المبيدات أصبحت قضية قومية بعد الحديث عن علاقتها بأمراض خطيرة، والتحذير الأخير من أن مصر تواجه كارثة عام 2020 إذا واصلت سياستها فى استيراد أنواع بعينها من المبيدات. كانوا يهدرون بالأغانى الشبابية ويضحكون، وهم يحملون صناديق البرتقال إلى عربة النقل الكبيرة، لكن صاحب المزرعة كان يبدو حزينا. حكم خليل ليس سعيدا؛ لأن إنتاج المحصول انخفض عن العام الماضى، إضافة إلى التكلفة التى يتحملها خاصة فى المبيدات، فهو لم يكن يستعمل المبيد إلا مرتين فى العام، وهو مبيد صيفى، وآخر شتائى، وهو زيت ولا يعرف اسمه العلمى. ولكن للأسف منذ 10 سنوات والأمور تبدو أكثر تعقيدا، فهو كل عام يزيد فى استخدام المبيد بل ويزيد فى الجرعات. «المبيد أصبح مغشوشا ولا يؤثر على الذبابة التى تظهر على الثمرة إلا تأثيرا ضعيفا جدا». حكم أصبح يرش اليوم ثم يأكل من الثمرة بعد ثلاثة أيام فقط من الرش، فهو يعرف أنها بلا فاعلية. الحاج على سلامة فى النوبارية يزرع الأفدنة العشرة التى يملكها بالخضروات، خاصة الطماطم. يستخدم تركيبة مبيدات لتسريع نضوج الثمار، إضافة إلى مبيد «سوما ألفا» لمدة خمسة عشر يوما متتالية عقب الزراعة لمكافحة الذبابة البيضاء، وبعد ذلك رش للدودة أربع مرات حتى موعد الجنى، ثم تلك التركيبة لتسريع النضج. حتى شكل علبة المبيد تغير عن زمان، «لم تعد عليها ورقة الاستدلال إلى البيانات الخاصة بالمبيد مثل الكمية المستخدمة النسبة وطريقة الإعداد». «المادة الفعالة فى المبيد أصبحت ضعيفة وبلا تأثير» المرشد الزراعى بمحافظة الشرقية محمد عبدالرحمن يضرب على ذلك مثالا بمبيد الملاسيوم الذى يرش لدودة زهر البرتقال، والتى أصبحت تحتاج الرش كل خمسة عشر يوما. تجار المبيدات الزراعية يرون أن المبيدات التى تحظرها وزارة الزراعة هى المبيدات التى تدر دخلا ومكسبا لهم، تصل فى تقدير التاجر محمد الشحات إلى 300 ٪. تاجر آخر بالقليوبية، مهندس زراعى يرفض ذكر اسمه، يؤكد أن «تلك المبيدات لا تصنع فى بئر السلم فقط كما يتوقع الجميع ولكن هناك مصانع مرخصة تعمل تلك المبيدات، وإن لم تختمها أو توضع عليها علامة الشركة التجارية، حتى لا تعرض نفسها للمساءلة القانونية وبعضهم يسمونهم بحيتان المبيدات». يضرب الرجل عدة أمثلة لمصانع فى القاهرة والدلتا، مضيفا إلى ذلك «إغراق الأسواق بالمبيدات المحظورة والمنتهية الصلاحية بعد تغيير تاريخ الإنتاج عليها، من خلال شركة مبيدات بمنطقة حرة خاصة بدمياط الجديدة». حذر التقرير السنوى لمركز الأرض لحقوق الإنسان من أسلوب الاستخدام الحالى للمبيدات الزراعية، وأشار إلى أن مصر والدول النامية مهددة بكارثة بحلول عام 2020 وفقا لإحصائيات منظمة الصحة العالمية، وأن نسبة الإصابة بمرض السرطان فى مصر يمثل حوالى 150 حالة لكل 100 ألف نسمة سنويا أى بين 100 و110 آلاف حالة سنويا. وأكد التقرير أن عدد المصابين بأمراض خطيرة مثل فيروس سى والسرطان وصل إلى حوالى 6.5 مليون مواطن، وأنه ارتفع إلى 20 ضعفا عام 2005 مقارنة بعام 1992. د. حمدى السيد رئيس لجنة الصحة والبيئة بمجلس الشعب يطالب بضرورة «توحيد الجهود لضبط السوق، مع وضع قواعد صارمة، والتشديد على وضع البطاقة الاستدلالية التى تلصق على عبوات المبيدات، وبها كل البيانات عن المنتج وطريقة الاستعمال». عبدالرحمن شاهين المتحدث الرسمى لوزارة الصحة أكد أن « الرقابة على المبيدات الزراعية هى من اختصاصات وزارة الزراعة». هيثم كمال مدير الإعلام بوزارة البيئة قال: إن وزارته لا تتعامل مع أى منتج كيماوى، ولا علاقة لها بالمبيدات، «البيئة ملزمة فقط بتحديد الاشتراطات البيئية للمصانع مثل المخلفات الصناعية وأسلوب التشغيل». إدارة التفتيش بوزارة البيئة نفت أيضا علاقتها بمراقبة أسواق المبيدات، وقال المقدم ياسر خليل: إن «أكثر مصانع المبيدات غير المرخصة موجودة فى مدينة الصف بالجيزة»، وذلك بحكم موقعه السابق بشرطة المسطحات المائية. جميع الأصابع اتجهت نحو وزارة الزراعة باعتبارها المسئول الأول والأخير عن المبيدات الزراعية. ولهذا فهناك لجنة فى وزارة الزراعة منوط لها هذا الأمر، وهى لجنة المبيدات التى تشكلت عام 1983 وألغاها د. يوسف والى، ثم أعيدت بعد رحيله. «هناك تهريب للمبيدات لكن لا توجد أصناف ممنوعة» د. عبدالهادى قنديل عضو لجنة المبيدات بوزارة الزراعة، يقر بأن هناك عمليات تهريب، ويفجر مفاجأة بالحديث عن «عدم وجود أى حظر على أنواع معينة من المبيدات فى السوق المصرى، عدا الأصناف الممنوعة دوليا». وقال: «إن رفع الحظر عن هذه الأنواع سيعيد التوازن لسوق المبيدات، ولن يضطر البعض إلى غش الأنواع التى كانت ممنوعة، كما سيتم تفعيل دور المرشد الزراعى بل وتدريب بعض الكوادر المتخصصة لتركيب المبيد ورشه للفلاح بحيث يتم ضبط النسب لتقليل مخاطر المبيد».