مصطفى مدبولي يلقي بيان الحكومة الجديدة أمام «النواب».. اليوم    وزارة الصحة تعلن إصدار 271 ألف قرار علاج على نفقة الدولة بتكلفة بلغت 1.61 مليار جنيه × شهر ..    تراجع أسعار الذهب في بداية تعاملات الإثنين 8 يوليو    جيش الإحتلال: اعترضنا هدفا جويا مشبوها في أجواء لبنان    مواعيد مباريات اليوم.. الأهلي يستضيف طلائع الجيش وبيراميدز يصطدم بالاتحاد    كاتب صحفي: كل الاحتمالات مفتوحة بشأن استكمال بايدن للسباق الرئاسي الأمريكي    محافظ المنيا يقود حملة لإزالة الإشغالات والتأكد من مواعيد غلق المحال    عاجل.. وزير الشباب والرياضة يكشف موقفه من إقالة اتحاد الكرة    شديد الحرارة والعظمى في القاهرة 36 درجة.. حالة الطقس اليوم    الناقد الموسيقي محمود فوزي: رفع علم فلسطين بمهرجان العلمين لفتة طيبة من «المتحدة»    حظك اليوم برج الجوزاء الاثنين 8-7-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    علي صبحي يروج لانضمامه لفيلم «سيكو سيكو» بصورة من السيناريو    الأزهر العالمي للفتوى يوضح 4 فضائل لشهر المحرم.. «صيامه يلي رمضان»    احتفالات الأطفال بالعام الهجري الجديد.. «طلع البدرُ علينا»    «الشعبة»: 15301 الخط الساخن لهيئة الدواء لمعرفة توافر الأدوية بصيدلية الإسعاف    محمد رمضان يصفع شابا على وجهه بسبب موبايل (صور)    45 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات على خط «طنطا - دمياط».. الاثنين 8 يوليو    محافظ سوهاج يشهد احتفال الأوقاف بالعام الهجري الجديد بمسجد العارف بالله    اليوم | محاكمة 6 متهمين ب«خلية حدائق القبة»    صيانة السور الحديدي ل«دائري المعادي» بعد انتشال جثامين ضحايا «زفة العروسين» (خاص)    إليك رابط إعلان نتائج البكالوريا 2024 سوريا.. الموعد والخطوات    محمد حماقي يروج لأجدد ألبوماته «هو الأساس»    قبل النطق بالحكم.. نيابة النقض توصي بتأييد إعدام زوج الإعلامية شيماء جمال وشريكه (تفاصيل)    فرنسا.. استقبال حار لمارين لوبان في مقر حزب التجمع الوطني    تردد القنوات المفتوحة الناقلة لمباراة اوروجواي وكولومبيا في كوبا امريكا    عضو في الكنيست الإسرائيلي يعرض خطته لاستعادة الأسرى: الأراضي مقابل المختطفين    بورصة الدواجن اليوم تخالف التوقعات.. أسعار الفراخ البيضاء الإثنين 8 يوليو 2024    الهام شاهين ل "شيرين":" عايزين ننسى مشاكلك الشخصية"    تفاصيل العثور على جثة مسن متحللة داخل مسكنه بالمنيا    "لم يكن هناك شيئا ومازحته قبل المباراة".. العشري يكشف لحظات رفعت الأخيرة قبل الأزمة القلبية    لمدة 5 ساعات.. اتحاد الصناعات يكشف تفاصيل الاجتماع مع الفريق كامل الوزير    جامعة بني سويف تحقق المركز10 محليا و1109 عالميا بالتصنيف الهولندي ليدن    خبير تحكيمي يوضح مدى صحة ركلتي جزاء الزمالك أمام الإسماعيلي في الدوري    رئيس أساقفة كنيسة قبرص يزور للمرة الثانية كنيسة القسطنطينية بعد انتخابه على عرش الرسول برنابا    تقارير: قائد إسبانيا على رادار ميلان    لعنة حوادث الطرق تصيب نجوم الفن.. آخرهم نشوى مصطفى (تقرير)    "وعد من النني وزيزو".. تفاصيل زيارة أشرف صبحي معسكر منتخب مصر الأولمبي (صور)    بالأسماء.. إصابة 6 أشخاص في حادث تصادم ميكروباص بالدقهلية    دعاء في جوف الليل: اللهم يا