فهذا حديث عن غزوة بدر الكبرى، التى سماها القرآن الكريم يوم الفرقان، لأن النصر فيها فرق بين الحق والباطل، وبين الإيمان والكفر. كان من مقدمات هذه الغزوة السرايا التى بعثها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ما حول المدينةالمنورة من مواطن استقرار العرب: هى ثمانى سرايا، الأولى بقيادة حمزة بن عبد المطلب فى ثلاثين من المهاجرين، وكانت فى أول رمضان من السنة الأولى من الهجرة؛ والثانية بقيادة عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب كانت فى شوال من السنة نفسها، والثالثة بقيادة سعد بن أبى وقاص فى ذى القعدة من السنة الأولى من الهجرة؛ والرابعة قادها رسول الله بنفسه فى شهر صفر من السنة الثانية للهجرة، واستخلف سعد بن عبادة على المدينة، ثم كانت السرية الخامسة، فى ربيع الأول من السنة الثانية، قادها رسول الله صلى الله عليه وسلم فى مائتين من المسلمين، ثم كانت السرية السادسة، فى جمادى الأولى من السنة نفسها، خرج فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فى مائة وخمسين من المسلمين فبلغ موضعا يسمى ذو العُشَيْرة، قريبا من ينبع، وصالح بعض قبائل العرب، وعاد إلى المدينة؛ ثم كانت السرية السابعة، خرج فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم يطلب كُرز بن جابر الفهرى، الذى كان قد أغار على المدينة وساق إبلا للمسلمين، فخرج يطلبه رسول الله حتى بلغ وادى سفوان، قريبا من بدر، فلم يدركه. وتسمى هذه السرية غزوة بدر الأولى، ثم كانت آخر السرايا سرية، عبدالله بن جحش، الذى خرج فى عدد قليل من المهاجرين، قيل كانوا ثمانية وقيل كانوا اثنى عشر رجلا، فمرت به قافلة لقريش فهاجمها ومن معه من المسلمين، فَقُتِلَ قائد القافلة، عمرو بن الحضرمى، وأُسِرَ اثنان ممن كانوا معه، وفر الباقون. وغنم عبدالله بن جحش القافلة، وآتى بها وبالأسيرين رسول الله فتوقف فى شأنهم، لوقوع القتال فى الشهر الحرام (رجب)، فنزل قول الله تعالى: {يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير، وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله. والفتنة أكبر من القتل}. وقد كان لهذه السرايا حكم بالغة: أولها، إشعار مشركى يثرب، ويهودها، والأعراب من حولها، بأن المسلمين أقوياء يستطيعون الدفاع عن أنفسهم ودينهم، وذلك أن المتربصين بالإسلام فى المدينة كانوا كثرا لن يصدهم عن الكيد له إلا الخوف منه(!). ثانيها، إنذار قريش بأن حربها للإسلام والمسلمين لن تستمر بلا عقاب، وبأن ما أوقعته بهم قد جاء وقت القصاص منه، وأنها لن تفلت بجرائمها ضد المسلمين بعد الآن. ولم يقع فى السرايا جميعا، سوى سرية عبدالله بن جحش، قتال لأسباب لا يد للمسلمين فيها، وكأن ربنا تعالى جده قد ادخر قوتهم ليوم تشتد فيه الحاجة إليها، ليوم الفرقان، والحكم المستفادة من هذه السرايا تدخل تحت بعض معانى قوله تعالى: {ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم}. وغدا نستكمل إن شاء الله