إذا كنت فى دولة بها مئات السيارات تتكدس فى نقاط التفتيش، وتشم رائحة مياه الصرف غير المعالج والوقود فى الشوارع، وهناك أسلحة مصوبة إلى رأسك من السيارات العسكرية، وأكوام القمامة منتشرة هنا وهناك، فضلا عن شائعات حول عمليات اغتيال. إذن فأنت فى «العراق الجديد» الذى يعيش «انهيارا تاما» يشبه «عراق (الرئيس العراقى الراحل) صدام حسين»، بحسب تقرير لمجلة «فورين بوليسى» الأمريكية ترصد فيه أوضاع البلد المحتل منذ مارس 2001 بعد إعلان انتهاء المهمة القتالية للقوات الأمريكية نهاية الشهر الماضى. وقد وصف أوباما العمليات العسكرية فى العراق عقب رئاسة جورج بوش ب«الفجر الجديد»، وأعلن رئيس الوزراء العراقى المنتهية ولايته نورى المالكى أن العراق دولة مستقلة ذات سيادة. وحاليا يوجد فى العراق أقل من خمسين ألف جندى تقول واشنطن إن مهتمهم تقتصر على «تدريب وتقديم المشورة التقنية للقوات العراقية»، ومن المنتظر أن ينسحبوا بحلول 2011. وبحسب المجلة فإن عقوبات الفصل السابع من ميثاق الأممالمتحدة على العراق يحرمه من كامل سيادته على أراضيه ويلزمه بتقديم 5% من إنتاج البترول كتعويضات للكويت، كما أنها تعزل العراق اقتصاديا. كما أن التدخل السعودى والإيرانى فى العراق يضيق حدود الديمقراطية، وللأمريكان الحق فى تشكيل الدولة العراقية الجديدة وصياغة النظام السياسى والاقتصادى للدولة وتنظيم الجيش، دون تدخل العراقيين. ويخشى الأمريكيون من فقدان نفوذهم فى الوقت، الذى تنشط فيه الميليشيات الشيعية المسيلحة، كما أن مشكلة الأكراد لم تنته رغم سبع سنوات ونصف السنة من الغزو، وفقا للمجلة. ويحذر دبلوماسيون أمريكيون من تدهور الوضع لأن جنوب العراق، ذا الأغلبية الشيعية، سيكون بدون وجود أمريكى، بالإضافة إلى خلو محافظات أخرى من أى قوات أمريكية. فى نفس السياق، قال الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفى عنان إنه لم يكن هناك داعٍ لغزو العراق، مشددا على أن هذا الغزو أعاد البلاد عقدين إلى الوراء.معلقا على تقرير «فورين بوليسي» وتصريحات عنان، أكد الدكتور عبد الحليم محجوب الباحث فى المركز القومى لدراسات الشرق الأوسط والمتخصص فى الشأن العراقى، «مأساوية الأوضاع فى العراق». ونبه إلى أن «الوجود الأمريكى أمنيا، وسياسيا، وثقافيا فى العراق مستمر حتى بعد الانسحاب عام 2011، وذلك من خلال الشركات الأمنية وتكليفها بمهام أمنية بعيدة المدى، كما أن هناك سيطرة أمريكية محكمة على البترول العراقى». ومضى محجوب قائلا ل«الشروق»: «أما السيطرة الثقافية فتتم من خلال إرسال بعثات علمية من الطلاب العراقيين إلى الولاياتالمتحدة، كما أن واشنطن ستطلق يد إيران فى العراق لإحداث انقسامات وتناحر داخلى بين السنة والشيعة، وجعل دول الخليج تشعر بضرورة الوجود الأمريكى فى العراق». وختم بالتشديد على أن «المقاومة تلعب دورا مهما فى الوضع المتدهور الراهن، ومن ثم لابد من إدماجها فى العملية السياسية».