العمل توفر 220 وظيفة للشباب في شركة بالعاشر من رمضان    بث مباشر.. جلسات المؤتمر التاسع لوزراء الأوقاف في دول العالم الإسلامي    رئيس جامعة الإسكندرية يهنئ منتسبى الجامعة بانتهاء العام الأكاديمي 2023/2024    تعرف على موعد الإجازة الرسمية المقبلة    اليوم.. إطلاق مؤتمر المصريين بالخارج بحضور وزير الخارجية    التموين تواصل صرف مقررات أغسطس لليوم الرابع.. ننشر أسعار 31 سلعة    أسعار الذهب المحلية والعالمية اليوم الأحد 4-8-2024 في بداية التعاملات    سعر الدولار اليوم الأحد 4/8/2024 مقابل الجنيه المصرى    وزير الطيران المدني: تعزيز الشراكات مع القطاع الخاص دون المساس بأصول الدولة    تركيب 100 وصلة مياه مجانا للأسر الأولى بالرعاية في كفر صقر بالشرقية    وزير الري: 4000 كيلومتر إجمالي تأهيل الترع بمبادرة حياة كريمة    أحلف بسماها .. التنمية وتوطين الصناعة المصرية    فرنسا تدعو رعاياها إلى مغادرة لبنان "فور الإمكان"    ممثل الاتحاد الأوروبي للشئون الخارجية ورئيس قيرغيزستان يبحثان تعزيز التعاون المشترك    الأمم المتحدة تناشد توفير التمويل لمنع مجاعة واسعة النطاق فى السودان    أبو الغيط يدين الهجوم الاجرامي على مطعم بفندق في مقديشو    مقتل مستوطنين إسرائيلين وإصابة آخرين في عملية طعن جنوب تل أبيب    حملة هاريس تتهم ترامب بمحاولة الانسحاب من المناظرة الرئاسية    بيراميدز يستضيف زد لاستعادة نغمة الانتصارات بالدوري    منتخب مصر الأولمبى يختتم استعداداته اليوم لمواجهة لفرنسا بنصف نهائى الأولمبياد    الرئيس الجزائري يشيد بالملاكمة إيمان خليف    وزير التعليم يعقد مؤتمرا صحفيا الثلاثاء لإعلان نتيجة الثانوية العامة 2024    حالة الطقس المتوقعة غدًا الإثنين 5 أغسطس| إنفوجراف    القبض على إسلام بحيري لتنفيذ 6 أحكام قضائية في قضايا شيكات بدون رصيد    إخماد حريق منزل فى أوسيم دون إصابات    ضبط مسجل خطر بحوزته أسلحة ومواد مخدرة قبل ترويجها فى الشيخ زايد    مراسلة قناة أون: فعاليات مهرجان العلمين لا تتوقف على مدار الساعة    إبراهيم عبد الجواد: دورى أبطال الساحل من أبرز الفعاليات الرياضية فى العلمين    تعرف على فعاليات وعروض المهرجان القومي للمسرح اليوم    هل الابتلاء بالمرض يكفر الذنوب؟ دار الإفتاء تجيب    محافظ أسيوط يتفقد مستشفى القوصية المركزى لمتابعة سير العمل    غيوم وسحب كثيفة تغطي سماء الوادي الجديد -(صور)    اليوم.. عزاء المنتجين حسام شوقي وتامر فتحي وفتحي إسماعيل ومحمود كمال بمسجد الشرطة    السكة الحديد تعلن تأخيرات القطارات المتوقعة اليوم الأحد    "أحد السكان كسر حائط".. تفاصيل معاينة عقار روض الفرج المنهار    القسام تقنص جنديا إسرائيليا في رفح    سيف زاهر: كهربا يستعد للرحيل عن الأهلي    فضل الدعاء على الظالم ب حسبي الله ونعم الوكيل    عباس شراقي يكشف عن طرق زيادة حصة مصر من المياه    ملخص وأهداف مباراة الريال وبرشلونة في كلاسيكو أمريكا.. فيديو    هاتريك "القائد" هالاند يقود مانشستر سيتي للفوز على تشيلسي برباعية في 120 ثانية (فيديو)    انتقامًا من والديه.. كشف غموض ذبح طفل في دمنهور    تعرف علي فضل الصلاة في جوف الليل    مجانية.. تردد قناة الكويتية الرياضية ل مشاهدة مباراة ريال مدريد وبرشلونة في الكلاسيكو    الحكومة الكندية تنصح رعاياها بعدم السفر لإسرائيل    علاء فوزي: جوميز يريد الحكم على جميع لاعبي الزمالك.. ولا يرغب في ظلم أحد    وداع وانسحاب.. ماذا قدم أبطال مصر في اليوم الثامن من أولمبياد باريس 2024؟    أكثر انتشارًا لدى النساء، تعرف على أعراض قصور ونشاط الغدة الدرقية    إعلان قوائم مؤسسات «التعليم العالى» المعتمدة استعدادًا لبدء التنسيق    وزير الدفاع يشهد اليوم العلمى للكلية الفنية العسكرية    حظك اليوم.. توقعات برج العذراء 4 اغسطس 2024    أدعية للنجاح والتوفيق لطلاب الثانوية العامة    حظك اليوم برج العذراء الأحد 4-8-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    حظك اليوم برج الجدي الأحد 2-8-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    لطلاب الثانوية العامة..كيف تقلل التوتر والقلق قبل ظهور النتيجة؟    الصحة تعلن إطلاق البرنامج التدريبي الميداني في الوبائيات للصحة الواحدة    طريقة تحضير الكوكيز بمكونات بسيطة وطعم لذيذ في دقائق    ما حكم إنفاق المرأة على المنزل من مالها الخاص.. أمين الفتوى "فضل وليس واجب"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المصرى قاتلًا وشاكيًا ومضربًا وناخبًا!
