45 دقيقة تأخير بين قليوب والزقازيق والمنصورة.. الثلاثاء 8 أكتوبر 2024    حزب الله يطلق 190 قذيفة باتجاه إسرائيل    يائير لبيد يطالب بضرب منشآت النفط الإيرانية رغم معارضة واشنطن    ترامب: لو كنت رئيسا ما وقعت حرب أوكرانيا وروسيا    إيمان العاصي: استعنت بمدرب أداء لتقديم"برغم القانون"    ارتفاع حاد في أسعار النفط بعد تصاعد التوترات في الشرق الأوسط    أسعار اللحوم والدواجن اليوم الثلاثاء 8 أكتوبر بسوق العبور للجملة    قيس سعيد بعد فوزه بفترة رئاسية ثانية: سأبني تونس وأطهرها من الفاسدين    أمير توفيق يكشف سبب فشل صفقة انتقال محمد بن رمضان للأهلي    رد ناري من أمير توفيق على دونجا بشأن تفاوض الأهلي معه    مصرع وإصابة 22 شخصًا في حادث مروع بطريق بلبيس - العبور    6 سيارات إطفاء لسيطرة على حريق محطة صرف صحي ب أبو رواش    رياح وشبورة.. الأرصاد تكشف الظواهر الجوية المتوقعة اليوم الثلاثاء    خطة النواب: مصر مطالبة بدفع 1.3 مليار دولار لصندوق النقد الدولي لهذا السبب    مفتي الجمهورية الأسبق يكشف عن فضل الصلاة على النبي    هل يوجد إثم فى تبادل الذهب بالذهب؟ أمين الفتوى يجيب    سعر سبيكة الذهب 10 جرام btc اليوم الثلاثاء 8-10-2024 في مصر    عمرو خليل: فلسطين ستظل في قلب وعقل مصر بعد عام من العدوان على غزة والضفة    ملف يلا كورة.. مجموعات الأبطال والكونفدرالية.. تصريحات أمير توفيق.. وقرعة الدوري المصري    أمن مطار القاهرة يحبط محاولة تهريب كمية من النقد الأجنبي بحوزة مسافرة عربية    "قماشة تخرج من صبة أسمنتية"|أخ يقتل شقيقه الأكبر ويدفنه في منزله بأسيوط    «أخذت أكبر من حجمها».. تعليق صادم من عصام الحضري بشأن أزمة قندوسي    منير مكرم يكشف آخر التطورات الصحية لنشوى مصطفى: عملت دعامات وخرجت من المستشفى    معلومات عن إلهام عبد البديع بعد طلاقها.. انفصلت في نفس شهر زواجها    إيمان العاصي تكشف ل«صاحبة السعادة» عن أصعب مشاهد «برغم القانون»    محمد أبو الوفا رئيسا لبعثة منتخب مصر في موريتانيا    رياضة ½ الليل| 76 ركلة جزاء بين سموحة والزمالك.. الأبرز    لماذا كان يصوم الرسول يوم الاثنين والخميس؟.. «الإفتاء» تجيب    بلاغة القرآن| تعرف على تفسير سورة الناس    «أحمد» يحول بدلة تحفيز العضلات إلى علاج لزيادة قدرة التحمل: تغني عن المنشطات    خمسة لطفلك| تعرف على أهمية الوجبات المدرسية للأطفال    صحة المنوفية تنظم دورات تدريبية للأطقم الطبية    غزه الفاضحة .. قناة فرنسية: الإمارات تشارك "اسرائيل" بعمليات عسكرية في غزة (فيديو)    رئيس مجلس أمناء حياة كريمة: تجار أعلنوا رغبتهم المشاركة فى حملة توفير اللحوم بأسعار مخفضة    حسام حسن يحدد موعد انضمام صلاح ومرموش لمنتخب مصر    ننشر نص التحقيقات مع صاحب الاستديو في واقعة سحر مؤمن زكريا| خاص    4 جثث و 6 مصابين إثر حادث تصادم في بني سويف    بالصور.. محافظ المنيا يشهد حفل الجامعة بالذكرى ال51 لانتصارات أكتوبر المجيدة    «إسقاط عضوية إسرائيل».. ننشر بيان مؤتمر التحالف التقدمي العالمي    حدث منتصف الليل| تفاصيل عودة خط قطارات السكة الحديد لسيناء.. والمهن الطبية تعلن زيادة مساهمات الأمرا    المدير الفني لنادي بلاك