«تنسيق الجامعات»: 50 ألف طالب سجلوا رغباتهم في المرحلة الأولى حتى الآن    وزير التعليم العالي عن «التنسيق»: توفير مقعد لكل طالب بما يتناسب مع المجموع الحاصل عليه    تراجع أسعار الذهب عالميا اليوم الثلاثاء.. «الأوقية» ب2470 دولارا    محافظ الجيزة يتفقد نسب تنفيذ مشروع تطوير طريق 21 الرئيسي بمركز الصف    البورصة المصرية تخسر 16.5 مليار جنيه في ختام تعاملات الثلاثاء    حملات موسعة لرصد المخالفات في العاشر من رمضان    أسرع قطارات السكة الحديد.. تعرف على مواعيد وأسعار قطار تالجو    مصر تدين اقتحام وزيرين ومئات المتطرفين الإسرائيليين للمسجد الأقصى    حرائق غابات كاليفورنيا عرض مستمر.. ارتفاع درجات الحرارة السبب فى اشتغال الأشجار    أحمد الجندى وسارة سمير يصلان المركز الأولمبى لعقد مؤتمر صحفى    منتخب الشباب يواصل تدريباته استعدادا لتصفيات أفريقيا.. وانطلاق معسكر 2009 اليوم    اتحاد الكرة يجتمع مع حسام حسن لمناقشة استعدادات الفراعنة للرأس الأخضر وبتسوانا    محمد عبدالمنعم ينتقل إلى نيس الفرنسي    درجات الحرارة المتوقعة اليوم الثلاثاء 13/8/2024 في مصر    محافظ الوادي الجديد ينعى ضحايا حادث الطريق الصحراوي    تعرف على مواعيد قطارات الصعيد على خطوط السكة الحديد    شمال سيناء: إصابة 3 أشخاص إثر نشوب حريق في منزل بالعريش    عضو ب«الشيوخ»: العفو الرئاسي لأسباب صحية عن محبوسين تتويجًا لنهج الجمهورية الجديدة    «إكسترا نيوز»: فعاليات متنوعة في مهرجان العلمين الجديدة خلال عطلة نهاية الأسبوع    لؤي يحيي حفلا غنائيا بمهرجان القلعة للموسيقى والغناء.. السبت المقبل    محافظ أسوان يوجه بدعم منظومة العمل بمستشفى النيل التخصصى    أعراض نقص فيتامين د و5 طرق لتحسين مستوياته    عضو «خارجية النواب»: قرارات العفو الرئاسي المتتالية رد حاسم على أبواق حقوق الإنسان المشبوهة    رئيس جامعة جنوب الوادي يترأس اجتماع فريق مشروع مدرسة "الرعاية المجتمعية المتخصصة"    بني سويف: تسليم أجهزة كهربائية ل13 فتاة من الأولى بالرعاية وسماعات طبية لذوي الهمم    بكوب حليب وبيضة.. حضري ألذ «البان كيك» في المنزل    كيف تكون محبوبا عند الله؟.. الأوقاف تكشف عن خطة الجمعة المقبل    فاركو يحسم قراره بشأن انتقال نجمه ل الزمالك    محافظ المنيا يتابع مشروع تجميع البلازما وتصنيع مشتقاتها    ضبط مسؤول بث قناتين للأطفال عبر الإنترنت تحتويان عبارات خادشة للحياء بالقاهرة    سقوط 5 مسجلين تخصصوا في سرقات بطاريات السيارات في الدقهلية    بعد أنباء رحيله.. ماذا قدم محمد عبدالمنعم طوال مسيرته مع الأهلي؟    وكيل بن شرقي يكشف تفاصيل مفاوضات النادي الأهلي    نيللي كريم: «أنا شخصية مزاجية.. وبحب الحاجات القديمة»    محمود الليثي: الرئيس السيسي «خلى مصر جنة»    «مهرجان العلمين 2024» يستقبل الفوج الرابع من طلاب الجامعات المصرية    أين تقضي المطلقة عدتها؟ دار الإفتاء تُجيب    وزير الدفاع يشهد تنفيذ المرحلة الرئيسية لمشروع مراكز القيادة التعبوى للجيش الثانى الميدانى    لبيد: بعض المتطرفين غير المسؤولين في الحكومة يحاولوا جر إسرائيل لحرب إقليمية    مسئول بالحرس الثوري يكشف سبب تأخر الرد على اغتيال هنية: ننتظر أمر المرشد    الأمم المتحدة تؤكد على ضرورة تمثيل إفريقيا في مجلس الأمن "فلا أمن عالمي دون أمن إفريقي"    «تسمم الحمل».. لماذا يؤدي إلى الوفاة؟    بنك التعمير والإسكان يسجل أداء ماليا متميزا بنسبة نمو 71.1% بنهاية النصف الأول من 2024    وكيله: الشماخ كان يتمنى اللعب في الأهلي.. ولا توجد أزمة مع أمير توفيق    حظ مواليد برج الحوت والعقرب والسرطان اليوم الثلاثاء 13 أغسطس 2024    العملية الإسرائيلية في صيدا.. خرق للسيادة اللبنانية واستهداف متجدد لقيادات حماس وحزب الله    المملكة المتحدة تختبر طائرة دون طيار لاستبدال ديسيرت «هوك 3»    هل يجوز رفع آذانين لصلاة الفجر؟.. دار الإفتاء توضح الحكم الشرعي    بعد قليل.. نظر محاكمة سفاح التجمع بتهمة قتل 3 سيدات    تنسيق الجامعات 2024.. التعليم العالي: 50 ألف طالب يسجلون في المرحلة الأولى    هدى رمزي تكشف رأيها في إعادة تقديم فيلم «جري الوحوش»    أديل تنشر صورا من حفلاتها الغنائية في ميونيخ    وزير الخارجية: أفريقيا هي السوق الرئيسي للأدوية المصرية    الإصرار على الفشل    ريهام السهلي: إعمار مدينة العلمين الجديدة في وقت قصير "قصة نجاح"    ماسك يوضح سبب هجوم DDOS الضخم على منصة إكس قبل مقابلة ترامب    خبير يكشف تأثير سد النهضة على السيول و الأمطار التي تشهدها المنطقة    «اللهمَّ اشغل قلوبنا بحبك».. من دعاء الصالحين في جوف الليل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الديمقراطية والليبرالية: بين التكامل والصراع
نشر في الشروق الجديد يوم 14 - 08 - 2010

سنبدأ قصة هذا المقال من بعيد ثم نعود إلى أرض الواقع فى منطقتنا العربية.
فى الرابع من أغسطس قضت محكمة فى ولاية كاليفورنيا بإلغاء القانون الذى يمنع الزواج المثلى ولا يعترف إلا بالزواج بين رجل وامرأة زواجا رسميا فى الولاية، حيث ذكرت فى حيثيات حكمها عدم دستورية القانون. أى أن المحكمة اعتبرت أن تصويت أغلبية المواطنين ضد حق المثليين فى الزواج غير دستورى، رغما عن أن هذا القانون تم إقراره بعد تصويت أغلبية المواطنين الأمريكيين المقيمين فى كاليفورنيا فى عام 2008 بقصر الزواج رسميا على رجل وامرأة.
إذن هناك قرار من قبل الناخب الأمريكى فى ولاية كاليفورنيا يقضى بأن الأغلبية ترفض حق الأقلية المثلية فى أن تعيد تعريف الزواج ليعطى لهم حقوقا لا تقررها إلا للأسر التقليدية المتعارف عليها تاريخيا نتيجة زواج امرأة ورجل مثل حقهم فى تبنى الأطفال والحصول على خدمة التأمين المشترك وتخفيضات ضريبية يحصل عليها المتزوجون.
