لعلها لم تكن مصادفة أن يعتبر الفنان عزت العلايلى فيلم «الأرض» هو نقطة البداية الحقيقية لمسيرته الفنية.. ففى هذا العمل أثبت العلايلى أنه فنان نبت من أرض هذا الوطن حتى أصبح بالفعل «مواطنا مصريا» سينمائيا وواقعيا، حيث تلمح فى وجهه ملامح كل المصريين، وهو يعبر عن أحلامهم ومعاناتهم بكل الصدق. العلايلى أحد رواد جيل أثرى مسيرة السينما والمسرح وأيضا التليفزيون بأعمال خالدة، كانت شاهدة على عصر بكل ملامحه الاجتماعية والسياسية.. ورغم ابتعاده عن السينما فإنه استمر فى تقديم أعمال تليفزيونية، وأبقى على حبه للمسرح وهو الآن يستعد لعملين، أحدهما مسرحى مأخوذ من أعمال نعمان عاشور، وآخر تليفزيونى يحكى قصة كفاح من أجل الوطن. الشروق: هل بالفعل بدأت فى كتابة مذكراتك؟ عزت: تلقيت عروضا كثيرة من عدد من الكتاب والصحفيين لكتابة مذكراتى، ولكننى حتى الآن لم أتخذ قرارا نهائيا، وما زلت فى مرحلة التفكير فى هذه الخطوة. الشروق: عندما تكتب مذكراتك ما أهم ما ستتضمنه؟ عزت: سأركز على مراحل حياتى الفنية بداية من عملى فى التليفزيون مخرجا ومؤلفا ثم عملى فى المسرح وعلاقاتى بمن عملت معهم من الفنانين، وأبرزهم المخرج يوسف شاهين، وكذلك أهم أفلامى وعلى رأسها «الأرض» و«الاختيار» و«الناس والنيل» و«أهل القمة» و«التوت والنبوت» و«مواطن مصرى» و«الطوق والأسورة» و«الطريق إلى إيلات». الشروق: ما ملامح مشروعك المسرحى الجديد؟ عزت: المشروع الجديد مع المخرج سمير العصفورى، والذى بدأ بالفعل فى إعداد عمل مسرحى له خصوصيته فى الشكل والمضمون من أعمال الكاتب الراحل نعمان عاشور المسرحية، وكذلك من مقالاته الأدبية والصحفية بحيث نرصد أهم الأفكار التى جاءت فى هذه الأعمال فى رؤية مسرحية جديدة وما زلنا فى مرحلة اختيار اسم مناسب لهذه الرؤية. الشروق: لماذا تلجأ إلى نعمان عاشور ولا تقدم عملا معاصرا؟ عزت: لأن نعمان عاشور كاتب معجون بطمى الوطن، وأحد أبرز رموز التنوير، الذين تركوا أثرا واضحا فى فهم الشخصية المصرية خصوصا فيما كتب للمسرح، أما بالنسبة لفكرة العودة لنعمان عاشور فهذا بسبب أن ملامح الشخصية المصرية لم تتغير طوال القرنين الماضيين. وأصبح من السهل أن تأتى بنص من نصوص رموز التنوير خصوصا الرعيل الأول أمثال رفاعة الطهطاوى ومحمد عبده والنديم وكتاب النصف الأول من القرن التاسع عشر أمثال يحىى حقى وأحمد أمين ويوسف السباعى، وتجدها معبرة عن الفترة التى نعيشها. الشروق: كيف يمكن القول إن الشخصية المصرية لم تتغير رغم معايشتها لأنظمة سياسية وأيديولوجيات مختلفة؟ عزت: لو تأملنا الشخصية المصرية سنجدها محتفظة بنفس تكوينها وعاداتها وتقاليدها، وسنجد أننا سقطنا للخلف ولم نتقدم للأمام منذ 200 عام، ولم نستغل رموز التنوير، والسبب هو تغييب الفلسفة لأن الفلسفة هى التى تصنع الفكر. والفكر يولد الأدب، الذى يعطينا مساحات من الدارما تعكس روح المجتمع، ولذلك أيضا عدنا لنعمان عاشور لأن أفكاره، التى سنقدمها ستكون بمثابة «كرابيج» فكرية لرصد ما وصلت له الشخصية المصرية والطموح المصرى. الشروق: إذا كانت الشخصية المصرية لم تتأثر فإذن رموز التنوير لم يؤدوا دورهم؟ عزت: هم أدوا ما عليهم، ولكن كيف يمكن أن تقود قلة من المفكرين مجتمع كبير لا ينتج إلا ندرة من المفكرين هل يعقل أن المجتمع الذى تعداده يصل إلى 80 مليون يقف عند أربعة أو خمسة مفكرين، فمثلا الآن لا تجد كتاب سينما أصحاب فكر باستثناء أسماء قليلة على رأسها وحيد حامد. الشروق: وكيف ترى السينما المصرية الآن؟ عزت: السينما الآن فى انهيار والمسئول عن هذا الانهيار هو وزارة الثقافة فحينما كانت الدولة تولى اهتمام للسينما قدمنا أفلاما مثل «الأرض» و«الاختيار» و«المومياء» و«شىء من الخوف»، وكنا نتواجد فى المهرجانات الدولية بقوة، الآن نلاحظ غياب الفيلم المصرى والفكر المصرى. وتحدثنا مع السيد فاروق حسنى فى أكثر من مناسبة خصوصا فى اجتماعات لجان المجالس القومية المتخصصة، وسألناه بشكل مباشر عن السينما، وقال إنه رصد 25 مليون جنيه، ولكننا لم نر شيئا حتى الآن سوى أنه رفع يده عن السينما، ولا أعرف السبب. الشروق: ولكن السينمائيين يتحملون جزءا من المسئولية عن انهيار السينما.. فيوسف شاهين لم يكن وزير الثقافة؟ عزت: يوسف شاهين كان رمانة ميزان السينما وقدم رسالته على أكمل وجه، ولكن المسئولية الأكبر تقع على عاتق الدولة ممثلة فى وزارة الثقافة، فهل يرضيهم أن يقيموا مهرجانا سينمائيا فى مصر لا يعرض فيه فيلم يشرف السينما المصرية، هل يقيمون المهرجانات لعرض الأعمال المصرية أم لعرض أعمال الآخرين؟! فكل المهرجانات فى كل الدول تقام بالأساس لعرض إنتاجها السينمائى، وليس إنتاج الآخرين فقط. الشروق: أقصد لماذا لا يتجه صناع السينما إلى إنتاج الأعمال الجادة؟ عزت: لأن الذين يعملون فى السينما وشركات الإنتاج لا يشغلهم إلا الكسب المادى ولا يفكرون فى المكسب الفكرى، السينما بالنسبة لهم تجارة تخضع لحسابات السوق. الشروق: ولماذا لم تقم بخوض تجربة الإنتاج؟ عزت: لأننى لا أملك المال الذى أستطيع من خلاله إنتاج فيلم سينمائى، فأنا لم أكن أعمل من أجل المال، وكرست حياتى لتقديم فكر وفن، وليس لتكوين رصيد فى البنوك، فثروتى هى أعمالى الفنية التى قدمتها وأفكارى التى أمتلكها، ولو كان عندى أى أموال لوجهتها للإنتاج. الشروق: هل من بين هذه الأفكار أعمال سينمائية؟ عزت: طبعا لدىّ أفكار كثيرة كنت أتمنى تقديمها، أبرزها مشروع فيلم بعنوان «لا» كان مكتوبا للراحل عبدالحليم حافظ، وكان قد أعد السيناريو له حسن فؤاد، وكان سيخرجه المخرج الجزائرى أحمد رشدى، واشتريت حقوق العمل بعد رحيل عبدالحليم، ولكننا فشلنا فى الحصول على تمويل له وبعده عملت على فكرة فيلم «السيد يحبكم»، والآن يكتب السيناريو له رءوف توفيق وأتمنى أن يتم تنفيذه. الشروق: وعماذا يحكى «السيد يحبكم»؟ عزت: هذا الفيلم يعكس حالة الاستبعاد الاجتماعى بين الطبقات فى مصر من خلال رصد أحوال طبقة الأثرياء فى شخصية أحد الرجال الأثرياء والطبقة الدنيا فى شخصيات من حى شعبى ويرصد الفيلم كيف ستكون الصورة إذا ما قرر هذا الرجل الغنى مساعدة الفقراء وكيف يمكن أن تسفر محاولة إسعادهم إلى تحويل حياتهم إلى جحيم. الشروق: هل تتابع ما يقدمه جيل الشباب من أعمال سينمائية؟ عزت: أتابع معظم ما يقدم وأعجبتنى أفلاما مثل يعقوبيان والوعد وطباخ الريس. الشروق: هل يمكن للجيل الحالى أن يصنع فيلما مثل الاختيار يدخل موسوعة السينما العالمية؟ عزت: بالطبع لا مع احترامى لكل الموجودين لا يستطيعون أن يصنعوا فيلما مثل «الاختيار». الشروق: جيلكم متهم بأنه بخل على الجيل الحالى ولم يشاركه أعماله؟ عزت: لم نبخل على الجيل الحالى بأى شىء ولو طلبوا منى النصيحة أو المشورة أو أى شىء آخر لن نبخل عليهم بها. الشروق: ولكن دائما ما يقولون إنهم جيل بلا أب شرعى؟ عزت: يقولون هذا عندما تفشل أعمالهم فقط. عزت: ولماذا لم تشارك فى أعمال الشباب كما فعل محمود ياسين؟ عزت: أولا أنا لا أفرض نفسى على شركات الإنتاج وحتى العروض، التى وصلتنى لم تكن مناسبة فأنا لن أضيع تاريخى بالمشاركة فى فيلم كضيف شرف، وأنا أرفض هذه المشاركة احتراما لتاريخى ولأبنائى، ولك ولكل المشاهدين، أما بالنسبة لتجربة محمود ياسين فأنا أحترمها، وبالتأكيد له حساباته وأفكاره. الشروق: نعود للمسرح.. هل بالفعل صرحت بأنك لا تعترف إلا بالمسرح القومى؟ عزت: أنا لا أقبل بأن أقدم مسرحا إلا على خشبة المسرح القومى لأننى أحبه كبناء وكفكر، وهناك حالة من الارتباط العضوى والنفسى، تربطنى به ومع ذلك أحترم كل ما يقدم من أعمال مسرحية فى مصر. الشروق: وما رأيك فيما يقدمه محمد صبحى وعادل إمام؟ عزت: محمد صبحى قدم فكر لينين الرملى فى عدة مسرحيات كانت رائعة، ولعل أبرزها «وجهة نظر»، وأعتقد أنهم كانوا أفضل قبل انفصالهم، أما عادل إمام فأعتقد أنه يقدم مسرحا ناجحا، وقد أعجبنى جدا مسرحية الزعيم. الشروق: بالمناسبة هل تعتقد أن هناك فنانا يستحق لقب الزعيم؟ عزت: الجمهور هو الذى منحه اللقب وللجمهور الحق فى منح مثل هذه الألقاب. الشروق: بمناسبة الزعامة لو عرض عليك دور زعيم.. فمن تختار من الزعماء؟ عزت: أتمنى تقديم شخصية الزعيم سعد زغلول. لأنه من المقامات السياسية الكبيرة وقائد الحركة الوطنية المصرية. الشروق: نعود لعادل إمام فى رأيك.. لماذا نجح فى الاستمرار فى تقديم أعمال سينمائية بشكل منتظم؟ عزت: لأنه يملك إصرارا كبيرا على الوجود سينمائيا مدعوما بحب الناس. الشروق: إذن هل باقى الجيل يفتقد لهذا الإصرار؟ عزت: نحن قدمنا أعمالا مسرحية وتليفزيونية ولم نبتعد، فأعمالنا على الشاشة الصغيرة عوضت ابتعادنا عن السينما، وأنا أعتز بأعمال تليفزيونية عديدة مثل حرس سلاح ومسك الليل كالأعمال السينمائية، وبالمناسبة أنا حريص على الأعمال التليفزيونية حتى فى عز انشغالى بأعمالى السينمائية. الشروق: لماذا ينكر البعض تجسيدك لدور أدهم الشرقاوى فى عمل تليفزيونى؟ عزت: لا أعرف قد تكون ذاكرتهم محيت وأصيبوا بفقدان ذاكرة لأن مسلسل أدهم الشرقاوى، الذى جسدته كان من أنجح الأعمال، التى قدمها التليفزيون، وعرض عام 1984 من تأليف عايد الرباط وإخراج ممدوح مراد، وأنتجه حسن عبدالله واستغرق فى كتابته فقط تسعة أشهر. الشروق: كثيرا ما قيل إن أدهم كان رمزا لجمال عبدالناصر فهل قمتم به لهذا السبب؟ عزت: لم نقم به إلا لنرصد ما قدم به أدهم الشرقاوى دون أن نقصد أى زعيم سياسى. الشروق: وما الجديد لديكم على صعيد الأعمال التليفزيونية؟ عزت: أحضر الآن لمسلسل بعنوان «30 يوم» يحكى قصة مجموعة إرهابية تخطط لتنفيذ اعتداءات فى مصر، وتتصدى لهم الشرطة. وأجسد فى المسلسل شخصية لواء شرطة يقود قوات الأمن التى تطارد المجموعة الإرهابية طوال 30 يوما حتى يتمكن من القبض عليهم. ويستعرض المسلسل النواحى الإنسانية والمهنية لضباط الشرطة ويبرز ما يبذلونه من مجهود لحماية الوطن. الشروق: هل تعتقد أن الشارع مهيأ لطرح هذا النموذج المثالى لضابط الشرطة فى ظل ما يكتب عن تجاوزات واعتقالات؟ عزت: رجال الشرطة الشرفاء هم الأغلبية والتفاحة الفاسدة يجب ألا تفسد كل السلة هناك ضباط شرفاء يحمون الوطن ولابد من تقديرهم وشكرهم على مجهودهم. الشروق: هل سيتعرض المسلسل لقانون الطوارئ وقانون مكافحة الإرهاب؟ عزت: لم ننته من كتابة كل الحلقات وأعتقد أنه لابد أن نناقش هذه القضايا لأننى أهتم بكل التفاصيل المتعلقة بعمل ضباط الشرطة، وأتوقع أن أجلس قريبا مع عدد منهم لفهم الخطط والتفاصيل الفنية فى مثل هذه الحالات.