قوات الدفاع الجوي.. لهيب السماء| شاهد    الغرف التجارية: الاستثمارات الأوروبية داخل مصر تجاوزت ال41 مليار دولار    عمومية الغرف السياحية تعتمد الميزانية والحساب الختامي للاتحاد    بنك القاهرة يحصد جائزة أفضل مقدم لخدمات تمويل التجارة العالمية لعام 2024    الاتحاد الأوروبي: خطوة سموتريتش لتشريع 5 بؤر استيطانية محاولة لتقويض جهود السلام    رئيس الوزراء: نتطلع للاستفادة من الخبرات الأوروبية في التجارة والتصنيع    أستاذ علوم سياسية يستبعد اعتزال نتنياهو للسياسة رغم استطلاع ال66%    التعادل السلبي يحسم مباراة إنبي وبلدية المحلة في الدوري    الغندور: رابطة الأندية تفكر في تأجيل الدوري إسبوعين.. الجدول الأخير «فنكوش»    كامافينجا: ديشامب وأنشيلوتي متشابهان.. ولا أحب اللعب في هذا المركز    الجيزة: كسر مفاجئ بخط المياه بميدان فيني بالدقي والدفع ب7 شفاطات لرفع المياه    «التعليم»: لجنة فنية متخصصة لإعداد تقرير حول مدى مطابقة أسئلة الفيزياء للمواصفات    «الإنتاج الثقافي» يحتفل بذكرى ثورة 30 يونيو بساحة الهناجر غدا    جامعة سوهاج: تكليف 125 أخصائي تمريض للعمل بمستشفيات الجامعة    القاهرة الإخبارية تعرض تقريرا بعنوان "الإخوان.. جماعة الدم والتطرف"    ليفربول يستهدف التعاقد مع نجم نيوكاسل يونايتد    المقاولون العرب يقبل اعتذار معتمد جمال عن تدريب الفريق    انطلاق التصويت في الانتخابات الرئاسية الموريتانية    وفد من وزارة الصحة يتفقد منشآت طبية بشمال سيناء    محافظ المنيا يوجه بوضع آليات عاجلة والاستجابة الفورية لطلبات المواطنين    إطلاق برامج تدريبية مجانية على الخياطة والحاسب الآلي لسيدات جنوب سيناء    أعظم الثورات ومنحت الشباب مكتسبات غير مسبوقة.. رئيس "رياضة النواب" يهنئ السيسي ب"30 يونيو"    ضحية إمام عاشور يطالب أحمد حسن بمليون جنيه.. و14 سبتمبر نظر الجنحة    بعد إحالته للمفتي.. تأجيل محاكمة متهم بقتل منجد المعادي لشهر يوليو    حملات بيئية للتصدي لحرق المخلفات الزراعية والبيئية بالأقصر    نسرين طافش تنشر فيديو أثناء لعبها التنس.. والجمهور: "صباح النشاط"    صراع السينما المصرية على شباك التذاكر.. "أولاد رزق وبيت الروبي وصعيدي في الجامعة الأمريكية" أفلام حققت أرقامًا قياسية بالإيرادات.. والشناوي: السيناريو ونجم العمل من أهم أسباب النجاح    عضو "طاقة النواب": مصر نجحت في عمل بنية تحتية جاذبة للاستثمار    إصدار مليون و792 ألف شهادة صحية مؤمنة ب «رمز الاستجابة» للمقبلين على الزواج    مصر تدعو دول البريكس لإنشاء منطقة لوجستية لتخزين وتوزيع الحبوب    سلمى أبوضيف: قصة حبي حصلت صدفة والضرب في "أعلى نسبة مشاهدة" حقيقي    علامات مبكرة للذبحة الصدرية.. لا تتجاهلها واذهب للطبيب فورا    الصحة: اختيار «ڤاكسيرا» لتدريب العاملين ب «تنمية الاتحاد الأفريقي» على مبادئ تقييم جاهزية المرافق الصيدلانية    ماهو الفرق بين مصطلح ربانيون وربيون؟.. رمضان عبد الرازق يُجيب    الاتحاد الأوروبي يعلن توسيع العقوبات المفروضة على روسيا    محافظ الجيزة يهنئ الرئيس السيسي بذكرى 30 يونيو    أكرم القصاص: علاقات مصر والاتحاد الأوروبى تعتمد على الثقة وشهدت تطورا ملحوظا    بدءا من اليوم.. فتح باب التقدم عبر منصة «ادرس في مصر» للطلاب الوافدين    الفريق أسامة ربيع: نسعى لتوطين الصناعات البحرية والصناعات الثقيلة