هناك مشكلة مستفحلة بين أصحاب اللنشات والمزارع السمكية من جهة وصغار الصيادين فى بحيرة البرلس بكفرالشيخ من جهة أخرى، سببها أن الطرف الأول يستولى على زريعة الأسماك ويحرم الطرف الثانى من رزقه البسيط. الصيادون الغلابة اشتكوا للمحافظ المهندس أحمد زكى عابدين، فماذا قال الرجل؟! خلال جلسة المجلس التنفيذى للمحافظة يوم الاثنين الماضى طالب المحافظ من صغار الصيادين بأن «يكونوا رجالا ويتركوا السلبية ويحملوا العصى والشوم للدفاع عن أرزاقهم ضد الحيتان والقراصنة أصحاب اللنشات والمزارع السمكية الذين يهدرون الثروة السمكية». وأضاف المحافظ طبقا لما نشرته أكثر من صحيفة مثل «الشروق» و«الأهرام المسائى»، أن هؤلاء الحيتان جبناء ولو شاهدوا صغار الصيادين يحملون العصى والشوم فلن يفكروا فى تكرار الأمر مرة أخرى، مردفا بأنه سيسعى لحملة ضد هذه اللنشات بعد العيد. وللأمانة عندما قرأت كلمات المحافظ للمرة الأولى أعجبت به، لأنه يدافع عن مصالح فقراء مساكين فى وجه ظلمة متجبرين، لكن وبعد التفكير أكثر من مرة اكتشفت أن نظرية المحافظ عابدين أو طريقته الجديدة هى انقلاب خطير وقد تؤدى إلى عواقب وخيمة. لنفترض أن صغار الصيادين قرروا تنفيذ اقتراحات ومطالب المحافظ وقرروا التوجه إلى عرض البحيرة وكل صياد يحمل «شومته» فى يده، وتصدوا للحيتان الكبار أصحاب المزارع واللنشات. ولنفترض أيضا أن الصيادين طلبوا من الحيتان الانصراف من البحيرة ووقف الصيد، والاحتمال الأكبر أن الحيتان سيرفضون، وهنا سيبدأ الصيادون الدفاع عن أرزاقهم ويستخدمون «الشوم والعصى».. وبالطبع سيرد أصحاب المزارع، وهناك احتمال بوجود أسلحة معهم.. وبالتالى فإن إمكانية وقوع جرحى وقتلى قائمة، وقد يتسع الأمر ليتحول إلى مجزرة. فمن سيكون المتهم والمحرض؟! السيد المحافظ بهذا الاقتراح يريح نفسه ويتخلى عن دوره، ويؤسس لقواعد جديدة فى علاقة الحكومة بالناس وعلاقة الناس ببعضها البعض. المفترض أن الدولة عبر الحكومة هى التى تحتكر العنف طبقا للقانون، ولو تركت هذه الوظيفة الخطيرة لبعض فئات المجتمع، فذلك سيقود إلى حرب أهلية. مع كل التقدير لمشاعر المحافظ النبيلة فإن ما كان ينبغى فعله فى هذه القضية هو الآتى: تتحرك أجهزة الحكومة والمحافظة وبعد التحرى وإذا ثبت أن هؤلاء الحيتان يهدرون الثروة السمكية تقوم أجهزة الأمن بالقبض عليهم عبر «الشومة الرسمية»، وإذا ثبت أنهم أبرياء تتركهم وإذا ثبت صحة ما هو منسوب إليهم تتم محاكمتهم بالقانون وسجنهم. أغلب الظن أن المحافظ كان حسن النية وهو يقترح مثل هذا الاقتراح، ربما بحكم تأثره من القصص والحكايات التى تحكى عن بطش وتجبر أصحاب المزارع السمكية ضد صغار الصيادين، وربما أراد المعنى المجازى عندما طالبهم بحمل الشوم والعصى والدفاع عن أرزاقهم.. لكن المشكلة أن الطريق إلى جهنم مفروش فى أوقات كثيرة بالنوايا الطيبة. يا سيادة المحافظ.. الأمر بسيط، لو كنت تعتقد أن اللجوء إلى المحاكم وتطبيق القانون يحتاج وقتا طويلا، يمكنك ببساطة ان تتصل بمدير أمن كفرالشيخ وتشرح له القصة، وتتفاهما على إرسال قوة بسيطة تحمل شوما وبنادق ورصاصات.. وقتها سوف يهرب كل اللصوص والحيتان والقراصنة. يا سيادة المحافظة.. الصيادون وظيفتهم الصيد، ووظيفة حضرتكم هى الحفاظ على مصالح الناس ووظيفة الأمن هى تطبيق القانون. فالرجاء لا تخلط بين الوظائف، حتى لا يزداد الأمر سوءا.