عام مالى جديد يبدأ اليوم، وضعت له الحكومة موازنة تختلف ملامحها فى بنود الدعم والأجور والاستثمارات والإنفاق على الصحة والتعليم، كما زادت إيرادات الحكومة المتوقعة مع زيادة المنح والحصيلة الضريبية. «الشروق» تفتح اليوم ملف الموازنة لتلقى بالضوء على ملامح إنفاق الحكومة خلال 2010 2011. وصلت نسبة الزيادة فى الأجور إلى أكثر من 100% بالنسبة للدرجات الأقل دخلا، من الدرجة السادسة إلى الثالثة من السلم الوظيفى، والذين يمثلون نحو 45% من جملة العاملين بالجهاز الإدارى للدولة، مقابل أكثر من 80% للدرجات الأعلى»، على حد تعبير جمال مبارك، أمين عام لجنة السياسات فى الحزب الوطنى، أثناء عرضه لورقة «التنمية الاجتماعية ومكافحة الفقر»، فى المؤتمر السنوى السادس للحزب، المنعقد نهاية أكتوبر الماضى. وقد جاءت خطة الدولة للتنمية الاقتصادية فى العام المالى الحالى، الذى يبدأ اليوم، لتؤكد استمرار الدولة فى انتهاج سياسة رفع الأجور، من أجل «تحسين مستويات معيشة المواطنين، والانتقال من مرحلة تقليل الفقر إلى تحقيق التنمية الاجتماعية»، حسبما ورد فى النشرة الصادرة عن وزارة التنمية الاقتصادية عن الخطة. وقد انعكس هذا التوجه على مخصصات الأجور فى موازنة العام الجديد، حيث زادت المبالغ الموجهة لها بنسبة 10.8%، ليصل الإنفاق على الأجور إلى 95.308 مليار جنيه. ومع ذلك لم تمنع هذه الزيادات الشكوى المتكررة بين المواطنين من غلاء المعيشة وعدم القدرة على الوفاء بالاحتياجات الأساسية للكثير من الأسر. فالزيادات التى تعلن عنها الحكومة فى الأجور قد لا تعكس ارتفاعا حقيقيا فى مستويات المعيشة، لأنها لا تعالج اختلالات موجودة بالفعل فى الهيكل العام للأجور فى مصر. «المشكلة الرئيسية أن أساسى رواتب شرائح عريضة من المجتمع متدنية جدا فى الأصل، وبالتالى فإن أى زيادة فيها تكون ضعيفة»، على حد قول عبدالفتاح الجبالى، عضو المجلس القومى للأجور. وهو ما تتفق عليه هبة الليثى، رئيسة قسم الإحصاء بجامعة القاهرة، موضحة أنه إذا كان الأجر الأساسى للموظف 200 جنيه، فإنه يصل إلى 1000 جنيه بعد إضافة البدلات والحوافز، إلا أن زيادة الراتب بنسبة 10% سنويا على سبيل المثال، تعنى أنه سيحصل على 20 جنيها إضافية فقط، حيث تنسب الزيادة للأجر الأساسى، مشيرة إلى أهمية احتساب الزيادة على الأجر الشامل. وأضافت الليثى أن التفاوت الكبير فى الأجور بين العاملين فى المؤسسات التابعة للدولة، يجعل بعض القطاعات تشعر بالزيادة وأخرى لا يطلها تغيير، خاصة أن «بعض وكلاء الوزارات والمديرين والمستشارين يحصلون على أجور طائلة، تساهم بنسبة كبيرة فى زيادة بند الأجور فى الموازنة، دون أن تنعكس على عموم الموظفين». لذلك يدعو الجبالى إلى إعادة النظر فى نظام أجور العاملين فى الدولة والعلاوات الدورية التى يحصلون عليها، والتى لا تتناسب مع مستويات المعيشة الراهنة. من جهة أخرى، فإن زيادات الأجور لا تمكن المواطنين من ملاحقة ارتفاع الأسعار المستمر، لذلك لا يشعر الناس بتحسن فى مستوى معيشتهم، كما يقول محمود عبدالحى، الرئيس الأسبق لمعهد التخطيط القومى، موضحا أنه إذا كان الإنفاق على الأجور سيزيد بنحو 10.8% فى الموازنة الجديدة فإن معدل زيادة الأسعار فى الشهور الأخيرة لم يقل عن 11%، باستثناء شهر مايو الذى انخفض فيه إلى 10.5%، «وهو ما يعنى أن القيمة الحقيقية للأجور تتراجع، أو تبقى عند نفس مستواها فى أفضل التقديرات، لكنها لا تزيد». وتستهدف خطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية للدولة الارتفاع بنصيب الفرد من الدخل القومى من 15.4 ألف جنيه تقريبا فى العام المالى الماضى، 2009/2010، إلى 17.4 ألف فى العام الحالى، الذى يبدأ اليوم، أى ما يعادل 1750 جنيها شهريا. ويقول عبدالحى إن الرقم صحيح إذا قسمنا الدخل القومى على عدد السكان، إلا أنه مضلل لأن هناك شرائح اجتماعية يرتفع دخلها بالفعل وأخرى يتراجع مستوى معيشتها، خاصة أن «النمو فى مصر منحاز لأصحاب الدخول العليا، كما يظهر مثلا فى برامج الانعاش الاقتصادى التى أقرتها الحكومة لمواجهة آثار الأزمة الاقتصادية العالمية، والتى ذهب 90% منها لمشروعات المياه والصرف الصحى، ليكون المستفيد الأكبر منها شركات المقاولات والحديد والأسمنت». وتستنكر ضحى عبدالحميد، الممثلة المقيمة للمؤسسة الدولية لتقييم الأداء التنموى، ما يعلنه الحزب الحاكم من أن أجور العاملين فى الدولة زادت بما يتراوح بين 80% و100%، قائلة: «لا أعلم كيف تم حساب هذه الزيادة، فبإضافة العلاوات السنوية التى تم إقرارها منذ بداية البرنامج الانتخابى للحزب فى 2006، تصل نسبة الزيادة فى الأجور إلى 70% فقط. واعتبرت عبدالحميد أن «قضية الأجور يمكن أن تكون ورقة رابحة للحزب فى الانتخابات الرئيسية المقبلة، إذا ما أدخل تعديلات جوهرية على جدول الأجور، وتم ربطها بالتضخم أو بخط الفقر على سبيل المثال».