موجة من الشكاوى ظهرت مؤخراً بين مبرمجي الكمبيوتر في مصر، مفادها أن الطريق مسدود أمامهم للتنافس مع البرمجيات الأجنبية، وذلك من وجهة نظرهم يرجع إلى ظلم وإهمال من جانب بعض الهيئات المصرية المختصة، والتي تتجاهل قدراتهم لصالح الاعتماد على الخبرات المستوردة، مما يقف كحائط عملاق أمام فرص تنمية مهاراتهم، ويعزلهم عن المنافسة في السوق المحلية على الأقل، فضلا عن المنافسة عالميا، فهل تلك الشكاوى لها ما يبررها، وهل توجد حلول لتحسين أوضاع المبرمجين في مصر لصالح تلك الصناعة الهامة والمربحة؟ بداية مضيئة وحاضر مظلم وعن أسباب هذا الإهمال يقول المهندس محمد الشيال (مبرمج نظم معلومات جغرافية) "منذ الثمانينيات كانت البرامج تصنع بأفكار وعقول مصرية خالصة، ولم تكن هناك أية استعانة بالنظم الأجنبية على الإطلاق، ولكن مع إصرار الحكومة المصرية على استخدام برامج طورتها شركات أجنبية حدث تجاهل تام للمبرمج المصري." واعتبر الشيال هذا تخليا عن حلم صناعة البرمجيات المصري، فهو يرى أنه لا يوجد أي اهتمام بتنمية مهارات المبرمج المصري كمبتكر وليس كمطور فقط، وأضاف مؤكدا "أن الحكومة تعتمد في خطتها بهذا الشأن على مبدأ عدم المخاطرة أو التعرض للمشكلات التي قد تسببها قلة خبرة المبرمج المصري، فيتم تفضيل البرمجيات الأجنبية لتفادي ذلك، إلي جانب أنه لا يمكن إغفال عنصر المصالح!" وبرأيه أنها ليست أزمة ثقة بالمبرمج المصري بقدر كونها أزمة عمولات ومكاسب. غياب الرؤية المستقبلية والتخطيط أما المهندس حاتم زهران (مدير شركة ايكوايجيبت، وعضو مجلس إدارة غرفة صناعة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات باتحاد الصناعات المصرية) فيرى أن المشكلة تكمن في عدم وجود شركات مصرية متخصصة في البرمجيات يمكن الاعتماد عليها، وذلك لعدم وجود خطة أو رؤية مستقبلية واضحة يؤخذ بها في الوقت الحالي لعدم وجود اهتمام كاف بصناعة البرمجيات في مصر، فلزم الاعتماد على شركات أجنبية ذات رؤية واضحة في هذا المجال. ويرى المهندس طلعت عمر (نائب رئيس الجمعية العلمية لمهندسي الاتصالات) أنه "عندما وافقت الحكومة المصرية على عمل تعاقدات لاستيراد برامج جاهزة من الخارج، ساعدت بشكل غير مباشر في تقليص مساحة المبرمج المصري، كما أن اللجوء إلى البرمجيات الجاهزة قد أدى إلى خلق جيل من المستهلكين وليس المبدعين، ولمواجهة الأمر فلابد من التوجه الى تخطيط استراتيجي قومي وعدم الاعتماد على الاجتهادات الفردية، مما يتطلب سرعة تدخل الحكومة لأخذ قرار بهذا الشأن." لا نستورد برامج من الخارج ! "لا يجوز التعميم في كلمة البرمجيات، فهناك برمجيات تشغيل وبرمجيات تطبيقات" هكذا علق ناصر فؤاد (عضو مجلس كلية الحاسبات والمعلومات جامعة القاهرة ونائب رئيس المنظمة العربية للاتصالات التابعة لهيئة الأممالمتحدة) بشأن هذا الموضوع، موضحا "أن جميع البرامج الخاصة بتأمين المعلومات مصرية بأيدي مبرمجين مصريين مئة بالمئة، ونحن لا يوجد لدينا مبرمج أجنبي واحد، ولا نستورد برامج من الخارج" متابعا "قد تكون