كيف تطعم شعبك عندما يفوق عدد السكان عدد الأراضي الصالحة للزراعة؟ سؤال صعب بالتأكيد ، لكن في نظر البعض الإجابة سهلة , إذ يكفي ، ومن وجهة نظرهم ، الذهاب إلى الأماكن التي تتوافر فيها أراض إضافية صالحة للزراعة في أي دولة في العالم من أجل شرائها .. هكذا بكل بساطة! إذا بدا لك أن هذا الحل غير واقعي الحدوث بالنسبة للدول ، فسيدهشك أكثر أن تعرف أن عددا من الدول قام بذلك بالفعل ، دول مثل الصين وكوريا الجنوبية ودول في الخليج العربي ، وهي لا تشتري محصول الأراضي كما قد يتبادر إلى الذهن ، بل إنها تشتري الأراضي بأكملها. يحكي لنا دوان بوييه محرر مجلة "لو نوڤيل أوبزرڤاتور" الفرنسية عن الفصول الأولى لما قد يصبح الصراع الأكبر في القرن الواحد والعشرين وهو الصراع من أجل الغذاء. فالبلاد الغنية أو البلاد ذات الإقتصاديات الناشئة مثل الصين وكوريا الجنوبية ودول الخليج استبد بها القلق على أمنها الغذائي , فبلد مثل الصين تعداد سكانه يصل إلى 1,4 مليار نسمة ، ولديها 7% فقط من أراضيها صالحة للزراعة ، بل وتتناقص هذه المساحة سنوياً بمعدل 8 مليار هكتار كل عشر سنوات بسبب التوسع في الصناعة وزحف المدن على الأراضي ، فمن إذن سيطعم كل هذا العدد الهائل من الناس؟! ومن جهة أخرى تعاني البلاد الفقيرة مثل السودان وإثيوبيا وأوغندا من عدم وجود أي موارد مالية توفر لشعوبهم الحد الأدنى من مستوى المعيشة خاصة في ظل معاناة بعض هذه الشعوب من المجاعة بالفعل ، وبما أن أرضهم هي رأس مالهم الوحيد ، فقد كان الحل الأمثل من وجهة نظرهم هو بيع أو تأجير الأرض! ففي بداية شهر نوفمبر من عام 2008 قامت كوريا الجنوبية بتأجير "نصف" الأراضي الصالحة للزراعة في مدغشقر أي حوالي 2,3 مليون هكتار بعقد لمدة 99 عاماً – يشبه العقد الخاص بقناة السويس- لزراعة الذرة وزيت النخيل ، على أن يتم تصدير هذا المحصول إلى بلاد أخرى أو يتم توجيهه إلى كوريا الجنوبية في حالة وجود أزمة غذائية في كوريا الجنوبية , لكن الجدير بالذكر أنه لم يتم ذكر أي بنود في العقد بخصوص انتفاع مدغشقر بالمحصول على الرغم من أن 70% من مواطنيها يعيشون تحت خط الفقر ، ويعاني نصف عدد الأطفال هناك تحت سن الثالثة من نقص النمو. أما دول الخليج فلم تضع الوقت في الدخول في لعبة شراء الأراضي ، خاصة أن معظم أراضيهم صحراوية , فنجد أن الإمارات العربية المتحدة اشترت 400 ألف هكتار في باكستان لزراعة الأرز والقمح ولرعي الماشية وإنتاج الألبان , كما اشترت مجموعة بن لادن السعودية 1,6 مليون هكتار من الأراضي الصالحة للزراعة في إندونيسيا لزراعة الأرز وفول الصويا والذرة وقصب السكر ، أما الكويت وقطر فهما على وشك إنهاء صفقة في عام 2009 لشراء 2,9 مليون هكتار من كامبوديا التي لم تقابل إغراءات مالية كبيرة مثل التي تطرحها الكويت عليها ، هذا بالإضافة إلى عرض الكويت بناء سفارة لها في كمبوديا وإنشاء خط طيران مباشر بين العاصمة الكمبودية بنوم بنه والكويت. ودعت هذه "الحمى" الخليجية لشراء الأراضي بلداً مثل أثيوبيا التي أصبحت على أعتاب مجاعة كبيرة ترغب في الإشتراك في اللعبة أيضاً , فقد أعلن رئيس وزراء إثيوبيا أنه متلهف لتوقيع عقود بيع أراضي بلاده إلى دولة من دول الخليج! لكن الشيء المثير للاهتمام أن معظم هذه الدول الفقيرة التي تم شراء أراضيها ما زالت تتلقى الدعم المالي من برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة ، ويبدو أن كل هذه البلاد الفقيرة السعيدة بالأموال التي أغدقت عليها غير منتبهة للخطر الذي يحدق بها ، ألا وهو الاستعمار الجديد الذي حذر منه جاك ضيوف رئيس منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة ، حيث قال : "إن شراء الأراضي بهذه الطريقة سيولد لنا نوعاً جديداً من أشكال الاستعمار .. إنه الاستعمار الزراعي". قد يعتبر البعض أن ما يحدث ما هو إلا هذا نوع من أنواع تدفق رؤوس الأموال الأجنبية إلى البلاد الفقيرة , ولكن المنظمات غير الحكومية مثل "السلام الأخضر" و"أصدقاء الأرض" أكدت أن شراء الأراضي بهذه الطريقة يهدد ثقافات الشعوب وهوياتها ، خاصة أنه لا توجد دراسة حقيقة لمعرفة مخاطر هذا النوع من "الاستثمارات" على اقتصاديات تلك الدول الفقيرة ومدى استفادتها من هذه العقود. وعن ذلك يقول ميشيل تايلور من منظمة التحالف الدولي للأراضي : "الأراضي هي هوية الشعوب , إنها موضوع شائك للغاية , في زيمبابوي بدأنا بالمحاولة في توعية الناس لمعرفة حقوقهم ومخاطر بيعهم لأراضيهم". .. فهل نحن بالفعل أمام حقبة جديدة من الإستعمار؟ أليس من الممكن أن ترسل تلك الدول قوات في المستقبل لحماية "مصالحها الإقتصادية" كما تفعل الدول الكبرى الأن؟ هل يمكن أن يتحول هذا الصراع على الأراضي في ظل التناقص المستمر في الغذاء إلى مذابح دامية؟