على إيقاعات الطبلة كانت ترتفع الأصوات بأشكال وألوان من الشكوى: مستنى إمضة موظف بقالى سنتين، طلباتى كتير وفلوسى قليل، مربوط فى مكانى مش عارف أطير، يا ليلى يا ليلى يا ليل. هى البروفة الأولى للكورال الذى يسعى لتحويل شكاوى الناس إلى أغان، وهى الفكرة التى أطلقها قبل خمسة أعوام فنانان من فنلندا تلرفو وأوليفر كالينين وانتشرت بعدها فى عديد من دول آسيا وأوروبا وأمريكا الشمالية، لتصل أخيرا إلى بلد «الفلاح الفصيح». فى الموعد بدأ أعضاء «كورال شكاوى القاهرة»، ومعظمهم شبان وشابات فى العشرينيات وأوائل الثلاثينيات من عمرهم، يتوافدون أمام البوابة الرئيسية لجاليرى «تاون هاوس» بوسط البلد، بعد أن استهوتهم الفكرة التى سمعوا عنها من «الفيس بوك» أو من أصدقاء لهم. ويبدأ الكورال أول عروضه للجمهور الأحد فى «التاون هاوس» (10 شارع النبراوى من شارع شامبليون)، ضمن معرض بعنوان «الجماهير الخفية»، هو الأول من نوعه فى مصر كما يؤكد معتز عطاالله أحد المنظمين. «وهو لا يعتمد على موسيقيين وشعراء محترفين، ومفتوح لأى حد، أهم حاجة يكون عندك شكوى، من أتفه حاجة لأعم حاجة، وتيجى تغنيها بنفسك». جورج وحيد، مدير تدريب بأحد الفنادق، كان أحد هؤلاء الذين جاءوا لغناء شكواهم، وفى سبيل ذلك «خلعت بدرى شوية من الفندق، وعديت على مطعم أكلت حاجة سريعة، وغيرت بدلة الشغل ولبست زى مناسب للشكوى، تى شيرت بسيط وجينز». يشارك جورج غيره من أعضاء الكورال فى العديد من الشكاوى الشائعة كالزحمة وعوادم السيارات وغياب النظافة؛ لكنه جاء مهموما بشكل خاص بشكوى واحدة، هى: «ليه القاهرة بتعمل فى الناس كده، وليه الناس فيها بتقطَّع فى بعضها؟». هكذا أيضا جاء بقية أعضاء الكورال وكل منهم يحمل معه شكواه، ليتشكل قاموس مختلف ومتنوع من الشكاوى، بدأت بأشياء شديدة الخصوصية من نوع: «ما بحبش طبيخ أمى، وأنا أبويا ما بيطبخش أساسا، مفيش بنطلونات بتييجى على مقاسى، شكلى غلط، بقالى كتير عندى البواسير». لكن شيئا فشيئا امتدت شكاوى الكورال لتجمع أكثر ما بين الخاص والعام. «بخاف أوى من الرجالة إللى بيعاكسوا، وبخاف من الشرطة، الزحمة متوهانى والناس مضايقانى، فى حرامية كبار كتير، فلوسى قليلة وطلباتى كتيرة». وبسرعة خلقت الشكوى نوعا من الألفة بين أعضاء الكورال الوليد، وجعلتهم يتجاوبون سريعا مع سلام يسرى مؤسس فرقة الطمى المسرحية، وأحد المشرفين على تنظيم الكورال، بينما كان يحاول والطبلة فى يده صياغة الشكاوى فى جمل قصيرة بسيطة مستخدما تيمات وألحان شعبية مصرية. فى استراحة قصيرة بدا سلام واثقا من الفكرة وما يمكن أن تسفر عنه: «طول ما الشكوى مكتومة وكل واحد محتفظ بيها جواه مفيش حاجة هتحصل، لكن لما تخلى أشخاص يتجمعوا ويشتركوا فى التعبير عن مشاكلهم ورأيهم، ممكن نوصل فى النهاية لحلول». وربما لهذا السبب أيضا يأتى الكورال كجزء من معرض «الجماهير الخفية» الذى يشتمل، كما تقول سارة رفقى منسقة المعارض بالتاون هاوس، «على رسومات وأعمال فيديو وأعمال أدائية تسعى كلها لمحاولة تفعيل دور الجمهور ، إيمانا بأن الناس لما بتتجمع ممكن تعمل حاجة كويسة».