«ربابة وناى ونقارة وصفارة»، وتراث من أشعار السابحين فى العشق الإلهى، وآذان تطرب، وأجساد تتمايل، تلك مكونات لوحة ظلت محفورة فى وجدان المصريين، لم يبق منها سوى ما نقله الخلف عن السلف من المنشدين والمداحين. وأينما كانت مقامات الأولياء وآل البيت، كان الإنشاد، وذلك المداح الذى يجوب البلاد وخلفه مريدوه، الذين رغم بساطتهم (وأميتهم فى غالب الأمر) لايجدون صعوبة فى حفظ أشعار أقطاب الصوفية، سيدى عمر بن الفارض ،الحلاج، السهروردى، ومحيى الدين بن عربى. وعلى قدر ما برع هؤلاء فى نظم «خوالد أشعارهم»، برع ذلك الشاب الذى خرج من قرية «الحواتكة» فى مركز منفلوط بمحافظة أسيوط فى أن يصل بصوت كل من سبقوه وأشعار « سلاطين دولة المديح» إلى عشاق الإنشاد فى منازلهم وأعمالهم دون أن يكلفهم مشقة الترحال فى بلاد الله وبين خلق الله. إنه ياسين التهامى. الوريث الشرعى لتراث يمتد من شاعر الرسول، حسان بن ثابت، إلى يومنا هذا، مستفيدا من تقنيات عصره التى مكنته من تسجيل أعماله وتوصيلها إلى عشاقه فى كل مكان. وياسين الذى ولد فى 6 ديسمبر عام 1949، شب بين عشرات الأضرحة المنتشرة فى قريته، ومن بينها ضريح الشيخ التهامى حسانين (والده)، والشيخ أبى الحسن المحمدى والشيخ عبد رب النبى والشيخ الحلوى والشيخ الريدى وغيرهم، وساهم فى تكوينه كذلك نشأته فى بيت دينى، أثر فيه الأب الذى كان من الزهاد العابدين بشهادة كل من رآه. وشب الصغير ليجد نفسه محاطا بليالى الذكر التى كان يقيمها والده فى المناسبات الإسلامية، مثل المولد النبوى الشريف، وظل ياسين منتظما فى تعليمه الأزهرى حتى السنة الثانية من المرحلة الثانوية الأزهرية، وكان ذلك عام 1970م، ثم انقطع عن الدراسة لظروف خاصة. وخلال هذه الفترة كان مولعا بالشعر الصوفى والذى كان يسمعه من والده وممن يحضرون ليالى الذكر، وظل لعامين متأملا ومنقطعا لقراءة أشعار المتصوفة، ورغم تركه تعليمه الأزهرى فى السنة الثانية من المرحلة الثانوية، إلا أن هذه الفترة من التعليم كانت خير معين، إذ حفظ القرآن الكريم ودرس تجويده، مما ساعده على إنماء ملكة الحفظ لديه التى كانت عاملا مهما بالنسبة له فيما بعد، علاوة على دراسته اللغة العربية وقواعدها على أيدى أساتذة أجلاء من علماء الأزهر، مما مكنه من معرفة أصول اللغة وقواعدها وكيفية نطقها نطقا سليما. ويعد ياسين التهامى من أهم المنشدين فى الوطن العربى ، والذى طاف بلدانه متغنيا بأشهر قصائده «أبدا تحن إليكم الأرواح «للسهروردى، و«وفائية» ابن الفارض «قلبى يحدثنى»، و«النادرات العينية» لعبد الكريم الجيلى وغيرها. وتأثر التهامى فى أدائه بمن سبقوه فى هذا المجال، والذين لم يكن لهم نفس النصيب من الشهرة، وأهمهم الشيخ أحمد بن برين أو أحمد التونى وهو الشيخ الذى تتلمذ التهامى على يديه.