فى كل أزماته وهى كما يعلم الجميع كثيرة لا يعدم فاروق حسنى وزير الثقافة أن يجد كبش الفداء المناسب. محسن شعلان رئيس قطاع الفنون التشكيلية الذى قدمه الوزير ثمنا ل«زهرة الخشخاش» ليس أول ولا آخر الضحايا، فقبله بما يقرب من عشرة أعوام كان على أبوشادى مكان شعلان، بسبب ما عرف بأزمة الروايات الثلاث، التى فجرها الإخوان عقب صدور ثلاث روايات رأوا أنها تخدش الحياء العام، وهى: «قبل وبعد» لتوفيق عبدالرحمن، و«أحلام محرمة» لمحمود حامد، و«أبناء الخطأ الرومانسى» لياسر شعبان. وقتها وبدلا من أن ينحاز الوزير الفنان لحرية التعبير، استسهل التنصل مما اعتبره مسئولية، ليلقى بهذه المسئولية على مرءوسه الناقد على أبوشادى، الذى كان وقتها رئيسا للهيئة العامة لقصور الثقافة، قبل أن يقيله الوزير عملا بمبدأ «إن جالك الطوفان». فى عام 2005، نسبت إلى الوزير كارثة جديدة لما يزل صداها يتردد حتى الآن، حيث احترقت أجساد عشرات الفنانين والنقاد والشباب داخل مسرح بنى سويف، أثناء عرض مسرحى ضمن مهرجان نوادى المسرح عام 2005، بسبب عدم توفير وسائل الأمان اللازمة لإنقاذ الضحايا، بعد سقوط شمعة ضمن ديكور العرض المسرحى تسببت فى الحريق، وقتها حمل الوزير الشمعة مسئولية هذه الكارثة التى غيبت أكثر من 55 مبدعا مسرحيا أبرزهم: (محسن مصيلحى حازم شحاتة صالح سعد نزار سمك بهائى الميرغنى مدحت أبوبكر أحمد عبدالحميد حسنى أبوجويلة حسن عبده وغيرهم..)، وعندما لم يقتنع أهالى وأصدقاء الضحايا، فضلا عن المثقفين الذين أوجعتهم المصيبة، ألقى الوزير بابنه الثانى د. مصطفى علوى، رئيس الهيئة العامة لقصور الثقافة وقتها، تحت رجليه هربا من الطوفان، فأقاله من منصبه، وقدمه للنائب العام ومعه مجموعة من صغار الموظفين، الذين لم يجد القضاء بدا من تبرئة أغلبهم فيما بعد. لكن هذا لم يكن كافيا فتقدم الوزير باستقالة سرعان ما تراجع عنها، لتصير هذه الاستقالة «كارتا» جاهزا يخرجه الوزير عند كل أزمة قبل أن يطلب منه النظام فيما بعد «أن يرم وراء ظهره»، كما حدث عقب معركة اليونسكو الخاسرة وغيرها من المعارك. أما شعلان فهو ضحية اليوم أو الابن الثالث الذى ألقى به الوزير الفنان تحت رجليه، عقب حادث السرقة الثانية للوحة «زهرة الخشخاش» للفنان «فان جوخ»، حيث حمَّله الوزير مسئولية ضياع اللوحة، مؤكدا فى برنامج (90 دقيقة) أنه فوجئ بأن كاميرات الأمن لا تعمل، «ولو علمت بعطل الكاميرات لأغلقت المتحف». وطبقا لما ذكره موقع البشائر فإن فاروق حسنى أوضح أنه نصح محسن شعلان منذ ستة أشهر بإعادة صياغة المتحف كاملا، «كما أنه خصص مبلغا من صندوق التنمية الثقافية من أجل التطوير»، «وانتظرت أن يقدم لى رؤيته حول تطوير المتحف لأعطيه المبالغ والتى جلبتها خصيصا لصيانة المتحف، إلا أننى فوجئت اليوم أن كاميرات الأمن لا تعمل، ولو علمت بعطل الكاميرا لأغلقت المتحف». لكن تصريحات الوزير هذه عكس ما قاله محسن شعلان أمس الأول لنفس البرنامج والتى أكد فيها أنه حاول مرارا الحصول على ميزانية لتطوير