وإعادة الريادة للترسانات الوطنية    تأجيل محاكمة المتهمين بقتل جواهرجي بولاق أبو العلا ل28 يوليو    مجلس جامعة الأزهر يهنئ رئيس الجمهورية بالذكرى ال 11 لثورة 30 يونيو    الاحتلال الإسرائيلي يتعمد استهداف طواقم الإسعاف والدفاع المدني    الصحة: الكشف الطبى ل2 مليون شاب وفتاة ضمن مبادرة فحص المقبلين على الزواج    كيف فسّر الشعراوي آيات وصف الجنة في القرآن؟.. بها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت    جليلي وبيزشكيان يتنافسان في جولة الإعادة الرئاسية في إيران    امتحانات الثانوية العامة 2024.. طلاب علمي يشكون صعوبة الفيزياء وارتياح بالشعبة الأدبية بعد التاريخ بالمنيا    السياحة تكشف حقيقة التحذيرات البريطانية والأمريكية لرعاياهما بشأن السفر إلى مصر    شرح حديث إنما الأعمال بالنيات.. من أصول الشريعة وقاعدة مهمة في الإسلام    استعدادات أمنية لتأمين مباراة الزمالك وسيراميكا الليلة    مجلة جامعة القاهرة للأبحاث المتقدمة تحتل المركز السادس عالميًا بنتائج سايت سكور    اليوم.. الحكم علي كروان مشاكل وإنجي حمادة بتهمة نشر الفسق والفجور    الإفتاء: يجب احترم خصوصية الناس وغض البصر وعدم التنمر في المصايف    حظك اليوم| برج العذراء السبت 29 يونيو.. بشائر النجاح والتغيير بنهاية الشهر    لقطات من حفل محمد حماقي في «ليالي مصر».. شكر «المتحدة» وأعلن موعد ألبومه الجديد    وزارة التربية العراقية: نتائج الثالث متوسط 2024 محافظة الكرك    حكم استئذان المرأة زوجها في قضاء ما أفطرته من رمضان؟.. «الإفتاء» تٌوضح    «غير شرعي».. هكذا علق أحمد مجاهد على مطلب الزمالك    البنك الأهلي: تجديد الثقة في طارق مصطفى كان قرارا صحيحا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قراءة التاريخ فى غياب الأرشفة
نشر في الشروق الجديد يوم 23 - 06 - 2010

أنجز المؤرخ والمحلل السياسى البريطانى باتريك سيل سيرة عن حياة الزعيم السياسى اللبنانى رياض الصلح بعنوان «رياض الصلح.. النضال من أجل الاستقلال العربى».
كتاب ضخم يدخل القارئ فى جو المرحلة التاريخية الحاسمة التى شهدت تقسيم ثم استقلال لبنان وسوريا والأردن وضياع فلسطين مع قيام الدولة الصهيونية وهزيمة العرب. من خلال هذا المؤلف، يعيش القارئ مع بطل الرواية الرئيسى ومجموعة من الشخصيات التاريخية ويتفاعل معهم ومع الأحداث. وضع باتريك سيل سيرة حية ومثيرة، تقرأ كالرواية وهى غنية بالأحداث والمعلومات ولا تخلو من تفاصيل رومانسية عن الحياة العائلية والزوجية للزعيم السياسى الكبير توحى بأن الكاتب يتمتع بصلة وثيقة بعائلة الصلح.
تكمن أهمية الكتاب فى استناده الى كم هائل من الوثائق التاريخية المأخوذة من الأرشيف البريطانى والفرنسى والعثمانى هذا بالاضافة إلى مئات من المراجع التى تسمى بالثانوية أى الكتب التى تغطى هذه الحقبة التاريخية بالفرنسية والانجليزية وكل ما توافر له من شهادات ومذكرات لشخصيات سياسية بالعربية.
أما عن الأوراق الخاصة لرياض الصلح فلا يوجد أى استناد لها مما يشير إلى أن سيل لم يحصل على أوراق ذات أهمية مما يزيد من كفاءته فى إنجاز كتاب كهذا السبب الآخر الذى يجعل من هذا الكتاب عملا استثنائيا هو قدرة سيل على استخدام المصادر الأوروبية دون تبنى رؤى القوى المستعمرة، بل تركيز جهده فى تقديم رؤية عربية، بل وعروبية، كما لو كان كتبها أحد القوميين العرب.
