قدم رجل المحاماة الكبير رجائى عطية مرافعة من نوع خاص قرر أن تكون وثيقة وشهادة عن عالمه الذى نشأ وعاش فى محرابه على مدى تاريخه، وذلك فى كتاب «رسالة المحاماة» الذى قدمه ،حسب تعبيره، دفاعا عن مهنة ونقابة أثرت فى الحركة الوطنية والحياة السياسية على مدار الزمن. جاء فى الكتاب، الذى يقع فى 292 صفحة، «عبر أكثر من نصف قرن جرت أحداث فى نهر المحاماة ونقابتها أكلت من الرصيد الرائع الذى كان للمحاماة والمحامين، عز على كثيرين أن تبقى المحاماة قوية مؤثرة فى الحركة الوطنية والسياسية، حداهم إلى ذلك أن المحامى طاقة حرة ومؤثرة تتأبى على الإذعان أو التطويع، فالمحامى لا ينتظر راتبا من أحد، وإنما رزقه على الله عز وجل، وعلى مدى كفاءته وقدراته وإخلاصه، ثم هو صاحب معرفة وحجة ومنطق وقدرة على المنازلة والمقارعة والإقناع، فلا سبيل إذن إليه إلا أن تضرب المحاماة بأسرها، والطريق القريب إلى ضربها، ضرب نقابتها، لذلك استهدفت نقابة المحامين منذ أكثر من نصف قرن، تغيرت الأساليب والطرق والهدف واحد هو احتواء النقابة». قدم الكتاب تعريفا بالمحاماة كمهنة ورسالة، ويقول «قد يكفى المهندس أو الطبيب أو الصيدلى أو المحاسب أو المهنى بعامة أن يملك العلم والخبرة، والجد والإخلاص والتفانى، وعطاؤه مردود إليه، معنى «الغير» والتصدى لحمايته والدفاع عنه ليس حاضرا فى ذهن المهنى أو الحرفى، ولكنه كل معنى المحاماة وصفحة وعى المحامى، الداعية الدينى مسلما كان أو مسيحيا يجلس إلى جمهور المتلقين المحبين المقبلين الراغبين فى الاستماع إليه، لا يقاومون الداعية ولا يناهضونه ولا يناصبونه عداء ولا منافسة،أما المحامى فإنه يؤدى رسالته فى ظروف غير مواتية، ما بين خصم يناوئه، ورول مزدحم قد يدفع إلى العجلة أو ضيق الصدر، ومتلق نادرا ما يحب سماعه وغالبا ما يضيق به وقد يصادر عليه، يرى أنه يستغنى بعلمه عن الاستماع إليه، لذلك كانت المحاماة رسالة، الكلمة والحجة أداتها، والفروسية خلقها وسجيتها». استفاض عطية فى الحديث عن أخلاقيات مهنة المحاماة، وخاض فيها باعتبارها دورا وفنا وأداء، وتطرق إلى مخاطرها التى قال عنها «فيما عدا رجال الجيوش وقوات الأمن فى حالة الاشتباك لا تجد أبناء مهنة يتعرضون لما يتعرض له فرسان المحاماة من محاذير وأخطار تأتيهم فى مباشرتهم لرسالتهم من كل جانب، ما بين خصم يناوئ وينتظر فلتة لسان، ونيابة تنظر بغير عين الرضا وتحشد إمكانيتها لمحاصرة ودرء ما يسعى المحامى إليه، وما بين موازين عديدة يعملها القاضى يغدو إزاءها المحامى كالقافز فوق الأشواك أو الباحث عن مواطئ أمان لقومه فى حقل ألغام». خصص رجائى عطية، الذى رشح نفسه عدة مرات لمقعد نقيب المحامين، فصلا عن المحاماة والمحامين فى صفحات الحركة الوطنية والحياة السياسية والأدبية وعلى رأسهم مصطفى كامل، ومحمد فريد. صدرت الطبعة الأولى لكتاب «رسالة المحاماة» عام 2008 عن دار الشروق، ووضح خلاله عطية أن سبب صدور هذا الكتاب فى هذا التوقيت هى الأحداث التى أضرت بالنقابة التى وصفها ب«المأساوية» التى أدت إلى فرض الحراسة القضائية على النقابة. وما اعتبر أنها حروب هابطة وألاعيب صغيرة تضمن حصار النقابة وتطويقها والسيطرة عليها، ويقول «وسط هذا المناخ المعبأ بالسلبيات تاهت المحاماة ومطالبها وانقطع من سنوات ما بين النقابة وبين المحاماة ثم هجمت الأغراض الانتخابية على كل شىء، فتعثر تأهيل شباب المحامين، وساهم فى هذه الإعاقة عدم تقديم حل جدى حقيقى قابل للتطبيق لتيسير تمرين كريم للمحامى وإعداده للتأهل للمرحلة التالية فى القيد أمام المحاكم الابتدائية، وتقديمه إلى مجتمع المحاماة مزودا بالعلم والتطبيق والتقاليد التى تجعله أهلا لحمل رسالة المحاماة».