بولز: الزمالك أحد أكبر فرق إفريقيا ومواجهته صعبة.. والمصري البورسعيدي مميز    من أين لك هذا، كيف تفوقت تايلور سويفت على ريهانا وأصبحت أغنى موسيقية في العالم    «خانتني بعد ما وعدتني بالزواج».. محاكمة المتهم بقتل سائحة سويسرية بالفيوم اليوم    القس منذر إسحق: نريد الحياة للجميع ولا سلام دون عدل    أبناء الجالية المصرية بالسعودية يحتفلون بذكرى نصر أكتوبر المجيد    رسميا بعد الارتفاع.. سعر الدولار مقابل الجنيه اليوم الثلاثاء 8 أكتوبر 2024 (تحديث الآن)    مصرع 5 أشخاص وإصابة 5 آخرين إثر انهيار منجم في زامبيا    حزب الله يقصف تجمعًا لقوات الاحتلال وصفارات الإنذار تدوى فى الجليل الغربى    «فرعون شديد».. عمرو أديب عن تألق عمر مروموش    عمرو خليل: فلسطين هي قضية العرب الأولى منذ عام 1948.. فيديو    شاهد جمال الممشى السياحي بكورنيش بنى سويف ليلاً    تنسيقية شباب الأحزاب: الرعاية الصحية ركيزة قادرة على دعم الحياة الكريمة    بالزي الفرعوني.. استقبال مميز للطلبة في كلية الآثار بجامعة دمياط    «النواب» يوافق على زيادة حصة مصر في صندوق النقد الدولي    «الرعاية الصحية» تعلن نجاح جراحتين لزراعة القوقعة في مجمع الإسماعيلية الطبي    جامعة عين شمس تنظم احتفالية كبيرة بمناسبة الذكرى 51 لانتصارات أكتوبر    رابط الاستعلام عن نتيجة مسابقة شغل وظائف معلم مساعد 2024    مرشح "الأوقاف" في مسابقة ماليزيا للقرآن الكريم يُبهر المشاركين والمحكمين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأساطيل وحروب الرأى العام
نشر في الشروق الجديد يوم 05 - 06 - 2010

اعترضت القوات البحرية الإسرائيلية يوم الأحد سفنا خاصة بمنظمة غير حكومية تركية تقل إمدادات إنسانية إلى غزة. وطلبت إسرائيل من السفن عدم التوجه مباشرة إلى غزة والرسو بدلا من ذلك فى الموانئ الإسرائيلية، حيث سوف تفرغ الإمدادات ويتم توصيلها إلى غزة. ورفضت المنظمة غير الحكومية التركية، حيث أصرت على الاتجاه مباشرة إلى غزة. وترتب على ذلك إطلاق للنار عندما صعد أفراد القوات البحرية متن إحدى السفن، وقُتل أو جرح عدد كبير من ركاب السفينة وطاقمها.
واتهم دانى أيالون نائب وزير الخارجية الإسرائيلى الحملة بأنها محاولة لاستفزاز الإسرائيليين فقط. وقد تمثلت القضية فى ذلك تحديدا. إذ قصد من الحملة إظهار أن الإسرائيليين غير عقلانيين ومتوحشين. وتعلق الأمل على أن إسرائيل سوف تُجَر إلى تصرفات متطرفة، تزيد من عزلة إسرائيل عن المجتمع العالمى، وربما تؤدى إلى وقيعة بين إسرائيل والولايات المتحدة. وكان مخططو العملية يأملون أيضا فى أن يثير ذلك أزمة سياسية فى إسرائيل.
كان ينبغى أن يتمثل رد الفعل المنطقى لإسرائيل فى تجنب الوقوع فى فخ التحدى وتحمُل التداعيات السياسية التى تحاول المنظمة غير الحكومية إثارتها. وبدلا من ذلك، قرر الإسرائيليون القيام باستعراض للقوة. ويبدو أن الإسرائيليين عللوا ذلك بأن التراجع سوف يظهر الضعف ويشجع مزيدا من الأساطيل المتجهة إلى غزة، كاشفا الوضع الإسرائيلى أمام حماس. وبناء على هذا التفكير، كان الاعتراض العنيف أفضل استراتيجية يمكن تبنيها بصرف النظر عن النتائج السياسية. وهكذا، التقط الإسرائيليون الطعم وتم استفزازهم.

