بينما انشغل بعض الأسر فى رمضان بالبحث عن أصناف جديدة تزين بها مائدة إفطارها، فإن أسرا أخرى كانت منشغلة بكيفية توفير طبق الأرز، الذى تعتمد عليه بشكل أساسى بدلا من سلع أخرى تغيب عن مائدة إفطارها بغير إرادتها، مثل اللحمة التى وصل سعر كيلو المستورد منها إلى 38 جنيها فى المجمعات الاستهلاكية، أو الفراخ التى لا تقل الواحدة منها عن 30 جنيها. فقد جاء رمضان هذا العام مصحوبا بزيادة كبيرة فى أسعار العديد من السلع الغذائية، وهو ما جعل الكِشك الصعيدى الصنف الرئيسى والوحيد على مائدة إفطار أسرة إنعام، واحدة من فقراء قرية الزاوية بأسيوط، طوال أيام الأسبوع الأول من الشهر الكريم، خاصة أن «أرز التموين اللى كان بينفعنا كل رمضان، ما تصرفش السنة دى، وسعر الكيلو منه بره وصل ل4 جنيهات بحالهم، طب بالذمة الغلابة اللى زينا يعملوا إيه بس». وبعدما فقدت إنعام الأمل فى صرف الأرز التموينى، بعد أن ذهبت نحو 25 مرة تسأل عنه على مدى الأشهر الخمسة الماضية، قررت أن تستعد لرمضان بشراء 3 كيلو كِشك، كلفتها 30 جنيها، «والمشكلة إن الكمية دى هاتكفينا أسبوعين بس»، تقول إنعام، وهى تحمل هم «هاعمل إيه باقى الشهر ومش فاضل معايا غير 15 جنيه، وجوزى من أول رمضان حاله واقف ومفيش يوميات». «والمشكلة أن طلبات البيت مابتخلصش، فكل يوم لازم نجيب عيش ب2 جنيه على الأقل عشان العيال تشبع، وكمان باضطر أشترى بنص جنيه عصير من واحد ابن حلال كده بيعدى قدام البيت وبازوده مياه فبتبقى كميته كويسة وبتكفينا الحمد لله، ما أنا بابقى نفسى أفرح العيال، اللى بيبكوا كل شوية من أول ما ابتدى رمضان وهم شايفين الجيران طابخين لحمة وفراخ». ولا تقتصر المصاريف اليومية لإنعام فى رمضان على شراء الخبز والعصير، فهى تضطر إلى شراء نصف كيلو طماطم ب1.50 جنيه كل يوم «علشان أتسحر بيهم مع كام رغيف عيش أنا والعيال، بس الحمد لله ربنا برضه مابينساش المحتاجين، ساعات ممكن يوم كده حد قلبه يحن علينا ويجبلنا بنص جنيه كيس فول أو بجنيه جبنة قريش». وبينما تحمل إنعام هم تدبير 30 جنيها لشراء فول أو كشك يطعم أطفالها الستة باقى شهر رمضان، فإن عمرو على، رئيس شركة بترول، وزوجته مشغولان بالبحث عن أصناف جديدة من الحلوى، بعد «ما زهقنا من الأنواع التقليدية اللى بنجيبها كل سنة، واللى غالبا ما بتخلصش وبتترمى فى الآخر». كما تخصص زوجة عمرو ساعة كل صباح من أيام رمضان للبحث فى الإنترنت على أصناف مبتكرة للطعام، «خاصة أن كل يومين بنعمل عزومة، ومش معقولة هانعمل كل يوم زى اللى قبله»، يقول عمرو، الذى يشتكى من أنه اضطر إلى دفع «2500 جنيه لشراء مستلزمات إفطار أول أسبوع، بعد أن أصبح كيلو البتلو ب110 جنيهات، وكيلو المانجو ب20 جنيها». كما أن أسرة عمرو اعتادت أن تكون الأسماك وغيرها من المأكولات البحرية الوجبة الرئيسية على مائدة إفطارها على الأقل ثلاثة أيام أسبوعيا فى رمضان، مما يجعلها تخصص ميزانية خاصة لهذا البند «وعشان أنا بحب المأكولات البحرية تكون طازة فبضطر أبعت أشترى طاولة جمبرى على بعضها من بورسعيد، والتى تكلفنى نحو 5 آلاف جنيه، ويكون بها 50 كيلو، وطبعا باوزع جزء منها هدايا لأصحابى، مش باستهلكها كلها»، تبعا لعمرو. «وبالرغم من أن الواحد ما بيقدرش ياكل كتير على الفطار، لكن المشكلة إننا اتعودنا إن السفرة لازم تبقى كاملة، والموضع ده بقى مكلف أوى مع زيادة الأسعار بشكل جنونى»، يقول عمرو وهو يفكر «أنا مش عارف الناس الغلابة السنة دى بالذات بتعمل إيه، أكيد بيضطروا يجيبوا لحمة كندوز، مابيقدروش على البتلو»! «بالرغم من أن رمضان كل سنة بيعدى علينا بعذاب، إلا أن السنة دى فعلا الحالة كرب بزيادة، وماحدش حاسس بينا، الناس المرتاحة مابتبقاش متخيلة الوضع معانا عامل ازاى»، هكذا عبرت إنعام عن مدى حزنها من «مفيش حد من الناس اللى ربنا مديها شوية فلوس بتفكر فى الغلابة اللى زينا، بيفتكرونا دايما بنحقد عليهم، والناس الكويسة ما بيبقاش معاها تسلف حد، اللى معاهم يدوبك بيقضيهم». «عموما أهى عيشة وخلاص، المشكلة بس إن الواحد بيزعل على العيال اللى طول الوقت بيبكوا، وبقول يارب افرجها علشان خاطرهم»، وتقول إنعام، لأطفالها الستة باستمرار «بدل ما كل شوية تبكوا وتطلبوا منى.. اطلبوا من ربنا وهو أكيد هايبعتلكوا»، وتنتظر السيدة الفقيرة، التى ترمى حملها على الله، أنه «ييجى اليوم اللى يمر فيه عليها أى حد من بتوع الحكومة، يمكن لما يشوفوا حالها قلبهم يحن على الغلابة ويعملولهم أى حاجة».