«المهمة المستحيلة».. هكذا يرى المتابعون للشأن اللبنانى جهود السعودية وسوريا لتجنيب لبنان والمنطقة تداعيات القرار الظنى (الاتهامى) المنتظر أن تصدره المحكمة الدولية الخاصة بالتحقيق فى اغتيال رئيس الوزراء اللبنانى الأسبق رفيق الحريرى، خاصة بعد تسريب إسرائيل عبر وسائل إعلامها ما تقول إنها معلومات تفيد بأن المحكمة ستتهم القيادى فى حزب الله مصطفى بدر الدين، وهو الأمر الذى تراهن عليه تل أبيب لإحداث «زلزال» فى لبنان. ومع ثبات مبدأ «لا إلغاء لقرار من مجلس الأمن (الذى شكل المحكمة) إلا بقرار من المجلس»، يظهر مدى الصعوبة السياسية والقانونية لتفادى قرارات المحكمة، مما دفع «الشروق» إلى استطلاع رأى أحد أبرز خبراء القانون الدولى العرب، والذى رسم «خارطة طريق قانونية لخروج لبنان من مأزق المحكمة الدولية». الدكتور على جميل حرب رئيس رابطة القانون الدولى الإنسانى فى لبنان، ومؤلف موسوعة المحاكم الجنائية الدولية، رأى فى تصريحات عبر الهاتف أن «الحل القانونى الأمثل يأتى عبر المحكمة من الداخل»، مشددا على أن «تنازل الدولة أو سعد الحريرى (رئيس الوزراء) بوصفه ابن رفيق الحريرى عن القضية غير معترف به لدى الأممالمتحدة، وذلك لتوقيع لبنان على اتفاقات دولية تلزمه بتنفيذ قرارات القانون الدولى، إضافة إلى توقيعه على اتفاقية إنشاء المحكمة، ما يلزمه بتنفيذ قرارها فور صدوره». ومضى شارحا إمكان الحل من داخل المحكمة بقوله إن «هناك أربعة قضاة لبنانيين معينين فى المحكمة (تم اختيارهم بواسطة الأمين العام للأمم المتحدة من قائمة ب12 قاضيا اقترحتها الحكومة اللبنانية)، وهم جوسلين ثابت، نائب المدعى العام، و القاضى رالف رياشى نائب رئيس المحكمة، وقاضيان آخران، وبإمكان هؤلاء الاعتراض على مضمون القرار الاتهامى عند عرضه عليهم، وتقديم استقالتهم من المحكمة إذا رأوا ان القرار يستند إلى معلومات سربها الإعلام، وأنه مسيس يفتقد لأدلة واضحة، وهو ما سيجعل المحكمة غير مكتملة الأركان، ومن ثم لا يكون لبنان ملزما بتطبيق قراره.. هذا الموقف أقوى من أى محاولات سياسية لتفادى تبعات القرار الظنى». وأوضح أن «أى قرار ظنى يجب أن يكون سريا بموجب قوانين المحكمة الدولية، وإذا صدقت التسريبات الإعلامية، وصدر القرار بنفس هذه المعلومات، فهذا يعنى أن هناك خرقا فى الإجراءات السرية، وبالتالى تصبح هناك مشكلة قانونية تطعن فى إجراءات المحكمة». وحول التوقيت الأنسب لانسحاب كل أو بعض القضاة اللبنانيين بناء على تبريرات قانونية واضحة، قال د.حرب إنه «لا بد من إعلان الاعتراض فور عرض المدعى العام القرار على نائبه قبل إعلانه رسميا، وبالتالى تكون استقالة النائب مبررة ومبنية على أساس القرار الذى تم إبلاغه به». وشدد على أن «هذا هو الوضع القانونى السليم لحل هذه المشكلة وإنقاذ لبنان». وحول إمكان صدور قرار من مجلس الأمن يلغى قرار إنشاء محكمة الحريرى، قال الخبير القانونى إن «لمجلس الأمن الحق فى الغاء القرار اذا وافقت الدول الخمس الدائمة العضوية على ذلك، وبطلب من الحكومة البنانية، ويكتفى المجلس بالقول إنه ألغى القرار لدواعى الحفاظ على السلم والأمن الدوليين». وأوضح أن «الإلغاء يجب أن يكون تحت ذات الفصل الذى انشئت بموجبه المحكمة، وهو الفصل السابع من ميثاق الأممالمتحدة، لكن ذلك صعب عمليا، لأنه يتطلب موافقة الدول الدائمة العضوية، وخاصة الولاياتالمتحدة وفرنسا، اللتين تدعمان إنشاء المحكمة منذ البداية، وهو الدعم الذى يستند إلى مصالح الدول الكبرى وتحالفاتها فى المنطقة». وحول تفسيره لموقف حزب الله الرافض لتأجيل إصدار القرار الاتهامى، قال الخبير القانونى اللبنانى إن «موافقة الدولة على التأجيل تعنى الاعترف بمضمون القرار الاتهامى مسبقا». من جهته، رأى المحلل والكاتب الصحفى اللبنانى نقولا نصيف أنه «إذا تدخلت السعودية لدى الولاياتالمتحدة فيمكن التحايل سياسيا على المحكمة الدولية». وكان نصيف قد كتب تقريرا فى صحيفة «الأخبار» اللبنانية أمس الأول سرب فيه ما قال إنه فحوى لقاء العاهل السعودى الملك عبدالله بن عبدالعزيز مع الرئيس السورى بشار الاسد فى دمشق الأربعاء الماضى، كاشفا عن طلب الأسد من عبدالله «إنهاء المحكمة التى خربت لبنان». وعن كيفية إنهاء المحكمة قال نصيف ل«الشروق» إن «المماطلة فى آلية إصدار القرار الظنى أو طريقة عمل المحكمة أو تخفيف موازنتها المالية هى كلها أدوات يمكن أن تعرقل عملها أو بمعنى آخر تؤدى إلى موت بطىء للمحكمة، بحيث تصبح غير مؤثرة».