صاحب كل غريب اجعل لنا من أمورنا فرجًا ومخرجًا    بعد الإعلان رسميا.. طريقة التقديم للوظائف الشاغرة في الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة 2024    استشاري غذائي: استخدام الأكل في الترغيب و الترهيب لدى الأطفال من أخطر أسباب السمنة    صفارات الإنذار تدوى في غلاف غزة    عبدالرحيم كمال يعلن توقفه عن متابعة الكرة في مصر    استشهاد 10 فلسطينيين فى قصف إسرائيلى لمنزل فى جباليا بغزة    نائب رئيس "مستقبل وطن" وزعيم الأغلبية بمجلس النواب يترأسان اجتماع الهيئة البرلمانية للحزب    إصابة زوج كامالا هاريس بكوفيد 19 بعد لقائه الرئيس بايدن    هل ينفع أعمل عمرة وأهديها لسيدنا النبي؟.. تعرف على أمين الفتوى    هل العمل في شركات السجائر حرام؟ مبروك عطية يجيب (فيديو)    الزمالك: حصلنا على الرخصة الأفريقية.. وكان هناك تعاون كبير من المغربى خالد بوطيب    بايدن: لم أكن بمثل هذا التفاؤل بشأن مستقبل أمريكا    شعبة الأدوية: رصدنا 1000 نوع دواء ناقص بالصيدليات    محافظ المنيا يقود حملة مفاجئة لإزالة الإشغالات والتأكد من الالتزام بمواعيد غلق المحال    مركز المناخ: مخاطر ارتفاع موجات الحرارة تؤثر على المحاصيل الزراعية    محافظ الفيوم: نجدد العهد أمام الجميع وسنبذل قصارى جهدنا    بيان مهم بشأن حالة الطقس اليوم: «بداية شهر أبيب أبو اللهاليب»    الخطوط الجوية العراقية تستئنف رحلاتها بين بغداد وموسكو 16 يوليو    «يحتوي على مركب نادر».. مفاجأة عن علاقة الباذنجان بالجنان (فيديو)    حسام موافي يحذر من الجلوس لفترة طويلة: «موضوع قاتل» (فيديو)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



معسكر الاعتدال (محلل) المفاوضات المباشرة
نشر في الشروق الجديد يوم 03 - 08 - 2010

أما وقد أصبحت العودة إلى لعبة المفاوضات المباشرة خبر الساعة، فلا خير فينا إذا لم نعلن على الملأ أن دول الاعتدال العربى أصبحت تؤدى دور «المحلل» لتنفيذ الإملاءات الإسرائيلية والأمريكية فى القضية الفلسطينية على وجه الخصوص.
(1)
نشرة أخبار الساعة تظل مبتورة وناقصة إذا وقفت عند قرار لجنة المبادرة العربية إعطاء الضوء الأخضر للعودة إلى المفاوضات المباشرة. ذلك أنها حين اجتمعت يوم الخميس الماضى (29/7) وأهدت قرارها إلى السيد نتنياهو، فإن الرجل لم يجامل، ورد الهدية على الفور بثلاثة إجراءات هى:
هدمت الجرافات الإسرائيلية قرية «العراقيب» فى منطقة النقب على ما فيها من بيوت الصفيح والأشجار وسوتها بالأرض، وشردت المئات من البدو الفلسطينيين الذين يسكنونها منذ مئات السنين، وقالت التقارير الصحفية إن السلطات الإسرائيلية خططت لإقامة حديقة مكانها، ضمن مشروع لتوسيع مدينة بئر السبع التى يسكنها اليهود، وكانت السلطات الإسرائيلية قد طلبت من سكان القرية الرحيل فى شهر فبراير الماضى، باعتبار أن سكانها ضمن 70 ألف عربى يعيشون فى قرى لا تريد الاعتراف بها.
وحين احتج سكان العراقيب واشتبكوا مع الشرطة، فإن الجرافات الإسرائيلية اخترقت أراضيها ودمرت منتجاتها الزراعية، وأنذر السكان بأن عليهم الرحيل من موطن أجدادهم والسكن داخل المدينة المجاورة، وإزاء إصرار السكان على التمسك بالأرض، صدرت التعليمات بهدم البيوت واقتلاع الأشجارز فى القرية. وهو الإجراء الذى تم تحت حراسة 1300 جندى.
