتوقف على رضا الدوائر الأجنبية عنه. فإذا كان المعارض مثلا قد احتج على موقف الحكومة المصرية من معاملة الإسرائيليين لأهل غزة، فعاملته الحكومة المصرية بقسوة زائدة، لم يرد ذكر هذه المعاملات فى الجرائد والإذاعات الأجنبية مراعاة لمشاعر الإسرائيليين، وهكذا. سعيد الحظ إذن ذلك المعارض الذى يرضى عنه شعبه ووسائل الإعلام الأجنبية فى نفس الوقت، وهو شىء نادر الحدوث.
4 والنظام الحاكم يتلقى، فى معاملته القاسية للمعارضة المصرية، دعما قويا من بعض الحكومات الأجنبية، بالمال والسلاح ووسائل التدريب على طرق التعامل مع المعارضة، بما فى ذلك وسائل التعذيب. فالذى يخشاه النظام فى الحقيقة، ليس غضب شعبه، بل غضب القوة الأجنبية الراعية له، والتى هى سبب وجود هذا النظام أصلا. قد تتظاهر هذه القوة الأجنبية بأنها تناصر الديمقراطية وحرية الرأى، فتصدر عنها من حين لآخر تصريحات تحتوى على احتجاج مؤدب على ما تتعرض له المعارضة من قهر، والانتخابات والاستفتاءات من تزوير، وتطالب النظام بأن يصبح أكثر ديمقراطية فى المستقبل. ولكن النظام الحاكم يعرف جيدا قيمة هذه التصريحات، وأن أصحابها لا يعنون فى الحقيقة ما يقولون. وهم يبدون للنظام فى الخفاء من التأييد والدعم ما يخفونه فى تصريحاتهم العلنية ومن ثم اعتاد رجال النظام أن يتعاملوا مع هذه التصريحات بما تستحقه من لا مبالاة. انهم يعرفون وظيفتهم الحقيقية فى خدمة هذه القوة الخارجية، ويعرفون ما الذى يعجبها فى الحقيقة وما لا يعجبها، وما الذى يمكن أن يكافأوا عليه وما الذى يعرضهم فعلا للغضب.
5 كل هذا يزيد المعارضة المصرية ضعفا على ضعف فالخصم قوى وقاسٍ، وهو مدعوم من الخارج بقوة لا تقل قسوة، واختصامه غير مجدٍ، سواء أمام القضاء الداخلى أو أمام الرأى العام الخارجى. ولكن مما يزيد محنة المعارضة المصرية شدة، ما طرأ على جمهور المصريين أنفسهم من تغير. فالمصريون منذ زمن ليس بالقصير يعانون أزمات اقتصادية شديدة: الدخل قليل، ولا يزيد إلا ببطء، بينما الأسعار ترتفع بمعدلات كبيرة، والبطالة تزداد وتنتشر بين المتعلمين، والعثور على وظيفة تلائم ما حصله الشاب أو الشابة من تعليم أصبح من أشق الأمور. وخدمات التعليم والصحة والمواصلات التى كانت تقدمها الحكومة، يتدهور مستواها باستمرار، وهذا يستوجب اقتطاع جزء متزايد من الدخل، الذى لا يزيد أصلا إلا ببطء شديد، لتعويض هذا التدهور فى التعليم، بالانفاق على الدروس الخصوصية، وفى الصحة، باللجوء إلى العيادات الخاصة، وفى المواصلات يضطر الناس إلى تعريض أنفسهم وأولادهم وبناتهم لحوادث سيارات وقطارات يقودها رجال (وأحيانا صبية) ليسوا أقل معاناة منهم... الخ. كل هذه الهموم لا تترك للناس، متعلمين كانوا أو غير متعلمين، طاقة يمكن أن يوجهوها للاهتمام بالقضايا الوطنية أو السياسية القائمة، إذ لم يعد لدى معظم المصريين لا الوقت ولا الاستعداد النفسى للتفكير فيما يتجاوز مشاكل الحياة اليومية المتجددة باستمرار، والتى تتطلب مواجهتها جهود جبارة بل وأحيانا أعمال بطولية. هكذا يجد رجل المعارضة نفسه يوجه الكلام لأشخاص، قد يتعاطفون حقا مع ما يقول، ولكنهم لا يجدون فى أنفسهم القوة الكافية لمناصرته والوقوف بجانبه. المعارض إذن، بالإضافة إلى كل ما يواجهه من قسوة النظام، لا يجد من شعبه إلا أفرادا منهكى القوى، استبد بهم عذاب المعيشة اليومية، وأنفقوا كل قواهم فى توفير الضروريات لأولادهم وبناتهم، فلم يبق لديهم شىء يقدمونه للوطن.
6 ولكن دعنا نعترف أيضا بأن المعارضة المصرية، بالإضافة إلى كل ذلك، قد أصابها ضعف وهزال من نوع آخر، لا تريد الاعتراف به، وهو الضعف الفكرى. فالكلام الذى تقوله المعارضة قديم، ولا يتغير مع تغير الظروف والأحوال. ورغم أن المعارضة تبدو وكأنها تتكون من أحزاب كثيرة، ذات مواقف فكرية مختلفة، فالحقيقة أنه ليس من بينها حزب واحد يقول كلاما لم يكن يقوله بحذافيره منذ أكثر من أربعين عاما. ولكن هذا الضعف الفكرى الذى تعانى منه المعارضة المصرية، من الأهمية والخطورة بحيث يحتاج وحده إلى مقال مستقل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.