قانونيا وفلسفيا وسياسيا هذه نقطة جدل بين منظومتين من القيم إحداهما تسمى الديمقراطية والأخرى تسمى الليبرالية. فديمقراطيا من حق الأغلبية أن تقرر ما تشاء حتى لو على حساب حقوق الأقليات، لكن ليبراليا ليس من حق الأغلبية أن تنال من الحقوق الأساسية للأقلية بما فى ذلك حقها فى الزواج المدنى واعتراف الدولة رسميا بهذا الارتباط. وقبل أن نتعجل فى الدفاع عن الديمقراطية ضد الليبرالية أو العكس تعالوا نفكر بشكل مركب فى عواقب أى قرار نتخذه أو موقف أيديولوجى نتبناه. فنحن، المصريين والعرب،
سننحاز لقرار الديمقراطية (أى أغلبية قاطنى كاليفورنيا) والذين يضعون قيودا على حق المثليين فى الزواج لأن هذا هو ما جاءت به كل الأديان السماوية. لكن المعضلة أنك، على الأقل فى بلاد الغرب، حين تتبنى موقفا قانونيا أو فلسفيا أو سياسيا، فإن المتوقع منك أن تتصف بالاتساق الذاتى والمنهجى، أى أن تكون متسقا مع ذاتك وأن تطبق نفس المعايير الموضوعية على جميع القضايا موضع النقاش.
وهنا تأتى المعضلة، فأغلبية الأمريكيين (نحو الثلثين) يرفضون بناء مركز إسلامى على بعد نحو 200 متر من الأرض التى كان يقف عليها برجا التجارة اللذان تم تدميرهما فى 11 سبتمبر. ولكن قررت اللجنة المعنية بهذا الأمر ومعها عمدة نيويورك اليهودى الديانة حق المسلمين ببناء المركز الإسلامى فى الموقع المقرر (وهو موقف ليبرالى غير ديمقراطى بامتياز). فلو طبقنا نفس المعيار الديمقراطى السابق، فسنجد أنفسنا خاسرين فى معركة المركز الإسلامى، لأن حكم الأغلبية سيكون ضد بناء المركز فى المقر الذى يريده كثير من مسلمى نيويورك.
إذن ديمقراطيا يحق للأغلبية أن تعتقد وتقرر ما تشاء لأن الديمقراطية هى حماية حقوق الأغلبية من استبداد الحاكم الفرد وتسلط الأقلية الحاكمة أما الليبرالية فهى حماية الأفراد والأقليات من استبداد الأغلبية. وهذا تطبيق مباشر لتعديلات الدستور الأمريكى العشرة الأولى والمسماة بميثاق الحقوق المدنية (Bill of Rights) والذى أقر فى عام 1791 بناء على اقتراح العبقرى جيمس ماديسون الذى اعتبر أن الديمقراطية ستنهار إن لم تكن ليبرالية. ومن ضمن هذه الحقوق أن الدولة لن تتدخل لصالح دين ضد دين فضلا عن حق التعبير المكفول للجميع. هى إذن تعديلات ليبرالية أُقِرت ديمقراطيا لتضع قيودا على الديمقراطية. فهى ليبرالية لأنها تعطى الأفراد حقوقا ترتبط بهم كبشر بغض النظر عن موافقة الأغلبية عليها أم لا.
وقد تم إقرارها ديمقراطيا لأن المواطنين الأمريكيين وافقوا عليها فى تعديلات دستورية تقول إن المواطنين الأمريكيين سيمتنعون مستقبلا عن انتهاك حقوق الإنسان الأمريكى الأساسية حتى لو كان هذا الانتهاك يتم بقرار من الأغلبية، لأنه سيكون قرارا ديمقراطيا غير ليبرالى بما يتناقض مع الدستور وبالتالى سيصبح غير دستورى إلا إذا تم تعديل الدستور بما يسمح بالنيل من هذه الحقوق أو أعيد تفسير نصوصه من قبل المحكمة الدستورية العليا.