ليلة اجتماع لجنة المبادرة استولى مستوطنون إسرائيليون على مبنى من طابقين فى حارة السعدية بالبلدة القديمة قرب المسجد الأقصى، يضم المبنى 11 غرفة يسكنها 50 فردا من عائلة قرش، التى تعيش فى المنزل منذ عام 1936، وكان أغلب سكانه قد ذهبوا إلى عرس قريب لهم. وفى غيابهم اقتحمه المستوطنون، فكسروا أبوابه وتحصنوا فى غرفه تحت حماية الشرطة وبذلك وصل عدد المبانى التى استولى عليها المستوطنون فى حارة السعدية إلى خمسة مبان، تطل جميعها على المسجد الأقصى وتعد ضمن نطاقه. حاتم عبدالقادر وزير القدس الأسبق فى الحكومة الفلسطينية قال: إن المستوطنين استولوا حتى الآن بحيل مختلفة على 75 عقارا فى القدس. وكانت الحكومة الإسرائيلية قد عمدت من خلال تطبيق قانون أملاك الغائبين على أراضى 500 قرية فلسطينية، وعلى عقارات أخرى فى مدن عربية مثل يافا وحيفا، وأعلنت أن القانون لا ينطبق على القدس الشرقية. لكنها عدلت عن هذا الموقف خلال السنوات الأخيرة التى جرت خلالها محادثات «السلام» مع السلطة الفلسطينية.
بعد ساعات قليلة من اجتماع اللجنة قامت إسرائيل بغارة على غزة، قتلت فيها عيسى البطران، قائد كتائب عز الدين القسام الجناح العسكرى لحركة حماس. وكان الإسرائيليون قد قتلوا زوجته وخمسة من ابنائه أثناء العدوان على القطاع. وتسببت الغارة فى إصابة 11 فلسطينيا بإصابات مختلفة.
رسالة الإجراءات الثلاثة واحدة، إذ هى تقول بوضوح إن السياسة الإسرائيلية ثابتة ولا تغيير فيها، حيث تمضى فى مسار مغاير ومختلف عن مسار المفاوضات المباشرة أو غير المباشرة. بما يعنى أنه لا علاقة بين ما يدور فى قاعات المفاوضات وبين ما يجرى على الأرض إذ المطلوب أن يواصل الفلسطينيون الثرثرة فى الاجتماعات وعبر الفضائيات، فى حين يستمر الإسرائيليون فى تغيير خرائط الواقع.
(2)
الرسالة ليست جديدة تشهد بذلك خبرة سبعة عشر عاما من المفاوضات الفلسطينية الإسرائىلية (منذ توقيع اتفاقية أوسلو فى عام 1993). التى فى ظلها تضاعف عدد المستوطنين، وتمددت المستوطنات فى الضفة الغربية حتى أصبحت تسيطر عمليا على 42٪ من أراضيها، وفق تقرير أصدرته منظمة «بتسليم»، وأصبح يعيش فيها نحو نصف مليون مستوطن، أكثر من 300 ألف منهم يعيشون فى 121 مستوطنة ونحو مائة بؤرة استيطانية.
أما الباقون فيعيشون فى 12 مستوطنة مقامة على الأراضى التى ضمت إلى نفوذ بلدية القدس. فى الوقت ذاته، شرعت فى إقامة السور العازل الذى يفترض أن يكون بطول 730 كم وأن يقتطع نصف أراضى الضفة. وشنت إسرائيل عدوانها الوحشى على قطاع غزة، الذى أدى إلى قتل 1400 شخص وإصابة 5000، كما أدى إلى تدمير بنيتها التحتية.
وفى الوقت الذى تحتفظ فيه إسرائىل بنحو عشرة آلاف أسير فلسطينى كرهائن، فإنها استصدرت أمرا عسكريا بطرد أبناء غزة من الضفة (نحو 10 آلاف) وطردت ألفا، كما تعد الآن لاندفاعه قوية فى التوسع الاستيطانى مع بداية شهر أكتوبر المقبل. فور انتهاء مهلة التجميد الجزئى الوهمى فى 26 سبتمبر، حتى ذكر صائب عريقات كبير المفاوضين الفلسطينيين فى تصريح نشر فى 16/7 الماضى أنهم بصدد بناء 20 ألف وحدة استيطانية حتى عام 2020، فى الوقت ذاته أعلنت لجنة التخطيط التابعة لبلدية القدس عن «الخريطة الهيكلية للقدس الموحدة»، وهى الأوسع منذ احتلال القدس الشرقية فى عام 1967. وتشمل الخريطة الجديدة إعادة تخطيط وبناء القدس الموحدة، التى ستحل محل الخريطة القديمة للمدينة وبما يؤدى إلى ضم كل الأحياء الاستيطانية التى أقيمت على الأراضى الفلسطينية إليها، وطبقا لما ذكرته صحيفة هاآرتس (فى 28/6 الماضى) فإن إقرار هذه الخريطة سيضفى شرعية على ضم أحادى الجانب للقدس الشرقية إلى تخوم إسرائيل. وهو ما لم تجرؤ عليه طوال الخمسين عاما الماضية.
