انتهت الدورة البرلمانية الأخيرة لمجلس الشعب 20052010 والتى شهدت حضورا عدديا غير مسبوق لجماعة الإخوان المسلمين (88 نائبا أو ما يقرب من 20٪ من إجمالى مقاعد المجلس). وربما كان من المفيد اليوم محاولة تقييم حصاد العمل البرلمانى لجماعة الإخوان والتعرف على الأولويات الرئيسية التى وجهت نشاط ممثليها بالمجلس. والحقيقة أن حصاد عمل الإخوان البرلمانى يدلل أولا بوضوح على تطور قدرات الجماعة لجهة توظيف الأدوات الرقابية المتاحة لمساءلة حكومة الحزب الوطنى وأجهزتها التنفيذية فى مقابل محدودية تأثيرها على العملية التشريعية. بعبارة بديلة، تمكن نواب الإخوان بين 2005 و2010 من إزعاج الحكومة وإمطار وزرائها بالأسئلة والاستجوابات وطلبات المناقشة وتوظيف ذلك لعرض العديد من القضايا الاجتماعية والاقتصادية والسياسية على الرأى العام، إلا أنهم أخفقوا فى المساهمة الفعالة فى العملية التشريعية. فى مجلس الشعب 2005 و2010، استخدم نواب الإخوان الأدوات الرقابية بكثافة أكبر نسبيا من أى فريق برلمانى آخر، فقد زاد عدد الأسئلة والاستجوابات وطلبات المناقشة والإحاطة وغيرها المقدمة منهم على 20000. على الرغم من ذلك لم يتمكن الإخوان من منازعة هيمنة الحزب الوطنى، وبحكم احتفاظ الأخير بأغلبية مريحة داخل المجلس تجاوزت نسبة 75٪، على سن القوانين والتشريعات وإدخال العديد من التعديلات على الدستور. من جهة ثانية، وعلى الرغم من أن نواب الإخوان اهتموا بطائفة واسعة من الأمور بين 2005 و2010، فإن التشريعات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية كانت فى صلب برنامج عملهم وأنشطتهم البرلمانية، سواء من حيث الرقابة أو محاولة التأثير على العملية التشريعية. الشواغل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية مثل مكافحة الاحتكارات والفساد وضبط الخصخصة وإصلاح النظم الضريبية وكذلك التنديد بالتمديد المستمر لحالة الطوارئ وغياب الإصلاح السياسى الحقيقى وقمع المعارضين وإدخال تعديلات واسعة على الدستور المصرى اتسم معظمها بطابع سلطوى واضح، جميعها احتلت موقع الصدارة فى عمل الإخوان دون أن يرتب ذلك تأثيرا حقيقيا على حصاد العملية التشريعية. إلا أن إعطاء الأولوية لمثل هذه الأمور والقضايا جاء على حساب برنامج الجماعة الدينى والأخلاقى، والذى كان يحظى بدور تكوينى فى المشاركة البرلمانية للإخوان قبل العام 2005. والمؤكد أن البرنامج الدينى والأخلاقى لجماعة الإخوان قد اختزل بين 2005 و2010 إلى سلسلة من المواقف المحافظة فى مجال قضايا المرأة والأسرة وتشريعات الأحوال الشخصية. من جهة ثالثة، وعلى الرغم من محدودية الدور التشريعى للإخوان واقتصار فاعليتهم على توظيف الأدوات الرقابية، رتب الحضور الواسع للجماعة بمجلس الشعب تحمل قياداتها وكوادرها للقسط الأكبر من ممارسات الحكم القمعية خلال الأعوام الماضية. والحقيقة أن النتيجة الكبرى للقمع المستمر للإخوان وللقيود المفروضة على دورهم تمثلت فى الإغلاق التدريجى للمجال السياسى الرسمى أمامهم وتحويلهم إلى مجموعة معزولة ذات تأثير ضئيل على السياسة المصرية، على حضورهم البرلمانى غير المسبوق. فى ظل هذه الظروف، لم يكن مفاجئا أن الحراك الداخلى لجماعة الإخوان بين 2005 و2010 تشكل من خلال سلسلة من الحوارات حول القيمة الإستراتيجية للمشاركة السياسية وآليتها الرئيسية المتمثلة فى العمل البرلمانى. والثابت أن البيئة الراهنة لفعل الجماعة ودورها، بمحدودية الدور التشريعى والقمع المستمر، تدفع، فى اقل تقدير، على الحذر من والتشكيك فى السياسة وإعلاء قيمة العمل الاجتماعى والدعوة ذات الكلفة السلبية المحدودة. من جهة رابعة، ثمة بعض الجوانب الإيجابية لحضور الإخوان البرلمانى خلال الأعوام الخمسة الماضية. فقد تطورت بوضوح قدرتهم على التعمق فى قضايا السياسات العامة وصياغة مشاريع القوانين وتوظيف الأدوات الرقابية المتاحة لمساءلة الحكومة. وحفز العمل البرلمانى الجماعة على النظر فى إمكانات التنسيق مع القوى السياسية الأخرى وتشكيل التحالفات وتطوير البرامج السياسية التوافقية. كذلك وظف نواب الإخوان وجودهم بمجلس الشعب والاهتمام الإعلامى المتزايد به لتوسيع رقعة الجمهور المخاطب وانفتاحهم على قطاعات جديدة فى الفضاء العام بمصر. اليوم يجد الإخوان أنفسهم أكثر قدرة وبراعة فى التواصل العلنى لا مع مؤيديهم وأنصارهم وحسب، بل أيضا مع قوى اليمين واليسار ومع مواطنين شباب عازفين عن السياسة إلا فيما ندر، وكذلك مع دبلوماسيين وباحثين أجانب. إذا نجحت جماعة الإخوان من خلال حضورها البرلمانى بين 2005 و2010 فى اكتساب مهارات سياسية وتواصلية جديدة، إلا أنها على الأرجح لن تجنى ثمار هذا التطور فى الأعوام المقبلة إلا نادرا نظرا للاستمرار المتوقع لممارسات الحكم القمعية وتلاعبه بقواعد إدارة ونتائج العمليات الانتخابية.