فهو لا يرحم لا بريطانيا ولا فرنسا فى وصفه لطموحاتهما ومؤامراتهما وأساليبهما الشرسة أحيانا ومقاومتهما لكل زعيم يتمتع بشعبية ما وقادر على تحريك مشاعر الجماهير. ويظهر سيل أيضا غباء وقصر نظر وتناقضات القوتين فى تعاملها مع الأوضاع على الأرض ومع الزعماء العرب الكبار حتى إن دبلوماسيين فرنسيين حاليين أبدوا انزعاجهم من عرض سيل صورة بهذه القسوة عن فرنسا.
لا شك أن سيل تأثر بموضوعه ولا يخفى إعجابه بشخصية بطل الكتاب ولكنه يفعل ذلك بذكاء ومهنية ولم يمتنع عن رواية القضايا المثيرة للجدل بالتفصيل، وأبرز الأسباب والاعتبارات التى قادت رياض الصلح إلى تبنى مواقف وسياسات معينة. يستعين باتريك سيل هنا بمهارته كمحلل سياسى ويضع القارئ أمام الوقائع المعقدة كما واجهها الصلح فيقول إن ليس هناك حياة سياسية لأى شخصية بهذه الأهمية دون ضلوعها فى قضايا حساسة تطلبت قرارات صعبة ومساومات وتعاونا مع جهات عديدة من مستعمر وعدو أو جار يهدد أو يبتز أو يتآمر.
ما نخرج به فى نهاية المطاف هو أن رياض الصلح كان رجل دولة يحترم القواعد الديمقراطية ويعى أهمية العلاقات السليمة بين الطوائف ولذلك يولى جهودا كبيرة للتواصل مع جميع الطوائف والأقليات وإقامة علاقات ودية معهم. وهو يتحلى ببعد نظر استثنائى وبرجماتية متميزة وقدرة على التعامل مع وقائع مريرة محاولا الحد من تأثيراتها السلبية. فمثلا، بينما كان رياض الصلح فى طليعة الحركة القومية العربية ينادى بالوحدة مع سوريا تحول موقفه من النضال من أجل المشروع القومى العربى إلى الدفاع عن بناء الكيان الوطنى اللبنانى.
يفسر سيل تغير الموقف هذا بقلق رياض الصلح من ردة فعل المسيحيين فى لبنان وتخوفاتهم وتوجههم نحو فرنسا لطلب حمايتها لأنه كان حريصا على طمأنة الطوائف المسيحية بشتى مذاهبها بأنها لن تغرق فى محيط إسلامى وذلك من أجل إقناعها بضرورة استقلال لبنان ودفع القوات الأجنبية إلى الجلاء عن أراضيه.
كان رياض الصلح قد اتهم بأنه كان وراء إعدام زعيم الحزب القومى السورى أنطون سعادة، وأن هو الذى أقنع العقيد السورى حسنى الزعيم صاحب الانقلاب الأول فى سوريا بعد الاستقلال بتسليم سعادة إلى الحكومة اللبنانية وترتيب محاكمة شكلية له ثم إعدامه على الفور.
لا ينفى سيل هذه الرواية ولكنه يعرض مجموعة من المبررات مثل قوله إن الأجواء العربية كانت فى ذلك الوقت تعم بإشاعات عن انقلابات والتحضير لثورات فى عدة دول لم يكن من المستغرب أن يقرر الرئيس بشارة الخورى ورئيس الوزراء رياض الصلح ان يتخلصوا بسرعة من أنطون سعادة الذى يصفه باتريك سيل بأنه كان شخصية سلطوية ذا ميول فاشية وقائد ميليشيا ومدبر المؤامرات. وفى عدة مقاطع من الكتاب، يروى سيل موقف رياض الصلح من المشروع الصهيونى فيصف مقابلته الزعماء الصهاينة ومفاوضتهم وإبداءه مرونة وانفتاح استثنائى حيث عبر عن استعداد العرب للسماح لليهود بالهجرة إلى فلسطين وحتى بإنشاء كيان وطنى يهودى فيها إذا كان ذلك سيجنب المنطقة حربا مأساوية وشريطة ألا يتضرر السكان العرب.