هذه الخلفية تشير بما لا يدع مجالا للشك إلى أن المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية لها هدفان لا ثالث لهما هما: أولا، انتزاع أكبر قدر ممكن من التنازلات من الفلسطينيين، وثانيا، إتاحة أطول فسحة ممكنة لتغيير الخرائط الجغرافية على الأرض وانجاز تهويد القدس، بما ينسف عمليا أى أمل فى إقامة الدولة الفلسطينية التى يتشدق بها الجميع.
وهذا الذى نقوله ليس اكتشافا وليس فيه سر، ولكنه الحقيقة التى لم يعد أحد من المنصفين يختلف عليها، بل إن بعض رجال السلطة أنفسهم باتوا يتحدثون صراحة عن عبثية المفاوضات وعقمها، واليأس جدواها، ولأبومازن تصريح أدلى به أمام اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير فى 9/3 الماضى، حين أثير موضوع المفاوضات غير المباشرة قال فيه إنه لا يتوقع شيئا من تلك المفاوضات، وهو ذات المعنى الذى عبر عنه تيسير خالد عضو اللجنة التنفيذية. حين اعتبر تلك المفاوضات «مضيعة للوقت»، لكنهم مع ذلك ذهبوا إلى المفاوضات غير المباشرة لأن الإدارة الأمريكية أرادت ذلك، وكلفت السيناتور جورج ميتشيل للقيام باللازم فى هذا الصدد.
(3)
وقتذاك، خلال شهرى أبريل ومايو الماضيين، كان القرار الأمريكى أن تستمر المفاوضات غير المباشرة مدة أربعة أشهر، تنتهى فى شهر سبتمبر المقبل، وإذا حققت تقدما أو نجاحا يتم الانتقال للمفاوضات المباشرة، لكن أكثر من مفاجأة حدثت خلال تلك الفترة. فبعد 20 زيارة للمبعوث الأمريكى لم تحقق المفاوضات تقدما يذكر، لكن رئيس الوزراء الإسرائيلى طلب لحسابات داخلية تتصل بوضع الائتلاف الحكومى الانتقال إلى المفاوضات المباشرة. قبل أن ينتهى الأجل الذى تحدد لإنهاء التجميد الجزئى لبناء المستوطنات.
وفوجئنا بأنه سافر إلى واشنطن ونجح فى اقناع الرئيس الأمريكى بذلك، بل وأقنعه أيضا بأهمية الانتقال إلى تلك المفاوضات قبل شهر من الموعد المقرر سلفا. أى فى شهر أغسطس وليس سبتمبر، وفى ظروف التوتر التى يعانى منها الرئيس أوباما، القلق على نتائج انتخابات الكوجرس النصفية فى نوفمبر المقبل، والحريص على إرضاء اللوبى اليهودى فى بلاده، فإنه سلم لنتنياهو بما أراد، وبعث فى 17 يوليو الماضى بخطاب إلى أبومازن أقرب إلى الإنذار طلب فيه أمره فى الواقع الانتقال إلى المفاوضات المباشرة، فى مطلع شهر أغسطس الحالى. تضمنت الرسالة 16 بندا علا فيها صوت الترهيب وقلت فيها إشارات الترغيب. إذ ذكر فى أحد بنودها أن أوباما «لن يقبل إطلاقا رفض اقتراحه الانتقال إلى المفاوضات المباشرة، وانه ستكون هناك تبعات لهذا الرفض» تتمثل فى «انعدام الثقة بالرئيس عباس والجانب الفلسطينى، بما يرتب تبعات أخرى على العلاقات الأمريكية الفلسطينية، تمس الموقف من الدولة الفلسطينية ومن تمديد تجميد الاستيطان».
وفى هذا الصدد أفادت الرسالة أن أوباما سيساعد الفلسطينيين على إقامة دولتهم، ولن يقدم لهم أى مساعدة فى حالة الرفض. وردا على الموقف العربى الذى عبر عنه السيد عمرو موسى، ودعا فيه إلى اللجوء للجمعية العامة إذا فشلت المفاوضات غير المباشرة، فإن الرئيس الأمريكى قال بوضوح إنه يرفض الفكرة ولن يقبل باللجوء إلى الأمم المتحدة.
