كان من المفترض أن يؤدي الانسحاب الذي أعلنته إسرائيل من جانب واحد من قطاع غزة قبل خمس سنوات، وهو ما يعرف بالتعبير الإسرائيلي باسم "فك الارتباط" إلى تشكيل صورة المستقبل للإسرائيليين والفلسطينيين على حد سواء وفقا لتصريحات مسئول إسرائيلي. وكما قال إيفال جلعادي أحد كبار المستشارين السياسيين، إنه كان من المفترض قبل الانسحاب بأسابيع قليلة أن يصب الحدث في مصلحة إسرائيل ويفيد الفلسطينيين في الوقت نفسه. لكن منظور الكثيرين لنبرة التفاؤل التي سادت كلمات جلعادي بات محل جدل الآن بعد كل تلك الأحداث التي أعقبت الانسحاب. بالنسبة لمن أيدوا فكرة الانسحاب بين الإسرائيليين الغالبية العظمى من الإسرائيليين وقتها فقد كانوا يتوقعون أن يخضع قطاع غزة في غضون خمسة أعوام من الانسحاب لسيطرة حركة المقاومة الإسلامية حماس، والتي ترفض استمرار المطالب الدولية بنبذ العنف والاعتراف بحق إسرائيل في الوجود. ولم يكن الفلسطينيون الذين ابتهجوا لرحيل الإسرائيليين وانتهاء حقبة من الاحتلال دامت 38 عاما، أن الحال سينتهي بهم في قطاع محاصر تحكم إسرائيل قبضتها على كل معابره، علاوة على إغلاق مصر للنافذة الوحيدة لقطاع غزة التي يطل منها على العالم العربي. لقد مرت خمس سنوات الآن ولا تزال قضية القطاع تمثل مشكلة لإسرائيل. حصار القطاع الذي فرض بعد أن شن المسلحون غارة عبر الحدود واختطفوا جنديا إسرائيليا في يونيو 2006، باتت أسبابه واهية مع تزايد الضغوط لرفعه. لقد خففت إسرائيل قبضة الحصار، وسمحت بدخول أنواع مختلفة من البضائع المدنية، مع إبقاء الحظر على دخول الأسلحة ومواد أخرى ترى أنها تصلح لتصنيع أسلحة. لكن الحصار لا يزال مفروضا، وكلما طالت المدة كلما زادت حدة السخط الذي تواجهه إسرائيل، أضف إلى ذلك هجومها الدموي على قافلة المساعدات التي كانت تحاول فك الحصار في مايو والتي أردى فيها عناصر الكوماندوز التابعين للبحرية الإسرائيلية تسعة نشطاء أتراك. وإذا كان الانسحاب من القطاع السبب في ظهور لغز غزة الذي تواجهه إسرائيل حاليا، فإنه أيضا وضع صياغة للمستقبل ولكن بطريقة لم يكن من خططوا للانسحاب في المقام الأول يتخيلوها. وكما أخلت إسرائيل مستوطناتها في قطاع غزة، فقد انسحبت أيضا من أربع مستوطنات نائية شمال الضفة الغربية، خلال الأشهر القليلة التي أعقبت الانسحاب. بل إن الفكرة طرحت نفسها خلال الحملة الانتخابية أوائل عام 2006. لكن مع تزايد إطلاق الصواريخ من القطاع على جنوب إسرائيل، وخوض إسرائيل حربا مريرة مع حزب الله صيف 2006، سقطت فكرة الانسحاب من الحسابات الإسرائيلية. كانت إسرائيل أعلنت انسحابها بشكل أحادي عام 2000 من المنطقة (جنوب لبنان) التي أطلقت عليها المنطقة الآمنة والتي احتلتها عام 1978 ، وقامت حركة حزب الله المدعومة من إيران بملء الفراغ الناجم عن انسحاب القوات الإسرائيلية. وظهرت مخاوف من تكرار نفس الوضع أن يملأ المسلحون الإسلاميون الفراغ الذي يخلقه الانسحاب الإسرائيلي بالنسبة لقطاع غزة عام 2007 ، عندما فرضت حماس سيطرتها على القطاع بشكل كامل. ويستدل معارضو فكرة الانسحاب بانتخاب حماس بعد ذلك والهجمات الصاروخية التي شنتها حركة حماس من غزة صوب المدن الإسرائيلية، كسبب لاعتراضاتهم الأصلية على أي خطة للانسحاب قبل إبرام اتفاق سلام. جدير بالذكر أن القوميين الإسرائيليين المتطرفين لم يوافقوا على خطة الانسحاب من البداية. وعززت هذه الشكوك ، والتي يؤيدها بعض أعضاء الائتلاف الحكومي الإسرائيلي الراهن، المخاوف التي تنتاب معظم الإسرائيليين، من أن أي انسحاب آخر أحادي الجانب، من الضفة الغربية سيحولها إلى منصة أخرى للهجمات الصاروخية على كثير من المدن الإسرائيلية المجاورة والمكتظة بالسكان. غير أن آخرين يرون أن الدرس المستفاد ليس هو أن تتجنب إسرائيل القيام بالمزيد من عمليات "فك الارتباط" بل أن تقوم بذلك بطريقة مختلفة. يقول المحلل الإسرائيلي آري شافيت " الدرس(المستفاد) من فك الارتباط الأول ..هو ضرورة أن يتم فك الارتباط الثاني بشكل مختلف" مقرا بأن تنبؤات الجناح اليميني بشأن قطاع غزة بعد الانسحاب أثبتت الأيام صحتها. يرى شافيت أن الحل يكمن في عدم انسحاب إسرائيل دون دعم دولي، وفي غياب تفاهمات واضحة مع المعتدلين من الجانب الفلسطيني ودون التأكد من رد حقيقي علي التهديدات الصاروخية. وكتب شافيت في صحيفة هاآرتس اليومية مؤخرا "في النهاية لن يكون هناك خيار آخر.. فك الارتباط أمر خطير..لكنه أقل خطورة من أي خيار آخر".