كانت المصادفة هى كلمة السر فى حياة الشيخ مصطفى إسماعيل، فمن خلالها ذاع صيته فى محافظة الغربية مسقط رأسه، بعد أن التقى الشيخ محمد رفعت هناك، فى سرادق عزاء أحد أصدقائه. فبعد أن انتهى رفعت من القراءة فى تلك الليلة ترك مكانه لإسماعيل ليقرأ فانبهر رفعت بقراءته وأعجب بنبرات صوته العذب وطلب منه عدم التوقف عن القراءة حتى يطلب منه. أكثر من ساعة ونصف الساعة ظل فيها إسماعيل يقرأ ورفعت يستمع والحاضرون يحيونه بصوت مرتفع، حتى أذن الشيخ رفعت له بختم وصلته. «اسمع يا ابنى أنت صاحب مدرسة جديدة ولم تقلد أحدا ولكن ينقصك أن تثبت حفظك بأن تعيد قراءة القرآن على شيخ كبير من مشايخ المسجد الأحمدى فى طنطا»، تلك كانت الكلمات التى سمعها الشيخ إسماعيل من الشيخ رفعت عقب فراغه من التلاوة. ولم يتردد إسماعيل فى العمل بالنصيحة فالتحق بالمعهد الأحمدى وعمره لم يتجاوز الثامنة عشرة، لتأتى المصادفة الثانية التى غيرت من حياته وجعلته أحد أشهر من قرأ القرآن فى مصر. فبينما كان الشيخ إسماعيل فى زيارة إلى القاهرة لشراء بعض مستلزماته، تذكر نصيحة الشيخ محمود حشيش، الذى كان يتعهده بالمعهد الأحمدى فى طنطا بضرورة الاشتراك فى رابطة تضامن القراء بحى الحسين. وعندما ذهب التقى إسماعيل الشيخ محمد الصيفى، الذى عرفه بمجرد أن أخبره باسمه، وطلب منه الحضور فى اليوم الثانى ليعرفه على كبار المشايخ والقراء. فهذه الليلة لعبت المصادفة دورا من جديدا حيث تزامن إحياء حفل ستنقله الإذاعة من المسجد الحسين وسيحييه الشيخ عبدالفتاح الشعشاعى، إلا أن مفاجأة قد حدثت وتغيب الشعشاعى عن الحضور وهو ما وضع المسئولين فى ورطة. فما كان من الشيخ الصيفى إلا أن أجلس إسماعيل على دكة القراء فى ظل اعتراض مسئولى الإذاعة نظرا لكونه غير معتمد، من هنا بدأت رحلة الشيخ إسماعيل مع الشهرة فى القاهرة. وبعد أن قرأ أكثر من نصف ساعة من سورة التحريم، وأثناء مغادرته للمسجد التف حوله الجمهور وأخذوا يقبلونه ويعانقونه، وطلبوا منه بأن يستمر فى القراءة فظل يقرأ حتى انتصف الليل. فى هذا اليوم لم يكسب الشيخ إسماعيل شهرة فى مصر فقط، بل إن الملك فاروق سمعه وقتها فى الإذاعة المصرية، فأصدر أمرا ملكيا بتعيينه قارئا للقصر الملكى كان ذلك فى عام 1943. بعدها ذاع صيت الشيخ إسماعيل حتى حصل على وسام الجمهورية من الرئيس جمال عبدالناصر فى عيد العلم فى عام 1965 ليصبح بذلك أول قارئ للقرآن ينال هذا التكريم. وارتبط الشيخ إسماعيل بعلاقة طيبة مع الرئيس السادات، حيث كان السادات يهوى صوته ويقوم بتقليده لزملائه فى فترة سجنه قبيل الثورة، وبعد أن أصبح السادات رئيسا اتخذه القارئ الخاص به. واستمرت علاقة السادات وإسماعيل حتى قرر الأول أن يذهب إلى إسرائيل ليكون الشيخ إسماعيل ضمن الوفد المرافق للسادات، ويصلى فى المسجد الأقصى وينقل اللقاء على الهواء مباشرة عبر الأقمار الصناعية، ويشاهد الناس دموع الشيخ إسماعيل على المسجد الأقصى. وفى ديسمبر 1978 صعدت روح الشيخ إسماعيل إلى الله، بعدما ظل حتى آخر نفس فى عمره يقرأ القرآن ودفن فى قريته ميت غزال فى الغربية.