اتفق عدد من الشركات والمحللين على أن القرارات الجديدة، التى تم الإعلان عنها أمس الأول، المتعلقة برفع أسعار الطاقة للمصانع سيتم تحميلها فى النهاية على المستهلكين، الذين من المنتظر أن يواجهوا زيادة فى أسعار أغلبية السلع المقدمة لهم خلال الفترة المقبلة. وكانت لجنة مراقبة أسعار الطاقة للصناعة قررت زيادة أسعار الغاز الطبيعى المقدم للصناعات غير كثيفة الاستهلاك إلى دولارين للمليون وحدة حرارية بريطانية، مقابل سعرها السابق البالغ 1.7 دولار. كما تم الاتفاق على زيادة أسعار الكهرباء بنحو 50% للصناعات كثيفة الاستهلاك، مثل الحديد والأسمنت والألمونيوم والنحاس والأسمدة، فى أوقات الذروة، التى تحددها وزارة الكهرباء صيفا وشتاء. زيادة معدل التضخم رفع بنك الاستثمار بلتون توقعاته لمتوسط معدل التضخم فى عام 2010 من 11% إلى 13% نتيجة لقرار الحكومة زيادة أسعار الطاقة على الصناعات غير كثيفة الاستهلاك. ومن جانبها ترى سالى ميخائيل، محلل مالى أول ببنك استثمار النعيم، أن التغييرات الأخيرة فى أسعار الطاقة سترفع حتما التضخم فى العام المالى الحالى فوق مستوى 10%، «قد يلجأ التجار إلى رفع أسعار السلع المتأثرة بقرار الرفع بأكثر من معدلات رفع الطاقة، كما قد ترتفع أسعار سلع أخرى ليس لها علاقة بأسعار الطاقة المحررة». إلا أن ميخائيل تؤكد أن أثر هذه السياسات التحريرية لن تكون له آثار تضخمية كبيرة مثل تلك التى شهدها الاقتصاد المصرى بعد سياسات تحرير الطاقة المطبقة فى عام 2008 والتى رفعت التضخم لأكثر من 20%. وتحد حالة الركود الحالية فى السوق المصرية من قدرة المنتجين على تحميل الزيادات فى أسعار الطاقة على المستهلكين تبعا لميخائيل التى تدلل على ذلك بتثبيت أسعار الحديد فى الشهر الحالى بالرغم من رفع الضريبة على تلك الشركات بدءا من يوليو بسبب الركود فى السوق. الزيادة يتحملها المستهلك هذه الزيادات الجديدة «ستدفعنا بالتأكيد إلى رفع الأسعار، لأنها ستؤثر بشدة على التكلفة، مما يمثل ضغطا كبيرا على الشركة، خاصة أن توقيت إصدار هذه القرارات يتزامن مع الضرائب الجديدة المفروضة على مبيعاتنا»، على حد قول سمير النعمانى، مسئول المبيعات فى شركة حديد عز. كان مجلس الشعب قد أقر فرض ضرائب جديدة على مبيعات الحديد والأسمنت والسجائر بداية من العام المالى الجديد، الذى بدأ منذ ثلاثة أيام. وانتقد النعمانى «السياسات الحكومية التى تحمل الشركات أعباء إضافية، وتطالبنا فى النهاية بعدم تحميل ذلك للمستهلك، طب إزاى؟، ما احنا لو ما عملناش كده هنخسر، خصوصا أننا لا نأخذ أى دعم أو حماية، نأخذ فقط أعباء من الحكومة، وهجوما من المواطنين»، على حد تعبير مسئول شركة عز. ومن جانبه، توقع محمد الخشن، رئيس الشعبة العامة لوكلاء وتجار الأسمدة، أيضا أن «يتأثر المستهلك من هذه القرارات الجديدة»، وقد اعتبر أن المصنعين من مصلحتهم التضامن مع المستهلكين، حتى يوقفوا القرار، ولكن دون جدوى، فمن غير المتوقع على الإطلاق أن تتراجع الحكومة عن خطتها. وإن كان الانعكاس الأخطر، من وجهة نظر الخشن، يتمثل فى إضعاف قدرة المنتج المصرى على المنافسة فى الأسواق العالمية، بعد رفع تكلفته، وهو الأمر الذى يجب أن تعوضه الحكومة بأشكال أخرى للدعم، مثل التوسع فى خطة دعم الصادرات، على سبيل المثال. وبالرغم من الانعكاسات السلبية المتوقعة للقرارات، فإن الخشن يؤيد خطة الحكومة لرفع أسعار الطاقة، حيث إن السعر الذى يتم تقديم الطاقة به للصناعة فى مصر الأقل عالميا، حتى الصناعات كثيفة الاستهلاك التى تدعى أنها تأخذ الغاز حاليا