فى وقت يتعرض فيه الرئيس الأفغانى حامد كرزاى لضغوط من واشنطن وحلفائها للعمل على استقرار الوضع الأمنى فى البلاد لإتاحة الفرصة لقواتهم للانسحاب من هذا البلد، يخشى العديد من المراقبين اندلاع حرب أهلية فى البلاد بسبب سعى كرزاى إشراك طالبان التى تنحدر من عرق الباشتون فى السلطة وهو أمر تعارضه عرقيات آخرى فى البلاد وتهدد بمحاربته. وأعطى قادة قمة مجموعة الثمانى المنعقدة فى كندا لكرزاى فى بيانهم الختامى مهلة خمس سنوات لتسوية القضية الأفغانية وتسلم المسئوليات الأمنية ومكافحة الفساد. وقالت صحيفة الأوبزرفر البريطانية إن مهلة خمس سنوات ينظر إليها على أنها بمثابة موعد نهائى لسحب القوات الأجنبية من البلد، كما ينظر إليها على أنها إثبات لكلام رئيس الوزراء البريطانى، ديفيد كامرون الذى عبر فيه البارحة عن أمله فى سحب القوات البريطانية من أفغانستان فى غضون خمس سنوات. لكن الرسالة الموجهة إلى كرزاى يمكن أن تؤجج الخلاف بين الدول المعنية بمستقبل أفغانستان لأن البلد أبعد ما يكون عن الاستقرار. ونقلت الصحيفة عن الرئيس السابق لبعثة الاتحاد الأوروبى فى أفغانستان، مايكل سيمبل، فى مقابلة مع الأوبزرفر إن «الوضع الأمنى ينهار إلى درجة أن البلد يمكن أن ينزلق إلى فوضى أهلية». وأضاف سيمبل الذى يحتفظ بعلاقات واسعة مع قيادة طالبان أن إقالة الجنرال ستانلى ماكريستال، وهو أرفع مسئول عسكرى أمريكى فى أفغانستان، فى الأسبوع الماضى يمكن أن تقوض ثقة الشعب الأفغانى أكثر فأكثر فى مهمة قوات الحلفاء. وذكر مصدر باكستانى على درجة واسعة من الاطلاع فى تصريح ل«الشروق» إنه من المتوقع أن يقيل الرئيس الأمريكى باراك أوباما مبعوثه الخاص لأفغانستان ريتشارد هولبرك فى الفترة القريبة المقبلة. وقال المصدر الذى طلب عدم ذكر اسمه إن «هناك اعتراضات واسعة داخل الحكومة الأفغانية وأيضا داخل القبائل على طريقة هولبروك فى إدارة الملف.. وهناك نقاشات أجريت بين كابولوواشنطن فى هذا الصدد». ورأى سيمبل أن هناك «إدراكا واسعا لدى الأفغان بأن قوات حلف شمال الأطلسى (الناتو) لا تكسب الحرب.. ويتوقعون حدوث جولة جديدة من الحرب الأهلية ويستعدون لذلك»، وقال إن هناك مؤشرات على وجود صراع بين ثلاثة أجنحة وهى البشتون الموالون لطالبان والبشتون المناوئون لطالبان والجماعات غير البشتونية. وفى سياق متصل، ذكرت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية أن قادة قبائل الطاجيك والأوزبك والهزارا (الشيعة) والتى تشكل مجتمعة ما يقرب من نصف عدد السكان يعتزمون مقاومة ومحاربة إذا اقتضت الضرورة أى اتفاق يتضمن عودة أعضاء من طالبان إلى السلطة مرة أخرى. وبعد محادثات تمت بين كرزاى ومسئولين فى الجيش والمخابرات الباكستانية، بدأ قادة القبائل اتخاذ أولى خطواتهم باتجاه تنظيم أنفسهم لمواجهة رغبة كرزاى فى استعادة سيطرة عرق الباشتون الذى هيمن على البلاد عبر أجيال عديدة، بحسب الصحيفة. وقال رحمن أوغلى النائب الأوزبكى فى البرلمان الافغانى: «كرزاى يعيد أفغانستان إلى طالبان ويفتح الباب للانشقاقات القديمة. وأضاف أوغلى الذى كان عضوا فى ميليشيا لمحاربة طالبان «اذا كان يريد استقدام طالبان وبدأوا باستخدام القوة فإننا سنعود إلى الحرب الأهلية وستنقسم أفغانستان». وفى تصريح ل«الشروق» عبر الهاتف من إسلام آباد، قال الخبير فى الشأن الأفغانى جاسم تقى الدين إن «الاعراق الأخرى غير الباشتون لن يقبلوا مطلقا بحكم طالبان.. والمجتمع الأفغانى بجميع قطاعاته يرفض هذا النوع من الحكم الذى يعتمد على الاسلوب البدائى». وأوضح ان «الطاجيك والاوزبك يشكلون محور النظام الحالى فى أفغانستان ولن يتخلوا على موقعهم هذا لطالبان مهما حدث مما سيؤدى حتما إلى نشوب حرب أهلية مع البشتون الذين يشكلون 40% من عدد السكان. ورأى تقى الدين ان كرزاى سيفشل فى مساعيه نظرا لتخبط الاستراتيجية الامريكية والخلاف داخل حلف شمال الأطلسى ورغبة معظم الدول فى الخروج سريعا من افغانستان. كما ان طالبان هى المستفيد حاليا من هذا الوضع وهى غير مجبرة بالتعاطى مع خطة كرزاى. لكن تقى الدين رأى ان الحل الوحيد للخروج من هذا المأزق يقع فى يد باكستان التى لها نفوذ وعلاقات متينة مع قبائل البشتون وشبكة سراج الدين حقانى وقلب الدين حكمتيار زعيم الحزب الإسلامى. وقال إنه يمكن وضع صيغة لحكم فيدرالى فى افغانستان بحيث يحكم البشتون فى المناطق التى يسيطرون عليها (جنوب البلاد) بينما يحكم الطاجيك والازبك مناطقهم (فى الشمال) والهزارا (فى الوسط) هكذا.. بحيث تحكم كل عرقية المنطقة التى توجد بها تحت إدارة الحكومة المركزية فى كابول برئاسة كرزاى. وتابع: «إذا وافقت واشنطن على ان تقوم إسلام آباد بدور فإنها يمكن ان تضغط على حلفائها الباشتونيين ليكفوا على محاربة كابول مقابل اشراكهم فى السلطة على هذا النحو».