فلو اعتبرنا أن الأغلبية لها أن تقرر ما تشاء (بأن تمنع زواج المثليين أو أن تمنع حق المسلمين فى بناء مركز إسلامى) فقد عدنا إلى مرحلة ما قبل القرن الثامن عشر فى الفكر السياسى والفلسفى الغربى. وهذا هو جوهر ما كان يخشاه جون ستيورت ميل، المفكر الفذ الذى وضع لليبرالية إطارها الفكرى الذى ينطلق منه كل من جاءوا بعده حتى وإن اختلفوا معه،
فهو الذى أثبت منطقيا أن مصلحة المجتمع أن يكون ليبراليا. فالليبرالية نظرية للمجتمع والدولة تعلى من شأن حقوق الأفراد وحرياتهم على قدم المساواة مع وضع التنظيم القانونى والسياسى الذى يضمن مثل هذه الحقوق. وتشير التجارب المختلفة فى العالم إلى أن أفضل نظام حكم يوفر الإطار التنظيمى لليبرالية هو الديمقراطية. ومن هنا أصبح تعبير «الديمقراطية الليبرالية» شائعا لدرجة ظن البعض أنهما قرينان بحكم النشأة وهو ما لا يتفق مع الواقع. فالديمقراطية، منذ نشأتها فى آثينا فى القرن الخامس قبل الميلاد، نظام حكم يقوم على المشاركة الشعبية وفقا لقواعد الأغلبية والتوازن بين السلطات وتداول السلطة بيد أن بعض النظم الديمقراطية كانت غير ليبرالية بحكم استبعادها لفئات من المجتمع على أساس النوع مثل استبعاد النساء من الحياة السياسية فى الولايات المتحدة حتى عام 1920 وفى سويسرا حتى عام 1971 رغما عن الالتزام بالإجراءات الشكلية لصنع القرار الديمقراطى. كما حدث أن تم استبعاد فئات من المشاركة السياسية على أساس العرق مثل استبعاد السود فى جنوب أفريقيا تحت الحكم العنصرى وكذلك استبعاد الأقليات من المشاركة فى الحياة السياسية فى الولايات المتحدة حتى منتصف الستينيات من العقد الماضى.
أما الليبرالية فهى أحدث كثيرا من الديمقراطية بصفتها تلك. فهى تنتسب إلى منتصف القرن التاسع عشر حين ألف جون ستيورت ميل كتابه الشهير (On Liberty) والذى أعطى فيه الحق لكل الأفراد، رجالا ونساء، أحرارا وعبيدا، أغنياء وفقراء، فى الاعتقاد وفى التعبير وفى المشاركة السياسية. كما أن كتابه عن مبادئ الاقتصاد السياسى هى التى ألزمت الدولة بأن تتدخل فى عملية توزيع عوائد الإنتاج بما يضمن عدالته وبما يضمن عدم إساءة استغلال العمال وذلك من خلال فرض حد أقصى من ساعات العمل وحد أدنى من الأجر،
وإعانات البطالة والضرائب المتصاعدة واضعا بذلك أساس ما يسمى بدولة الرفاه فى الغرب. ومن هنا فإن فضل الليبرالية على الديمقراطية أن جعلت عوائد الديمقراطية أشمل، وفضل الليبرالية على الرأسمالية أن ألحقت بها دولة الرفاه حتى يستفيد الجميع من منجزات المشروع الخاص والإبداع الشخصى. ومن هنا فإن قضية العدالة الاجتماعية، أصبحت، بفضل الليبرالية، واحدة من القيم الغربية الأساسية.
المعضلة التى تواجه دعاة الديمقراطية فى وطننا العربى مزدوجة لأن القوى الأكثر استفادة من الديمقراطية (لا سيما من العملية الانتخابية) فى منطقتنا عادة هى القوى الأقل ليبرالية، بعبارة أخرى هى القوى التى تعتقد أن إطارها الأيديولوجى سواء كان قوميا أو دينيا أو يساريا لا بد أن يحل محل أى إطار فكرى أو أيديولوجى آخر. وثانيا أننا لم نطور بعد رؤية ليبرالية متماسكة تتفق مع جوهر الأديان السماوية التى نحترمها ونقدرها. ومن هنا فإن معضلة الديمقراطية العربية المزدوجة أنها ليست فقط بلا ديمقراطيين يناضلون من أجلها وإنما كذلك أنها لو طُبقت فقد تأتى بأعداء الديمقراطية والليبرالية إلى السلطة.
الديمقراطية والليبرالية تتكاملان عند من فهمهما ووضع لهما الأطر المؤسسية الناظمة، أما فى منطقتنا فإحداهما لا تؤدى بالضرورة للأخرى إن وجد أى منهما.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.