سيناريو «الخروج»
فى الخمسينيات، نشر مؤلف اسمه ليون أوريس كتابا بعنوان «الخروج.» ويحكى «الخروج»، الذى تحول فيما بعد إلى فيلم، قصة التحدى الصهيونى ضد بريطانيا. ففى أعقاب الحرب العالمية الثانية، حدت بريطانيا التى كانت تسيطر على فلسطين، كما كانت تعرف حينها من الهجرة اليهودية إلى هناك. وعندما كان يقبض على مهاجرين يحاولون التسلل خلال القيود الموضوعة، كان يتم احتجازهم بمعسكرات فى قبرص.
وفى الكتاب والفيلم، قصد الصهاينة إلى ممارسة دعاية تتضمن أن يندفع اليهود ومعظمهم أطفال من المعسكر، ثم يركبون حينها سفينة أعيد تسميتها ب«الخروج». وإذا اعترضت البحرية الملكية السفينة، سوف يعلن الركاب إضرابا عن الطعام. وكان الهدف تصوير البريطانيين على أنهم متوحشون يتمُّون ما قام به النازى. وسوف تجبر بريطانيا من خلال صورة أطفال يحتمل موتهم جوعا على السماح للسفينة بالذهاب إلى فلسطين وإعادة النظر فى سياسة بريطانيا حول الهجرة، وفى نهاية المطاف اتخاذ قرار التخلى عن فلسطين وتحويل الأمر إلى الأمم المتحدة.
وقد وجدت فى الحقيقة سفينة تسمى «الخروج»، ولكن الأمر لم يمض تحديدا كما صوره أوريس، الذى استخدم مزيجا من الأحداث لنشر حرب الدعاية التى يشنها اليهود. وكان لدى الذين نفذوا هذه الحرب سببان: تمثل الأول فى خلق تعاطف داخل بريطانيا وأنحاء العالم المختلفة مع اليهود الذين يقبض عليهم فى المعسكرات البريطانية، بعد عامين فقط من معسكرات الاعتقال الألمانية. ثانيا: سعوا إلى تصوير كفاحهم على أنه ضد البريطانيين؛ إذ صور الفيلم البريطانيين على أنهم يواصلون سياسة النازى تجاه اليهود من أجل الحفاظ على إمبراطوريتهم. كما صور اليهود على أنهم مناهضون للإمبريالية، يحاربون البريطانيين كما يفعل الأمريكيون.
وعلى هذا النحو، تمكنت قدرة الصهاينة على تشكيل التصورات العامة العالمية لما كان يحدث فى فلسطين من أجل التشهير ببريطانيا وتحويل مشكلة فلسطين إلى قضية بين اليهود وبريطانيا من صياغة القرارات السياسية لعدد كبير من الحكومات. وليس المهم هو مدى صدق أو زيف الخطاب. بل المهم هو القدرة على تحديد الضحية والجلاد، وقد دفع ذلك الرأى العام العالمى كلا من لندن والحكومات التى لا ترتبط مباشرة بالقضية إلى تبنى مواقف مواتية للصهاينة. ومن الضرورى أن ننظر إلى الاسطول التركى فى هذا السياق.

الأسطول التركى إلى غزة
طالما قال الفلسطينيون إنهم ضحايا إسرائيل، صنيعة الإمبريالية البريطانية والأمريكية. ومنذ عام 1967، لم يركزوا على وجود دولة إسرائيل (على الأقل فى الرسائل الموجهة إلى الغرب) قدر تركيزهم على قمع الفلسطينيين فى المناطق المحتلة. ومنذ الانفصال بين حماس وفتح وحرب غزة، صار التركيز على محنة مواطنى غزة، الذين تم تصويرهم على أنهم ضحايا لا حول لهم للعنف الإسرائيلى.
كانت محاولة صياغة التصورات العالمية من خلال تصوير الفلسطينيين على أنهم ضحايا لإسرائيل الشق الأول من حملة طويلة المدى مكونة من شقين. وارتبط الشق الثانى لهذه الحملة بالمقاومة المسلحة ضد الإسرائيليين. غير أن الأسلوب الذى كانت تتم به هذه المقاومة، بدءا من خاطفى الطائرات، إلى الأطفال الذين يلقون الحجارة، إلى الانتحاريين، تعارض مع الشق الأول للحملة. واستطاع الإسرائيليون الإشارة إلى العمليات الانتحارية أو استخدام الأطفال ضد الجنود باعتباره رمزا لوحشية الفلسطينيين.