الوسائل والأدوات أجنبية نظرا لوجود كم ضخم من الاستثمارات في ذلك القطاع، ثم نعطي الفرصة للمبرمج المصري للعمل على تطويرها" مشيرا إلى اعتماد القطاع الخاص بشكل كبير على البرمجيات الأجنبية وأيضا البنوك، حيث أوضح أنها ليست أزمة ثقة من قبل الحكومة على الإطلاق، فالحكومة المصرية تدعم شركات البرمجة بشكل كبير، مدللا على ذلك بالقرار الذي اتخذه السيد الدكتور أحمد نظيف وزير الاتصالات الأسبق و رئيس مجلس الوزراء الحالي عندما ألغى الضريبة التي قدرت ب10% على جميع البرمجيات المصرية، قاصدا بذلك المساعدة لتنمية قدرات المبرمج المصري. تدمير للصناعة المحلية وعن الاتجاه المطالب بتخفيض الضرائب التي تفرض على البرمجيات المستوردة يقول طلعت عمر أنه "من الواجب على الحكومات أن توجد طرقا لحماية المنتجات المحلية، ومن يطالب بعكس ذلك إما أن يكون صاحب مصلحة، أو جهة غير مسئولة تتصرف دون وعي أو إدراك." في حين يرى الشيال أنه "إذا تم رفع الضرائب عن تلك البرامج فهذا سيمثل مصيبة بالفعل، فلا شك أنها خدمة لمبرمجي التطبيقات الأجانب، وستمثل في الوقت نفسه كارثة للمبرمجين بمصر وعائق لقدرتهم على الابتكار، كما أن أية شراكة مع تلك الدول مصنعة البرامج الأجنبية لا يعتبر سوى نوع من أنواع التسويق لمنتجاتهم بمصر، نظرا لعدم مشاركتنا بأي منتج من تلك المنتجات." جهة إيداع فقط وبشأن الأزمات الأخرى التي يواجهها قطاع المبرمجين بمصر أوضح الشيال أن مكتب حماية حقوق الملكية الفكرية المختص بتسجيل نظم البرمجيات أصبح جهة إيداع فقط، ولا يختص بحماية المنتج أو رعايته، ذلك للصعوبة البالغة التي يواجهها المبرمج للتسجيل أو الحصول على رخصة برنامجه الخاص، بالإضافة إلى أن المبرمج أصبح غير قادر على أخذ حقوقه أو الحفاظ عليها ضد أية اعتداءات تخص الملكية الفكرية للبرامج، واصفا المكتب بأنه (لا دور له) ويضيف الشيال أنه في يوم 23 أغسطس لعام 2005 تم تسجيل برنامج "Smart GIS" بمكتب حماية حقوق الملكية الفكرية، وفي عام 2006 تم تكريم البرنامج بمسابقة المحتوى الإليكتروني وإعطائه شهادة تقديرية، في الوقت الذي رفضت فيه الجهات الحكومية أن تستعين به في أية مشروعات حكومية، فاصطدم بالقرار الحكومي الذي ينص على وجود عقد موقع من قبل وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات مع إحدى الشركات الأمريكية باستخدام برنامجها "أوراكل" لقواعد البيانات بكافة المشروعات المصرية، وعدم السماح باستخدام أي برنامج آخر. لجنة للدعم في الوقت الذي أشاد فيه المهندس سيد إسماعيل (نائب رئيس غرفة صناعة تكنولوجيا المعلومات) بمستوى التطبيقات المصرية، وأكد على إمكانية منافستها للتطبيقات العالمية، مضيفا أن هناك لجنة تتكون من مستشارين وخبراء متخصصين يتم تكلفيهم باختيار من شركتين إلى ثلاث شركات ممن يعملون بقطاع تكنولوجيا المعلومات ليتم دعمهم بالشكل الكافي، وبشرط أن تكون الشركات مصرية والعاملين بها مصريين. وأوضح انه إلى الآن تقدم حوالي 153 منتجا مصريا لشركات مصرية، تم اختيار 44 منهم ليتم