كانت مشاعر الحزن والشرود ومحاولة إظهار ابتسامة وثقة هى القاسم المشترك بين عدد كبير من النواب المستقلين ونواب الإخوان وبعض نواب المعارضة وقليل من نواب الوطنى فى اللحظات الأخيرة من عمر برلمان 2005. فى حين سيطرت مشاعر الفرحة والابتسامات العريضة على غالبية نواب الوطنى، دارت همهمات وهمسات اللحظة الأخيرة تحت القبة حول من سيأتى فى برلمان 2010. بعض النواب ممن يدركون أن عودتهم للبرلمان مرة أخرى هى نصف المستحيل إن لم يكن المستحيل كله ظلت عيونهم معلقة بأرجاء القاعة الرئيسية للمجلس، كانوا ينظرون إلى المقاعد والقبة والمنصة التى يجلس عليها سرور فربما تكون النظرة الأخيرة، واصطحب البعض منهم أبناءه قبل نهاية الدورة بيوم ودار بهم بين أرجاء المجلس، وكأنهم فى زيارة سياحية لمكان لن يعودوا إليه مرة أخرى. وعلى الرغم من أن المشهد الأخير من عمر الدورة البرلمانية يتكرر كل عام منذ 5 أعوام هى عمر الفصل التشريعى، فإن المشهد هذه المرة كان مختلفا فلم يتبادل بعض نواب «الوطنى» وبعض نواب «الإخوان» الأحضان على أمل اللقاء فى العام المقبل، كما كان يحدث، لكن ذهب بعض نواب الوطنى خفية إلى بعض نواب الإخوان وتبادلوا أرقام التليفونات، وهو ما تكرر بين نواب المعارضة الرسمية وبعض نواب الوطنى. بعض نواب الإخوان والمستقلين ظهروا غير مبالين بالجلسة الأخيرة، التى عادة ما كانوا يحتشدون فيها، وانشغل بعضهم بأحاديث جانبية، وتنزه البعض الآخر بين أرجاء المجلس، فى حين ترك عدد من المستقلين القاعة بعدما علموا أن الدكتور فتحى سرور سيعطى الكلمة للنائب مصطفى بكرى ليتحدث باسم المستقلين. المفاجأة أن الدكتور سرور نفسه لم يكن سعيدا كعادته، وهو يلقى البيان الختامى لأعمال الدورة البرلمانية الأخيرة فى برلمان 2005، ففى كل مرة يلقى فيها سرور مثل هذا البيان يكون وجهه مكسوا بابتسامات عريضة، أما هذه المرة فقد كان عاديا، وبمجرد أن انتهى من بيانه غادر القاعة فورا، ولم ينتظر أن يسلم عليه النواب أو رؤساء الكتل، إلا أن محمد سعد الكتاتنى رئيس الكتلة البرلمانية للإخوان ذهب وسلم عليه، وتذكر سرور كمال الشاذلى قبل أن ينهى خطابه بدقائق فقدم إليه تحية حارة قائلا: «أتلفت حولى فلا أجد النائب المحترم كمال الشاذلى»، نطق سرور اسمه بتلعثم ربما إدراكا منه أنه تأخر فى تقديم التحية له، وتابع: «باسمكم جميعا أدعو له بالشفاء التام» وصفق نواب الوطنى والمعارضة بحدة. وقلد نواب الوطنى الذين أعطاهم سرور الكلمة رئيس المجلس فى توجيه التحية للشاذلى بعد أن ذكرهم به سرور. سرور أعطى الكلمة للكتاتنى فحاول أن يبدو واثقا هو وكتلته، فقال: «اتفقنا قليلا مع نواب الوطنى واختلفنا كثيرا وسنترك الحكم للناخب المصرى، الذى سيدلى بصوته فى الانتخابات المقبلة»، وسادت همهمات فى القاعة بعد هذه الكلمة وعلق بعض نواب الوطنى «إنتم لسه فاكرين إن فيه انتخابات المجلس اللى جاى كله معين». حينما تحدث مصطفى بكرى حاول كعادته أن يحتمى بالرئيس، ويعرض بأمين التنظيم أحمد عز، دون أن يسميه فقال: «الرئيس لا يكن حقدا لأحد ولا يعاقب أحدا على رأيه على الرغم من أن بعض الآراء ربما تزعجه، ونتمنى أن يأتى المجلس المقبل دون أن يتم استقصاء أى تيار سياسى فماذا أضر المجلس الحالى إن كان فيه 100 أو 120 نائبا معارضا، ولقد انتهى عصر الإقصاء لصالح شخص معين». وحينما جاء الدور على أحمد عز رئيس لجنة الخطة والموازنة وأمين التنظيم فى الحزب الوطنى ليدلى بدلوه فى اللحظات الأخيرة، صفق نواب الوطنى بحرارة شديدة، وفى البداية وجه عز الشكر للمعارضة الأصيلة فصفق نواب الوطنى، وقال: «أرجو ألا يؤدى الخلاف فى الرأى إلى أن يفسد للود قضية». عز، الذى كان يتحدث وكأنه طاووس، أبى أن يمر المشهد الأخير دون مناوشة فقال: «الطفرة الإعلامية الأخيرة خلفت أوضاعا غريبة، وبات من المخجل أن يقول المرء إن أوضاعنا أصبحت أحسن حالا، وبات ذكر المساوئ هو الأمر الصحيح»، وتابع: «أقول لزملائى ليس عيبا أن نقول إن مصر أصبحت أحسن حالا فتلك هى الحقيقة وليس ذنبا أن أفتخر ببلادى»، فصفق نواب الوطنى بحرارة بالغة وهو ما اثار انفعال النائب الإخوانى سعد الحسينى الذى حاول ان يعترض على كلام عز فنصحه زملاؤه بالتراجع عن هذا الامر حتى لا تفسد اجواء الجلسة الأخيرة. وبعد انتهاء الجلسة سارع نواب الوطنى الى التقاط الصور التذكارية مع عز وتوجه اليه بعض نواب الإخوان للسلام عليه، ونظم نواب الاخوان حفل تكريم للصحفيين البرلمانيين فى غرفة المستقلين ووزعوا على الصحفيين هدايا تذكارية، عبارة عن مقلمة وسى دى وقال حسين إبراهيم نائب رئيس الكتلة: «لم نرغب أن تكون الهدية أكثر من ذلك حتى لا يساء فهمها ولم نرغب فى أن نوزع أقلاما حتى نبدو وكأننا نقول خذوا الأقلام واكتبوا ما نمليه عليكم». وحاول نواب الإخوان الذى حضروا اللقاء أن يثبتوا للمحررين البرلمانيين أنهم سيدخلون الانتخابات المقبلة بكل ثقة، وأنهم لن يرهبهم ما جرى فى انتخابات الشورى، ورفضوا مقاطعة الانتخابات، وقالوا بعشم وهم يضحكون: «ربما قد يجد جديد فى الانتخابات البرلمانية المقبلة».