بسعر التكلفة، 3 دولارات للمليون وحدة حرارية بريطانية، فإن هذا غير صحيح، فهذا السعر مازال أقل من التكلفة الحقيقية ومن متوسط الأسعار عالميا. وفى المقابل فإن النعمانى اعتبر أنه «بعد الزيادة الأخيرة فى أسعار الكهرباء أصبحت الأسعار مبالغ فيها بصورة كبيرة، لحد أنه سيكون من الأسهل أن نقوم بإنشاء محطة لتوليد الكهرباء لأنفسنا». وأشار النعمانى إلى أن وزارة الكهرباء قامت منذ فترة بتخفيض كميات الكهرباء المقدمة لشركته فى أوقات الذروة، بواقع 50% فى البداية، والتى ارتفعت بعد ذلك إلى 75%، وحددت الوزارة هذه الأوقات، التى تقع فى الفترة ما بين 5 و11 مساء فى الشتاء، ومن 6 إلى 12 مساء فى الصيف، وبالتالى فهو يتوقع أن يكون رفع الأسعار سياسة جديدة بديلة عن خفض الكميات. «من المتوقع أن تسهم هذه الزيادة فى رفع الأسعار خلال الفترة المقبلة بنسبة عالية»، وفقا لخالد بدوى، الرئيس التنفيذى لشركة تيتان الفرنسية للأسمنت، مشيرا إلى أن هذا القرار سوف يؤدى إلى زيادة الأسعار والتى سوف يتحملها المستهلك، «خاصة أن لجنة الطاقة قد رفعت أسعار الكهرباء خلال العام الماضى»، بحسب بدوى. ويتفق عمر مهنا رئيس مجموعة السويس للأسمنت مع بدوى، مؤكدا أن زيادة أسعار الكهرباء سوف تؤدى إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج والتى يتحملها المستهلك النهائى. وغير كثيفة الاستهلاك غير متضررة اعتبر عدد من الشركات التى تصنف ضمن القطاعات غير كثيفة الاستخدام للطاقة أن زيادة أسعار الغاز من 1.7 دولار إلى دولارين لكل مليون وحدة حرارية بريطانية لن يؤثر على التكاليف النهائية لمنتجاتها، وذلك نظرا لانخفاض نسبة تكلفة الطاقة من إجمالى تكاليف إنتاج منتجاتها. «زيادة أسعار الطاقة ستكون ضئيلة لأن الطاقة تمثل نسبة ضئيلة من تكلفة المنتج النهائى» كما جاء على لسان فريدة خميس، نائب رئيس مجلس إدارة النساجون الشرقيون. وقالت خميس إن تكلفة الطاقة تمثل نحو 2% من إجمالى التكلفة النهائية لمنتج السجاد الذى تنتجه المجموعة، مشيرة إلى أن هذه التكلفة سترتفع بنحو 3% من إجمالى التكاليف. وقالت إن المجموعة تقوم فى الوقت الحالى ببناء محطة للكهرباء لتغطية احتياجات المجموعة خاصة مصانع إنتاج البروبلين من الكهرباء، وسوف يتم افتتاحها خلال العام الحالى. بينما اعتبر أحمد الحمصانى، مسئول علاقات المستثمرين بشركة السويدى لإنتاج الكابلات الكهربائية، والتى تمتلك نحو 20 مصنعا، منها مصنع لإنتاج النحاس يعتمد فى استخدامه للطاقة على الغاز الطبيعى أن الزيادة التى أقرت فى أسعار الغاز لن تؤثر على أسعار المنتج النهائى، الزيادة ستكون طفيفة، ستتحملها الشركة». المركزى قد يلجأ لرفع الفائدة وتشير محللة النعيم إلى أن ارتفاع التضخم متأثرا بتحرير الطاقة قد يدفع المركزى فى الفترة المقبلة إلى تغيير سياسته بشأن تثبيت أسعار الفائدة إلى الاتجاه لرفعها لامتصاص تلك الآثار التضخمية، وهو ما يؤثر بدوره سلبا على جاذبية سوق الأوراق المالية للاستثمار. وتشير ميخائيل إلى أن من الآثار الإيجابية المتوقعة لتحرير أسعار الطاقة الأخير هو تقليل معدل عجز الموازنة أو الحد من ارتفاعه إلا أن الدسوقى تشير إلى أنها لا تتوقع تأثر هذه الإجراءات التحررية على العجز المتوقع فى العام المالى الحالى بنسبة 8%. ويشير تقرير لبلتون إلى أنه على الرغم من أن دعم الطاقة يمثل 60% من إجمالى الدعم فإن دعم الغاز الطبيعى والكهرباء أقل معدلات الدعم مقارنة بباقى منتجات الطاقة، كما أن كمية الدعم المدفوع لمنتجات الطاقة للصناعات غير الكثيفة محدود.