أثار هذا ردود فعل من خلال مقالات فى الصحافة اللبنانية بشكل خاص، وفى إحداها، شن الكاتب بدر الحاج هجوما عنيفا على باتريك سيل متهما إياه بالتزوير المبرمج للأحداث، وبالعمل على تطهير سمعة وتبييض صورة رياض الصلح من خلال كتابه «التاريخ كما يشتهيه أهل الفقيد» وهو عنوان هذا المقال الغاضب الذى نشرته يومية الأخبار البيروتية. حدة المراجعة النقدية للكتاب تكاد تثير الاستغراب لولا إدراكنا أن لبنان مازال يعيش تبعات هذه المرحلة التاريخية التى رسمت نظامه السياسى، بل كيان الدولة والمجتمع. وبأنه مازالت القوى السياسية فيه التى تأسست فى الثلاثينيات من القرن الماضى هى نفسها التى تستقطب الفصائل ضمن المجتمع اللبنانى وترسم تحالفات إقليمية تحرك بدورها الساحة الداخلية.
فبينما يمتدح باتريك سيل صفات رياض الصلح السياسية، ومنها تمسكه بالديمقراطية، يتهم الصحفى بدر الحاج رياض الصلح بأنه اخترع الطائفية عندما وضع النظام السياسى للبلاد مع الرئيس بشارة الخورى والمبنى على المحاصصة بين الطوائف. ويتهمه الحاج بأنه لم يكن يريد الوحدة مع سوريا بل عمل على منعها بشكل منهجى.
وفى الواقع، لا يوجد تبرير لهذه التهمة حيث لم يشكك يوما أى من زعماء الاستقلال السوريين فى انتماء وولاء الصلح للمشروع القومى العربى. فقد ظل على علاقة حميمة مع هؤلاء الزعماء ونسق معهم فى معظم مبادراته وقراراته واستمرت هذه العلاقات بين عائلة الصلح والعائلات التى ينتمى إليها كبار وجوه الاستقلال فى سوريا.
وكما تجرى العادة عند الكتابة لمهاجمة خصم سياسى فى العالم العربى، يتهم بدر الحاج كاتب المقال رياض الصلح بتورطه مع الصهيونية وتفريطه بأرض فلسطين بسبب «فهمه السطحى للحركة الصهيونية». سيل متهم هنا بالكذب وإخفاء الحقائق عمدا، إذ يستشهد كاتب المقال بكتابات أكاديميين غربيين لم يستخدمها أو تجاهلها سيل، والذين استندوا بدورهم إلى وثائق إسرائيلية من الأرشيف الرسمى لفضح واقعة أن رياض الصلح «كان مدفوعا ماليا من قبل ممولين صهاينة كبار وأنه كان فى مهمة اتصال سلمى مع قادة الحركة الصهيونية حين اغتيل فى عمان».
فى الواقع، لم يكن فى حوزة باتريك سيل الوسائل التى تسمح له بحسم بعض القضايا التى ستبقى محل تساؤل فى غياب أرشيف عربى رسمى أو توافر أوراق شخصية من جهات قادرة على أرشفتها وحفظها بأمانة ووضعها بمتناول الباحثين والمؤرخين العرب أو المتخصصين بتاريخ العالم العربى دون تدخل من جهات حكومية أو أمنية أو مالية نافذة.
فمعظم العائلات التى تستحوذ على أوراق شخصية، تتمسك بها بسبب غياب الثقة فى المؤسسات الرسمية المخولة بالأرشفة، ولكن أيضا بسبب خوفها من وجود «جثة فى الخزانة»، أى قضايا أثارت اتهامات من جهات مختلفة ربما تثبت الأوراق تورط هذه الشخصية فيها. من المرجح ألا تكون سيرة باتريك سيل هذه القول الفاصل عن رياض الصلح، وقد يكتب مؤرخون آخرون عنه وهذا محبذ. ولكن بسبب المخاوف التى وردت وفى غياب الوثائق العربية، نبقى كعرب غير قادرين على التخلص من الشكوك والاتهامات، وهذا يزيد من صعوبة عملية طى صفحات الماضى للمضى قدما فى مواجهة التحديات الحالية والمقبلة.
نبقى كعرب غير قادرين على التخلص من الشكوك والاتهامات، وهذا يزيد من صعوبة عملية طى صفحات الماضى للمضى قدما فى مواجهة التحديات الحالية والمقبلة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.