لم تشر الرسالة إلى الانسحاب الإسرائيلى إلى ما وراء خطوط عام 67، وانما تحدثت عن «التعامل» مع الأراضى المحتلة فى ذلك الوقت، كما أنها خلت من الحديث عن رفع الحصار عن غزة، وأشارت إلى أن طلب الرئيس عباس بهذا الخصوص قد تحقق فى شكل كبير. الخلاصة أن الرسالة بدت مسكونة بالابتزاز والوعيد، الذى وصل إلى حد التهديد بعزل الفلسطينيين إقليميا ودوليا وقطع المساعدات المالية عنهم، إذا هم رفضوا الانتقال إلى المفاوضات المباشرة. وهذا ما عبرت عنه الدكتورة حنان عشراوى عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، فى تصريح نقلته على لسانها وكالات الأنباء يوم السبت الماضى 31/7.
(4)
كيف تحولت الإرادة الإسرائيلية إلى ضوء أخضر وغطاء عربى وفرته لجنة المبادرة العربية؟ هذه المهمة قامت بها دول «الاعتدال» العربية. إذ بعد اجتماع نتنياهو مع الرئيس أوباما فى واشنطن قبل منتصف يوليو الماضى، فإن الرئيس الأمريكى بعث برسالته إلى أبومازن فى 17 يوليو. فى يوم 18 يوليو اجتمع نتنياهو بالرئيس مبارك. الذى اجتمع بدوره مع أبومازن فى اليوم التالى مباشرة ثم التقى العاهل السعودى الملك عبدالله بن عبدالعزيز. واجتمع مع وزير خارجية الأردن، فى حين ذهب نتنياهو إلى عمان للقاء العاهل الأردنى الملك عبدالله. هذه الاتصالات التى تمت بين أركان «الاعتدال»، كان موضوعها الأساسى هو الانتقال إلى المفاوضات المباشرة استمرت عشرة أيام. وفى اليوم الحادى عشر (29 يوليو) اجتمعت لجنة المبادرة فى رحاب الجامعة العربية، وأعطت الضوء الأخضر ووفرت الغطاء العربى للانتقال إلى المفاوضات المباشرة.
و«تصادف» أن عقد الاجتماع فى الأجل الذى حدده الرئيس أوباما فى رسالته، حين «توقع» أن تبدأ تلك المفاوضات فى مطلع الشهر الجارى، ومن ثم أصبح بوسع أبومازن الذى قالت التقارير الصحفية إنه لم يكن معارضا لتلك النقلة، أن يدعى أنه يستند إلى «إجماع عربى».
أعجبنى تعليق على فكرة المفاوضات المباشرة كتبه زملينا الأستاذ عبدالوهاب بدرخان، وقال فيه: المسألة بالغة التعقيد. فالمطلوب مفاوضات غير فاشلة وغير ناجحة فى آن. لأن الفشل يفاقم صعوبات محمود عباس فيما النجاح يطيح حكومة نتنياهو. والمطلوب مفاوضات تعزز وضع السلطة الفلسطينية مع الحفاظ على الانقسام بين الضفة والقطاع. والمطلوب تحسين نوعى للأوضاع فى الضفة، مع استمرار اليد العليا للاحتلال وعسكره ومستوطنيه، والمطلوب عدم حسم ملفات الحل النهائى. فلا إسرائيل جاهزة للسلام.
ولا المفاوض الفلسطينى يستند إلى سلطة تغطى كل مناطقه وجميع شعبه. والمطلوب معاودة توسيع الاستيطان لقاء إزالة بعض الحواجز وإتاحة بعض التسهيلات، لكن مع مواصلة إذلال المواطنين الفلسطينيين وإهدار كراماتهم، كذلك مواصلة هدم البيوت وإنفاذ قرارات الإبعاد، وطبعا مع استمرار حصار غزة. كما أن المطلوب فلسطينيا وعربيا عدم المساهمة فى الحملات الدولية المتعلقة باتهام إسرائيل بجرائم حرب وقرصنة وجرائم ضد الإنسانية (الحياة اللندنية 15/7).
لقد ذهب الجميع راضين أو مرغمين إلى المفاوضات المباشرة، لأنه لم يكن لديهم خيار آخر يستطيعون أن يراهنوا عليه. وطالما انطلقوا من هذا الموقف، فقد كان عليهم أن يدفعوا ثمن الوهن الذى ارتضوه والإفلاس الذى أشهروه. وحتى إشعار آخر، فإنهم لا يملكون سوى أن يديروا خدهم الأيسر كلما تلقوا صفعة على الخد الأيمن، سواء كانت مباشرة أو غير مباشرة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.