نشر في الشروق الجديد يوم 15 - 05 - 2010

تُجمع كتب التاريخ على أن مجموعة من «أهل مصر» شاركوا (وفى رواية أخرى قادوا) عملية حصار ثم قتل الخليفة عثمان بن عفان (رضى الله عنه وأرضاه). وتذهب بعض الكتب إلى القول بأن الحسن البصرى وصف قتلة عثمان بأنهم «أعلاج من أهل مصر». وعلى سبيل التخصيص هناك إشارات متعددة إلى صحابى يُسمى عبدالرحمن بن عديس البلوى باعتباره قائد أهل مصر الذين حاصروا عثمان وأخيرا قتلوه.
والحقيقة أن هذه التفاصيل ليست هى أهم ما يعنينى فى هذا المقال، ولكن ما يعنينى هو لماذا يخرج نفر من أهل مصر عن طاعة الحاكم على الرغم من المعروف عنهم من وداعة واعتدال يصل لدرجة السلبية كما ذهب جمال حمدان فى وصف الشخصية المصرية.
والمثير للتأمل أن مطالب المصريين كانت دائما معقولة للغاية بمعايير العصر الذى كانوا ينتمون إليه بل حتى بمطالب العصر الذى نعيشه، ويبدو أنها هى نفسها مطالب المصريين حتى الآن والتى يمكن اختصارها فى كلمة واحدة وهى: العدل. فمن يساويك بنفسه فما ظلمك، والحاكم الذى ينشر المساواة فى تطبيق القانون بدءا بنفسه وأهله وجبت طاعته على الجميع.
فمصريو القرن السابع الميلادى كانوا يطالبون بحياة كريمة تراعى ظروفهم الاقتصادية الصعبة بسبب تأخر فيضان النيل. وكان الحاكم العربى عبدالله بن أبى السرح قاسيا فى جمع الضرائب مقارنة بعمرو بن العاص، ففى عهد عمرو كان الخراج والجزية التى يرسلها للخليفة عثمان بن عفان فى المدينة (كما قال البلاذرى فى كتابه فتوح البلدان) نحو ألفى ألف دينار (أى 2 مليون دينار) ولكن فى عهد عبدالله بن أبى السرح تضاعفت الخراج والجزية حتى بلغت أربعة آلاف ألف دينار (أى 4 ملايين دينار).
حتى قال عثمان بن عفان لعمرو بن العاص (رضى الله عنهما) «إن اللقاح بمصر بعدك قد درت ألبانها» أى إن أراضى مصر وثرواتها قد أتت بمال أكثر مما كان فى عهدك. فرد عمرو: «ذاك لأنكم أعجفتم أولادها» أى لأنكم بالغتم فى فرض الخراج والجزية (وهو ما يرويه ابن جرير الطبرى فى تاريخ الطبرى برواية مشابهة) وكان عمرو بن العاص أكثر تسامحا مع المصريين سواء كان ذلك تأليفا لقلوبهم وأمنا لشوكتهم أو مراعاة لاحتياجاتهم الاقتصادية. ولكن لا شك أن ابن أبى السرح لم يكن على نفس القدر من التسامح فبدا ظالما حتى شكاه المصريون إلى الخليفة عثمان أكثر من مرة ولكنه لم يستجب للشكاوى.