كان الأسطول التركى يهدف إلى تكرار قصة الخروج، أو بمزيد من الدقة، إلى تحديد صورة إسرائيل على النحو نفسه الذى حدد به الصهاينة الصورة التى أرادوا إبرازها. ومثلما كان الأمر بالنسبة لتصوير الصهاينة للوضع فى 1947، فإن وضع غزة أكثر تعقيدا بكثير مما صوره الفلسطينيون. كما أن المشكلة الأخلاقية أكثر غموضا بكثير أيضا. ولكن على نحو ما حدث عام 1947، حيث لم يكن التصوير الصهيونى مقصودا به أن يكون تحليلا دراسيا حول الوضع، ولكنه سلاح سياسى يقصد به تحديد التصورات، فلم يكن الأسطول التركى مقصودا به أن يحمل امتحانا أخلاقيا.
وبدلا من ذلك، كان القصد من الأسطول الوصول إلى نهايتين: الأولى، من أجل انقسام إسرائيل والحكومات الغربية عبر تحويل الرأى العام ضد إسرائيل. والثانى، خلق أزمة سياسية داخل إسرائيل بين الذين يشعرون بخطورة عزلة إسرائيل المتزايدة بشأن قضية غزة فى مقابل الذين يعتقدون فى خطورة أى ضعف أو تحلل.

التداعيات الجيوبوليتيكية بالنسبة لإسرائيل
إنه لأمر مهم أن تنجح إسرائيل فى تصوير القافلة على أنها مؤامرة من جانب المتطرفين. وسواء أكانت هذه المؤامرة من تدبير المتطرفين أم لا، فقد صنعت صورة لإسرائيل تضر بمصلحتها السياسية، حيث أصبح هذا البلد أكثر عزلة على الصعيد الدولى، كما باتت علاقاته مع أوروبا والولايات المتحدة تقع تحت ضغوط كبيرة.
لدى السياسيين فى كل هذه البلدان حساسية شديدة إزاء الرأى العام. ومن الصعب أن نتخيل كيف يمكن للرأى العام الأوروبى أن يرى إسرائيل باعتبارها ضحية. ومن المرجح أن يكون رد الفعل السائد من جانب الرأى العام الغربى هو أنه ربما كان على الإسرائيليين السماح للسفن بالذهاب إلى غزة وإفراغ حمولتها، بدلا من إراقة الدماء. وسوف يؤجج أعداء إسرائيل هذه النيران عبر القول بأن إسرائيل تفضل إراقة الدماء بدلا من التصرف العقلانى. وفى ظل تحول الرأى العام الغربى نحو العداء لإسرائيل، سوف يسير القادة السياسيون الغربيون فى اتجاه هذا التحول.
يقوض هذا الحادث كذلك علاقات إسرائيل بتركيا التى مثلت حليفا تاريخيّا من العالم الإسلامى ينخرط فى تعاون عسكرى معها منذ زمن طويل. ولا شك أن الحكومة التركية كانت تريد النأى عن هذه العلاقة، لكنها واجهت مقاومة من المؤسسة العسكرية والعلمانيين. لكن الإجراء الإسرائيلى الأخير يجعل القطيعة مع إسرائيل سهلة، وبل وضرورية إلى حد كبير بالنسبة لأنقرة.
وحيث إن عدد سكان إسرائيل يساوى تقريبا عدد سكان مدينة هيوستن فى تكساس، فإنها ليست دولة كبيرة إلى الحد الذى يجعلها قادرة على تحمل عزلة طويلة الأجل، وهو ما يشير إلى أن هذا الحدث سوف يؤدى إلى تبعات جيوبوليتيكية عميقة.
يصبح الرأى العام مهما عندما يتعلق الأمر بقضايا لا تمثل مصلحة أساسية بالنسبة للدولة. ولا تمثل إسرائيل مصلحة أساسية بالنسبة للدول الأخرى. ومن ثم، فإن وجود رأى عام خارجى كاره لهذا البلد يمكن أن يعيد تشكيل علاقاته مع الدول التى يعتبرها مهمة. فعلى سبيل المثال، سوف يكون تأثير إعادة تعريف العلاقات الأمريكية الإسرائيلية على أمريكا أقل بكثير منه على إسرائيل. وربما تجد إدارة أوباما المستاءة من إسرائيل من الأساس أن التحول فى توجهات الرأى العام الأمريكى يفتح الباب أمام نمط جديد من العلاقات الأمريكية الإسرائيلية، أقل نفعا لإسرائيل.
