تنفس الكثيرون فى مصر الصعداء بنهاية الدورة البرلمانية الأخيرة لمجلس الشعب. بعد خمس سنوات مثقلة بالخطايا والأخطاء التى شابت الممارسات النيابية. وأدخلت برلمان 2005 التاريخ، باعتباره علامة من علامات الردة فى الحياة الدستورية والسياسية فى مصر، بدلا مما كان مقدرا له أن يكون نقطة انطلاق فى عملية الإصلاح السياسى.. يعمق قيم الديمقراطية، ويرسى دعائم تداول السلطة، ويصحح عيوب ما سبقه. فقد جاء برلمان 2005 ليبقى كل شىء على حاله، بفضل التعديلات القاصرة التى أدخلت على عدد من مواد الدستور، وبالأخص المادتين 76 و77.. اللتين أقرتا مبدأ انتخاب الرئيس من بين أكثر من مرشح. ولكنهما قيدتا عملية الترشيح لتظل مملوكة لحزب الأغلبية الحاكم، وجعلتا الترشيح لمنصب الرئيس من المستقلين أو أى حزب آخر مجرد إجراء صورى شكلى. وكان هذا القصور الدستورى سببا من أسباب شيوع مقولة التوريث. وتغلغل مراكز قوى داخل الحزب، تتربع لجنة السياسات على عرشها، وتعزز تحالف السلطة والثروة بشكل صارخ.. أعطى للفساد مقوماته. والمفترض أن يقاس الأداء البرلمانى فى الدول الديمقراطية، بحجم الإنجاز الذى يحققه البرلمان، سواء من الناحية التشريعية أم الناحية الرقابية. وفى بلد مثل مصر، يتحول مجلس النواب إلى مرآة تعكس ما حققته الحياة السياسية من تقدم ديمقراطى وما عجزت عن تحقيقه. فربما يكون المجلس قد عقد مالا يحصى من الجلسات، وناقش وأقر عددا لا بأس به من مشروعات القوانين، ولكن تظل هناك قوانين جوهرية حاكمة، تدعم البنيان الديمقراطى هى الأساس.. ومع ذلك لم تكن ضمن جدول أعمال المجلس. فقد تضمن برنامج الرئيس بعد انتخابه عام 2005، وعودا وعهودا تستهدف دعم برامج الحكومة للإصلاح السياسى والمالى. من بينها، إلغاء قانون الطوارئ ليحل مكانه مشروع قانون ضد الإرهاب. وأخفق المجلس كما أخفقت الحكومة فى تحقيق هذا الهدف. وكان المفروض أيضا أن يتم تعديل قانون الانتخاب والممارسة السياسية، لإدخال نظام الانتخابات بالقائمة بدلا من الفردى، تعميقا للحياة الديمقراطية، ونزاهة العملية الانتخابية، وتمكينا للمرأة والأقباط. ولكن الحزب الحاكم اختار الطريق السهل لحل مشكلة تمثيل المرأة باللجوء إلى نظام «الكوتة»، بينما تغاضى عن تحديد نسبة للأقباط.ثم كانت هناك نية فى تعديل قانون الحكم المحلى، وإدخال بعد برلمانى فى انتخابات أعضاء المجالس المحلية. ولكن ما تحقق بقى دون المستوى بكثير، واستولى حزب الأغلبية الحاكم على مقاعد المجالس المحلية فى جميع محافظات الجمهورية. ولا يمكن فى هذه العجالة إحصاء فقاقيع الفساد التى ظهرت على وجه مجلس الشعب وأعضائه الموقرين، فأضاعت هيبة المجلس، وثقة الناس فيه.. ابتداء من نواب القروض إلى نواب الأراضى، إلى نواب العلاج على نفقة الدولة، إلى نواب القمار. ولم تكن الجلسة الختامية التى أسدلت الستار على حقبة من حياتنا السياسية نرجو ألا تتكرر غير مسك الختام. ففى أحضانها انعقدت لجنة الصحة إحدى اللجان الرئيسية للمجلس لتغدو مسرحا لتبادل السباب والشتائم البذيئة بين الأعضاء من حزب واحد، هو حزب الأغلبية الحاكم. ولا يملك المرء إلا أن يعجب لدرجة الصبر والاحتمال التى يتحلى بها أساتذة كبار مثل الدكتور سرور والدكتور شهاب، لكى يبقوا فى أماكنهم صاغرين ساكتين، وهم يرون هذه المهازل اليومية على امتداد خمس سنوات. لا أحد يعرف كيف سيكون المجلس الجديد عام 2010. وهل سيشهد المصريون نفس الوجوه، ونفس التمثيليات القبيحة؟.. أم يكون علينا أن نصبر حتى يقضى الله أمرا كان مفعولا؟!