دعمهم، وهناك 12 منتجا تم دعمهم بالفعل وتساوى مستواها الآن مع المستوى العالمي، وال32 المتبقيين جاري الآن النظر بهم وإجراء عمليات التقييم لاختيار الأكفأ. غياب قواعد البيانات المصرية "لا يوجد لدينا قواعد بيانات أو نظم تشغيل ك "مايكروسوفت" أو "آي بي إم" لذا سنظل نعتمد عليهم بشكل أساسي لفترة طويلة." هكذا علق إسماعيل على اتفاقية أوراكل، معللا سبب الاعتماد علي البرنامج بشكل أساسي. وذكر خلال حديثه أنه حسب القانون الخاص بالمناقصات المصرية، يجب تفضيل المنتج المصري على المنتج الأجنبي حتى إذا كان يفوقه في السعر بنسبة لا تتعدى ال15 %، طالما وأنه يفي بمتطلبات المشروع. "حلم البرمجيات خرج ولم يعد" هكذا علق الدكتور رأفت رضوان- الأمين العام للاتحاد العربي للمعلومات – على صناعة البرمجيات بمصر موضحا "أننا لم نقم بأي توجه محدد بتلك الصناعة حتى الآن، فكان لابد من التركيز على مستوى بعينه وبدء العمل به كما فعلت إسرائيل والهند، فالهند تخصصت في تطبيقات السوفت وير وبلغ حجم صادراتها منه 55 مليار دولار في الوقت الذي لم تتجاوز فيه صادرات مصر بأكملها (زراعة وصناعة وبترول) ال 22مليار دولار فقط، وأيضا إسرائيل قد تخصصت في الfirm ware والآن لا يخلو أي جهاز من الfirm ware ، فالأمر يحتاج إلى إعادة صياغة مرة أخرى، وفي الوقت نفسه أرى أن الفرص في مجال البرمجيات أصبحت ضيقة للغاية، ويوجد تطبيقات أخرى من الممكن أن ندخل بها كتطبيقات المحمول على سبيل المثال". تنمية كل عناصر الصناعة وأشار رضوان أن المبرمجين جزء من صناعة البرمجيات وليسوا كل الصناعة، فهناك أكثر من 16 تخصص لإقامة تلك الصناعة كالإدارة والتخطيط ولابد من تشجيع الصناعة بأكملها، وأضاف "أن تخصص المبرمج أصبح في تراجع بالعالم كله وليس بمصر فقط نظرا لانتشار العمل بطريقة آلية، فبالوقت الحالي يجب الاعتماد على التدريب"، وأكد أن تلك الصناعات الكبرى تحتاج إلى تسويق ضخم وإذا بدأنا في تصنيعها يجب أن ننافس العالمية. وأشار أن بمصر يجب العمل على الصناعات العليا أولا قائلا "أن من غير المنطقي أن لا تكون جميع التطبيقات مصرية وان يتم استبدالها بأجنبية. فهناك أزمة ثقة تعتمد على حجم الصناعة بمعنى أن المنتج المصري لا يقدم ضمانات بالشكل الكافي كالمنتج الأجنبي، ويتم الاستعانة بمنتجات أجنبية لضمان عدم المخاطرة". وذكر خلال حديثه إن هناك مركز الاعتماد بالقرية الذكية مسئول عن اعتماد شركات إنتاج تلك التطبيقات من حيث نظم جودة الشركة المنتجة والمنتج نفسه. فدعم الدولة يجب أن يتمثل في استثارة الطلب لدى المؤسسات أو الهيئات المصرية لجذبها على استخدام التطبيق المصري ذلك بتقديم الدعم المادي والمعنوي أيضا لتكون كفيلة هي بحل أي مشكلات قد يتم التعرض لها من خلال التطبيق. ورأى رضوان انه يوجد دعم حقيقي لجميع فئات شركات البرمجيات كنظم الحضانات وغيرها من المبادرات. وأكد انه يجب تغيير مفهوم فكرة الدعم لدي البعض من المبرمجين، فالدعم يجب أن يكون موجها فيجب أن تحدد الحكومة أولويات الدعم وليست الشركات نفسها.