وسوف يقول الإسرائيليون إن ذلك ليس عدلا، لأنهم تعرضوا للاستفزاز. فكشأن البريطانيين، يرى الإسرائيليون أن الأمر المهم هو امتلاك المنطق الصحيح. لكن المسألة فى الواقع تتعلق بمن الذى سوف يصغى إلى المنطق الذى يطرحه. وكما هو الحال مع معارك الدبابات أو الضربات الجوية، ليس الأمر المهم هو العدالة، بل من الذى يسيطر على تصورات الرأى العام، ويستخدم هذه التصورات فى تشكيل سياسته الخارجية مع العالم. وفى الحالة الراهنة، سوف تكون القضية الأساسية هى هل كان من الضرورى وقوع قتلى. وسوف تُحدِث المقولة الإسرائيلية حول تعرضها للاستفزاز أثرا محدودا.
على الصعيد الدولى، ليس هناك من شك فى أن الحادث سوف يولد عاصفة. وسوف تقطع تركيا بالتأكيد أواصر التعاون مع إسرائيل. كما سيصبح الرأى العام فى أوروبا أكثر تصلبا فى موقفه ضد هذا البلد. أما الرأى العام الأمريكى وهو الأكثر أهمية فى هذه المعادلة فقد يتحول إلى اتخاذ موقف يقوم على الاستياء من كلا الطرفين.
وبالرغم من أنه يمكن التنبؤ برد الفعل الدولى، فإن الأمر المثير للاهتمام هو ما إذا كان هذا التطور سيمثل أزمة سياسية فى إسرائيل أم لا. لقد أصبحت الغلبة فى إسرائيل الآن لمن يرون أن العزلة الدولية أفضل من التوافق مع الفلسطينيين، بينما يرى كثيرون فى المعارضة الإسرائيلية فى عزلة إسرائيل تهديدا إستراتيجيا، ويقولون إنه من الناحية الاقتصادية والعسكرية لا يمكن لها أن تحيا فى ظل العزلة. وسوف يرد النظام الحاكم الحالى بأنه لن تكون هناك عزلة. لكن قافلة المساعدات استهدفت إثبات ما تريد أن تنفيه الحكومة الإسرائيلية.
وكلما زادت تشدد إسرائيل كانت السيطرة للخطاب الذى تطرحه القافلة أكبر. وكما تَعَلَم الصهاينة فى 1947، وكما يتعلم الفلسطينيون الآن، تتطلب السيطرة على الرأى العام ذكاء وخطابا يتم انتقاؤه بعناية. ويعلم الإسرائيليون والفلسطينيون أن خسارة المعركة يمكن أن تمثل كارثة. فقد كلفت هذه الخسارة بريطانيا انتدابها على فلسطين، وسمحت لإسرائيل بالحياة. ويقوم أعداء إسرائيل الآن بقلب الأوضاع لمصلحتهم.
وتُعتَبر المناورة الأخيرة أكثر قدرة من العمليات الانتحارية أو الانتفاضة على تحدى التصور السائد لدى الرأى العام إزاء إسرائيل، ومن ثم تحدى وضعها الجيوبوليتيكى (لكن إذا عاد الفلسطينيون إلى تكتيكاتهم الكريهة على غرار العمليات الانتحارية، فسوف تضعف قدرة تركيا على تصوير إسرائيل باعتبارها الطرف البادئ بالعنف).
والآن تجد إسرائيل نفسها فى وضع غريب عليها، لا تعرف كيف يجب أن تتصرف فيه. وليس من الواضح أن الفلسطينيين يدركون كيفية الاستفادة المثلى من هذا الموقف. لكن حتى إذا كان الأمر كذلك، فقد أصبحت المعركة تقع على أرض جديدة، أكثر سيولة وقدرة السيطرة عليها أقل، مقارنة بما كان عليه الحال فى الماضى. وسوف يُنظَر إلى التهديدات الإسرائيلية ضد إيران فى سياق مختلف، وسوف يصبح العالم أقل اقتناعا بالطريقة التى تصور بها إسرائيل إيران.
وسوف يسبب ذلك أزمة سياسية بالنسبة لإسرائيل. وإذا استطاعت الحكومة الحالية البقاء فى الحكم، فسوف تصبح إسرائيل رهينة مسار يمنحها حرية الفعل، لكن فى ظل عزلة دولية. وإذا سقطت هذه الحكومة، فسوف تدخل إسرائيل حالة من عدم اليقين على الصعيد الداخلى. وفى كلتا الحالتين، فقد حققت قافلة المساعدات هدفها الإستراتيجى، عندما جعلت إسرائيل تتبع نهجا عنيفا تجاهها. وعندما اتبعت إسرائيل هذا النهج وجدت نفسها فى مواجهة قوتها الذاتية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.