هل صحيح أن الجزائر صارت أبعد عنا، فى حين أصبحت إسرائيل أقرب إلينا؟.. أدرى أن السؤال ما كان ينبغى له أن يرد على البال أصلا. حيث يفترض أن تكون إجابته محسومة سلفا. لكنه بات واردا فى زمن الانكسار، وغدا تجاهله نوعا من دفن الرءوس فى الرمال. طرح السؤال له خلفيته التى تبرره. ذلك أن الصحف المصرية كانت قد نشرت كلاما للاعب الأهلى والمنتخب الوطنى محمد أبوتريكة، أبدى فيها استعدادا وترحيبا بالسفر إلى الجزائر ومشاركة شعبها احتفاله بالتأهل لمونديال جنوب أفريقيا. وحسبما ذكرت صحيفة «الدستور» (فى 16/5) فإن أبوتريكة فى توضيحه لموقفه قال إن هذا هو الوقت المناسب لإزالة الاحتقان بين الشعبين، على خلفية الأحداث التى خلفتها المباراة الشهيرة. وأضاف أنه ليس من المنطقى السكوت على الجفاء الذى حدث جراء تلك المباراة، لأن ما بين مصر والجزائر أكبر من أى خلاف بسبب مباراة فى كرة القدم. خاصة أن الموضوع أخذ أكبر من حجمه، كما أن مطالبة كل طرف للآخر بالاعتذار أمر غير مقبول، لأن ما بين الإخوة من روابط فى الدين والدم أكبر من أى اعتذار، وخيرهما من يبدأ بالسلام. هذا الكلام الرصين فى الخبر المنشور استقبل بغضب شديد من جانب أعضاء الجهاز الفنى للمنتخب الوطنى، وكانت الحجة فى ذلك أن أبوتريكة كان أحد شهود العيان لما حدث فى السودان وفى أنجولا، كما أنه على علم بالتصريحات المسيئة التى صدرت عن لاعبى المنتخب الجزائرى وتناقلتها وسائل الإعلام، واستهدفت المدير الفنى للمنتخب المصرى. فهمنا فى الكلام المنشور أن مدير المنتخب أغضبته تصريحات أبوتريكة، وكذلك المدرب العام للمنتخب، الذى قال إن طبيعة العلاقات الطيبة القائمة بين الجهاز الفنى واللاعبين تفرض على كل واحد من الآخيرين أن يرجع إلى الجهاز للحفاظ على صورته ووحدته قبل الإقدام على خطوة من ذلك القبيل تمس المنتخب الوطنى ككل، مضيفا أن كلام أبوتريكة عبر عن وجهة نظره الشخصية، باعتباره لاعبا فى صفوف النادى الأهلى، قبل أن يكون لاعبا فى المنتخب الوطنى. المشهد إذا صحت وقائعه يضعنا أمام مفارقتين، الأولى أن أبوتريكة تبنى موقفا أرقى وأكثر مسئولية مما عبر عنه الجهاز الفنى. فقد تصرف اللاعب باعتباره مواطنا عربيا سويا فى مصر الكبيرة التى تحتوى الأشقاء وترتفع لأجلهم فوق الجراح. أما مسئولو الجهاز الفنى فقد تصرفوا كأعضاء فى قبيلة منكفئة على مراراتها ولا يعنيها إلا الثأر لما أصابها. المفارقة الثانية والأهم أن رئيس الجهاز الفنى الذى غضب بشدة من ترحيب أبوتريكة بالذهاب إلى الجزائر لمشاركة الأشقاء هناك فرحتهم، هو ذاته الذى وافق على سفر المنتخب المصرى إلى رام الله، لكى يلعب مع نظيره الفلسطينى فى ظل الاحتلال الإسرائيلى وبرعاية من الأعداء. صحيح أن المباراة أجلت لكن الفكرة لم تلغ لأن موعدا جديدا تحدد لها. ومع ذلك فإن المفارقة تثير السؤال الذى ألقيته فى بداية الكلام، حول ابتعادنا عن الجزائر واقترابنا من إسرائيل.إذا دققنا فى المشهد فسنجد أن المفارقة ليست مقصورة على الجهاز الفنى للمنتخب، ولكنها انعكاس لمدى التشوه الذى أصاب الإدراك فى بعض الدوائر بمصر. وهو التشوه الذى أسمهت فيه مواقف سياسية عدة أثارت قدرا غير قليل من الحيرة واللغط. من ذلك اهتمام مصر بإقامة السور الفولاذى الذى يحكم الحصار حول غزة ويطمئن إسرائيل ويؤمنها، بأكثر من اهتمامها ببناء بيوت ضحايا السيول فى سيناء أو توفير احتياجات المحاصرين فى القطاع. إن أسئلة زمن الانكسار كثيرة، لكن أخطرها ذلك الذى لا يميز بين العدو وبين الصديق أو الشقيق، لأنه يعبر عن التلازم بين الانكسار والضياع.