فضوها سيرة وتفضلوا مشكورين بإغلاق كل الصحف والقنوات الخاصة، بدلا من هذه التلاكيك المضحكة بدعوى التنظيم والترشيد. فى البداية حاصروا خدمة رسائل الأخبار القصيرة، ثم نحروا الدستور أو «انتحروها» ثم استداروا على الفضائيات بزعم تجفيف منابع الفتنة فأغلقوا وأنذروا على طريقة أخذ العاطل بالباطل، والآن جاءت الخطوة الأخطر وهى منع الفضائيات الخاصة من البث الحى المباشر للأحداث اليومية، إلا عن طريق التليفزيون الحكومى.. كل ذلك سبقه تمهيد التربة وتصوير الإعلام الخاص على أنه الشيطان الأكبر. إذن، هى العين الحمراء قبل أسابيع قليلة من بدء معركة الانتخابات البرلمانية، تحرشات على الأرض بالصحف المطبوعة، وتحرشات فى السماء بالقنوات الفضائية الخاصة، غير أن كل ذلك يجرى وفق سيناريوهات مفككة وفقيرة الخيال، على نحو يجعلنا نكتة أمام العالم، كما أن حالة التخبط التى تسيطر على إجراءات الضبط والربط تكشف عن مفارقات مدهشة. فمثلا.. لماذا سكتوا عن قنوات بئر السلم على مدار عامين كاملين كانت فيها أشبه بأوكار الشعوذة الثقافية والطبية والدينية، ثم استفاقوا فجأة الآن لوقفها عن البث، بعد أن دخلت على خط أزمة الاحتقان الطائفى وبالمرة يوجهون إنذارا لقنوات تلقى احترام معظم المتابعين؟ للأسف الأمور تحكمها المواءمات وعلى طريقة «شىء لزوم الشىء» فحين أوقفوا مجموعة القنوات السرية اكتشفوا أنها فى معظمها تروج أنها قنوات دينية إسلامية، فقرر السيد صاحب قرارات الضبط والربط أن يوسع الدائرة ويدخل قناة «أون تى فى» التى يملكها رجل الأعمال المسيحى نجيب ساويرس فى حظيرة الإنذارات والتحذيرات من مخالفة شروط الترخيص.. ويمكنك أن تقول ما شئت فى ساويرس وتختلف معه جملة وتفصيلا، لكن الموضوعية تقتضى القول إن «أون تى فى» تقدم أداء إعلاميا راقيا ومحترما. وكله كوم وحظر تقديم خدمة البث المباشر للقنوات الخاصة كوم لوحده، ذلك أن المسألة هنا تتخذ وجها سافرا غليظ القسمات، إذ يعلن السيد الرقيب بلا أى مواربة أن القصة ليست فتنة طائفية أو مخالفة التراخيص، بل الهدف بوضوح حجب وقائع وتفاصيل الانتخابات البرلمانية المقررة الشهر القادم. باختصار القرار يعنى إطلاق الرصاص على الرقابة الإعلامية بعد أن أجهزوا على فكرة الرقابة الدولية، وإذا كانت الحجة فى منع المنظمات الحقوقية الدولية من متابعة ومراقبة الانتخابات هى رفض المساس بالسيادة الوطنية، فإن منع القنوات الخاصة من التغطية المباشرة لا تفسير له إلا أن حكومة الحزب الوطنى قررت أن تتم الانتخابات فى الخفاء، على اعتبار أن الممارسة الديمقراطية عندنا خجولة وحساسة ولا تنكشف على إعلام خاص، بعد أن رباها الحزب الوطنى فأحسن تربيتها.