يشير كثير من الأمريكيين إلى ضرورة أن يتصدى المسلمون الأكثر اعتدالا للمتطرفين، ويدعوا إلى التسامح، ويعتذروا عن الآثام التى ارتكبها إخوانهم. وهذه نصيحة معقولة، وكرجل معتدل، سأعمل بالنصيحة.. أيها المسلمون هأنذا أعتذر لكم عن موجة التعصب الأعمى وذلك المس من الجنون الذى تعرضتم له فى الفترة الأخيرة. ولابد أن الحقد الذى يساوى بين المسلمين والإرهابيين، الذى ساد موجات الأثير، يحرجنا أكثر مما يحرجكم. والمسلمون هم من آخر الأقليات التى لايزال من الممكن الحط من قدرها علنا فى الولاياتالمتحدة، وأنا أعتذر عما جرى توجيهه إليها من افتراءات. إننى أستلهم اعتذارا صحفيا آخر. فقد نشرت «بورتلاند برس هيرالد» فى «ميّن» مقالا على الصفحة الأولى مع صورة منذ أسبوعين لثلاثة آلاف مسلم من أبناء البلاد يصلون معا بمناسبة انتهاء شهر رمضان. وقد انزعج القراء، لأن النشر صادف الذكرى التاسعة للحادى عشر من سبتمبر، وانهالت الاحتجاجات على الصحيفة. ولهذا، نشرت الصحيفة اعتذارا على الصفحة الأولى لمبالغتها فى إظهار الاحترام للمسلمين. وكتب رئيس تحرير الصحيفة وناشرها، ريتشارد كونور، «إننا نعتذر بصدق للمسلمين»، وأضاف: «أخطأنا على الأقل فى عدم توازن الموضوع ووضعه فى مكان بارز فى الصفحة الأولى». وقد أوردت مدونة جيمس بونيفوزيك من صحيفة تايم نفس المعنى بصيغة مختلفة: «نعتذر عن تقديم المسلمين كبشر». وقد اتصلت بالسيد كونور، وهو يبدو رجلا لطيفا. ومن المؤكد أنه لا يخصص صفحته الأولى للمسلمين السيئين، ويخصص الصفحات الداخلية لمقالات عن المسلمين الصالحين. فهل يجب «الموازنة» بين تغطية المسلمين الملتزمين بالقانون بمناقشة عن المسلمين الإرهابيين؟ من يرفض التوازن؟ لكن هل من الضرورى «موازنة» تغطية رحلة البابا بنيديكت إلى بريطانيا بنقاش عن الإرهابيين الكاثوليك فى أيرلندا؟ وماذا عن الصحافة نفسها؟ سأوقف هذا النقاش عن الصحافة السلمية فى «ميّن» لتحقيق قدر من «التوازن». فالصحفيون أيضا يمكن أن يكونوا إرهابيين، وقتلة، ومغتصبين. وعلى سبيل المثال، روج صحفيو الميديا فى رواندا للتطهير العرقى. أعتذر للمسلمين لسبب آخر. وهذا لا يخصهم بقدر ما يخصنا. إننى أريد أن أدفع عن المسلمين تهمة التعصب، لكنى أريد أيضا أن أدافع عن أمريكا فى وجه المتطرفين الذين يخططون لإشاعة الكراهية الدينية. وليس من الصعب أن نفهم أسباب الاشمئزاز. فالمسلمون المتطرفون أشاعوا الخوف من الإسلام والنفور منه. وقد اضطرت التهديدات التى وجهها المسلمون المتهوسون منذ أيام قليلة رسامة الكاريكاتير مولى نوريس من سياتل إلى الاختفاء بعد أن نشرت رسما عن النبى محمد شاع صيته. ثم هناك الحادى عشر من سبتمبر. وعندما قارنت فى وقت قريب بين التحامل الذى نشهده اليوم على الإسلام والتعصب التاريخى ضد الكاثوليك والمورمون واليهود والأمريكيين الآسيويين، احتج كثير من القراء واعتبروا المقارنة غير صحيحة. كما كتبت إحداهن، واسمها كلارا، على مدونتى: «الكاثوليك واليهود لم يأتوا إلى هنا ليقتلوا آلاف الأشخاص». وهذا صحيح، لكن اليابانيين هاجموا بيرل هاربر وقتلوا فى النهاية عددا من الأمريكيين يفوق عدد كل من قتلتهم القاعدة. وبدافع من مخاوفنا، قمنا بتجميع كل ذوى الأصول اليابانية وحشدناهم فى معسكرات الاعتقال. كان الخطر حقيقيا، لكن كانت هناك كذلك الهيستيريا ورد الفعل المبالغ فيه. المتطرفون يدعمون المتطرفين فى العادة، ويثيرون دوامة من سوء الفهم والغضب المتبادلين. وكثير من الأمريكيين يعتقدون أن أسامة بن لادن يمثل المسلمين، ويعتقد كثير من الأفغان أن القس تيرى جونز (الذى تحدث عن حرق نسخ من القرآن) يمثل المسيحيين. ويعتقد كثير من الأمريكيين بحق أن المسلمين ميالون للعنف، لكن البشر أكثر تعقيدا وتنوعا من أن نصنفهم فى مجموعات نطلق عليها الأحكام الظالمة. ومعظمنا يدرك هذا فيما يخص السود واليهود وغيرهم من الجماعات التى عانت تاريخيا من التمييز، لكن لايزال من الممكن إطلاق التصريحات الشاملة عن «المسلمين» بوصفهم كتلة واحدة دون تمييز بين مسلم وآخر. وفى رحلاتى، شهدت بعضا من أسوأ جوانب الإسلام: ملالى يقمعون الشعب فى إيران؛ وفى أفغانستان، تمنع البنات من الالتحاق بالمدارس باسم الدين؛ وفى أفريقيا، تخضع البنات لعمليات الختان باسم الإسلام؛ وفى اليمن والسودان يحمل أمراء الحرب مدافع الكلاشينكوف ويزعمون أنهم يفعلون ذلك تنفيذا لمشيئة الله. لكنى رأيت أيضا العكس تماما: عمال الإغاثة المسلمين فى أفغانستان وهم يغامرون بحياتهم كى تتعلم البنات، وإمام باكستانى يحمى ضحايا الاغتصاب، وقادة مسلمون يناضلون ضد ختان البنات، وينبهون إلى أنها ليست عادة إسلامية بحق، ومسلمون باكستانيون يقفون فى وجه اضطهاد المسيحيين والهندوس؛ وفوق كل هذا، رأيت عددا لا يحصى من عمال الإغاثة المسلمين فى الكونغو ودارفور وبنجلاديش وفى كثير من مناطق العالم الأخرى يضحون بأرواحهم لمساعدة الآخرين تنفيذا لتعاليم الإسلام. وقد ساعدنى أولئك المسلمون على البقاء حيا، وسنوا معايير للرحمة، والسكينة، والإيثار، يجب أن نحتذى بها جميعا. إننى أشعر بالاشمئزاز عندما أجد من يساوى بين هذه الأرواح الرقيقة وبين إرهابيى القاعدة، وعندما أرى من يشجب دينهم الذى يقدسونه ويسخر منه. فإليهم وإلى غيرهم ممن شُوهت سمعتهم، أقدم اعتذارى.