المتحف، لكن كان الرد دائما الميزانية لا تسمح هذا العام، وهذا قبل ساعات من إحالة محسن شعلان إلى النائب العام، بعد ما وصفه ب«صدمة اتهام الوزير له بالإهمال»، موضحا أنه سيترك هذا السيناريو للرأى العام لتفسيره. وإذا كان هذا هو رد فعل شعلان أحدث ضحايا الوزير الفنان، فإن الابن الأكبر على أبوشادى كان له رأى آخر، تعليقا على أزمته السابقة مع الوزارة بسبب «الروايات الثلاث». حيث قال أبوشادى ل«الشروق» إنه لم يكن أبدا كبش فداء، وأضاف أن ما حدث فى أزمة الروايات الثلاث كان مسئوليته التى تحملها بمنتهى الرضا والقناعة. وتابع أبوشادى قائلا: «أنا كنت مسئولا عن قطاع نشر حدث به تجاوز، والطبيعى أن أتحمل المسئولية كاملة»، وزاد: «أن وزير الثقافة يترأس مؤسسة بها 18 قطاعا أو هيئة، يعمل بها ما يقرب من ربع مليون موظف، ومن غير المنطقى أن يتابع بنفسه الكتب المعدة للنشر، أو الأبواب المغلقة، وكاميرات المراقبة. وأردف أنه من الطبيعى أن الوزير عليه مسئولية إدارية ووظيفية، لكن المسئولية الحقيقية تقع على عاتق المسئولين المباشرين عن هيئات وقطاعات الوزارة. أما رئيس هيئة قصور الثقافة. الأسبق مصطفى علوى فبدأ حديثه بالتأكيد على نزاهة واستقلال القضاء المصرى، الذى برأه بقاعدة قانونية واضحة هى انتفاء المسئولية لانتفاء الخطأ، ما يعنى أنه كان بعيدا وغير مسئول عن الخطأ الذى وقع وتسبب فى كارثة حريق بنى سويف. وقال علوى العرض «الكارثى» الذى وقع أثناءه الحريق كان ضمن عشرة عروض فازت على مستوى الجمهورية ورشحت لتعرض خلال المهرجان، وأضاف أنه كان مسبوقا بثلاثة عروض لم يقع أثناءها أى مشاكل. لكن الأزمة والحديث لا يزال لعلوى أن هذا العرض والذى كان مصنفا من قبل لجنة فنية بأكاديمية الفنون بأنه عرض تقليدى، أى يعرض على المسرح الكبير بقصر الثقافة المجهز أمنيا، لكن مخرج العرض قرر (دون علمه) نقل العرض إلى إحدى القاعات الصغيرة المعدة للفن التشكيلى، وغير المؤهلة لتقديم عرض كهذا، وبالتالى وقعت الكارثة دون علمى وبالتالى دون مسئوليتى. علوى أكد أن انتفاء مسئوليته عن هذه الحادثة، يعنى أيضا انتفاء المسئولية عن وزير الثقافة، لكنه استدرك قائلا: «من زاوية أخرى فإن المفروض إذا خضع رئيس مصلحة أو هيئة ما للمساءلة، فإن المساءلة يجب أن تشمل جميع المسئولين بدءا بأعلى المستويات وهو الوزير». وأضاف أن عدم وجود قانون لمحاكمة الوزراء، أو صعوبة تطبيق هذا القانون لا يعنى عدم خضوع الوزير للمساءلة، بما فى ذلك المساءلة الجنائية. وردا على سؤال بما إذا كان الوزير قد تضامن معه فى أزمة حريق بنى سويف، قال علوى إنه لم يتلق أى اتصالٍ من الوزير على الإطلاق، مؤكدا أنه لم يكن فى حاجة إلى تضامن من أحد، فقط كان يثق فى نزاهة وعدالة القضاء المصرى التاريخية. «نعم شعرت طبعا بأننى كنت كبش فداء» يجيب علوى عن سؤال «الشروق» حول هذه المسألة، مضيفا أنه لم يملك سوى السير فى سكة القضاء إلى نهايته، والتى تمخضت عن الحكم العادل بانتفاء المسئولية لانتفاء الخطأ.