واختلف المفسرون فى سبب عدم استجابة الخليفة، بعضهم تعلل بكبر سنه (ولو صح هذا لكان الأولى أن يترك الحكم لمن هو أصح منه بدنا)، وبعضهم تعلل بكثرة الوشاية التى جعلته لا يميز الصحيح من الخبيث من مثل هذه الشكاوى (ولو صح هذا لكان الأولى أن يرسل إلى مصر من يتحقق من صحة الخبر)، ومنهم من قال إنه ما أراد عزله لأن عبدالله بن أبى السرح أخوه من الرضاعة أو من أمه (ولو صح هذا فالأولى بحكام المسلمين أن يجنبوا أقاربهم مواضع الحكم درءا للشبهة). وبما أننا لا نعرف فى زماننا هذا تحديدا ما السبب فلا نملك إلا أن نحسن الظن بالجميع دون أن نغفل حقيقة أن المظلمة وقعت وأن القتل حدث وأن الفتنة بدأت.
وتُروى القصةُ بصيغ عدة تنتهى كلُها إلى أن عددا من أهل مصر والكوفة والبصرة قد رأوا محاباة عثمان لأهله من بنى أمية وظلما لغيرهم فى توزيع المناصب والعطايا ما عهدوه فى حكم سابقَيْه رضى الله عنهما، فأحل أهلَ القربى والثقة محلَ أهلِ التقوى والخبرة فاختلف معه بعضُ الصحابة الكبار مثل أبى ذر وابن مسعود واعتزل آخرون شئون الحكم طاعةً لخليفة كانوا يَرَون مخالفته إشعالا لنار الفتنة، وبالتالى كانت طاعتُه خيرَ الشَرّين كما يقول الفقهاء.
والحقيقة أن البعض يحاول تفسير القصة من منظور الصراع القبلى بين بنى أمية وبنى هاشم. وهو ما يرفضه الأستاذ العقاد مثلا على اعتبار أن هذه الخلافات القبلية ما كانت لتثير الفتنة لولا سوء الحكم وانتشار المظالم. وكأنه فى هذا يوافق ابن خلدون والذى وإن أعطى العصبية القبلية حقها فى تفسير تاريخ العرب والحضارات الأخرى إلا أنه وضعها فى سياق أكبر بقوله: « الظُلم مؤذْنٌ بخرابِ العمران» فإن حل الظلم، فالخراب قادم.
وأشد أنواع الظلم هى ظلم الحاكم لرعيته. وهو ما عبر عنه فلاح مصر الفصيح فى البردة الفرعونية المعلقة الآن فى متحف برلين فى شكواه لرئيس الديوان الملكى من أنه: «يجب على رجال الحكومة أن يقضوا على الظلم ويقيموا العدل ويوفروا الطعام والملبس والدفء لأفراد الشعب وأن يقفوا إلى جانب الفقير ضد الظالم، فالصالح المؤمن هو من يهتم بأرزاق الناس ويحميهم من المعتدين على أرزاقهم». بل إن الفلاح الفصيح يهدد رئيس الديوان الملكى بأنه إذا لم يستجب لشكواه فإنه سيستجير ب«أنوبيس» حامل ميزان العدل فى محكمة أوزوريس فى العالم الآخر. ولم يحتج الفلاح الفصيح لتصعيد الأمر، لأن رئيس الديوان قد رد له حماره الذى أخذه منه موظف حكومى ظلما.
ويسجل التاريخ للمصريين قدرة هائلة على التكيف مع المجاعات والقحط والكوارث بل كانوا صابرين مجتهدين مجدين فى مواجهة غوائل الدهر. ولم يكونوا ليثورا إلا إذا تأكدوا أن الظلم قد بلغ محله، وأن الصبر والموت سواء. ومن ذلك ثورة الفلاحين منذ أكثر من 4000 عاما فى عهد آخر ملوك الأسرة السادسة (بيبى الثامن) حيث امتنع الفلاحون عن دفع الضرائب وهجموا على المخازن الحكومية وبعثروا محتويات مكاتب الموظفين وقتلوا الكثيرين منهم وأحرقوا قصور الملك والأغنياء وفتحوا قبورهم وبعثروا أشلاءهم. وفى بردية «نفرتى» تصوير لهذه الأحوال التى جسدها قول الحق سبحانه: «وبئر معطلة وقصر مشيد». ففى هذه البردية جاء ما يلى: «انظروا إلى الصناع إنهم لا يعملون، فقد أضاع أعداء البلاد (يقصدون الحاكم وأعوانه) ما فيها من حرف... إن الكهنة يعملون ضد مصلحة الشعب».
ومن نحو 3000 عاما أضرب فلاحو المحاجر فى عصر رمسيس الثانى عن العمل للظلم الواقع عليهم واضطر رمسيس الثانى أن يتوجه إليهم ويلقى عليهم خطابا وكأنه أول قانون عمل فى تاريخ مصر يحدد فيه رمسيس للعمال حقوقهم فى الطعام والماء البارد وفى الملبس والعطر وجعل العمل بالتناوب لكل فلاح مع عطاء لأهله سواء فى الوجه البحرى أو القبلى من الحبوب والملح. ولكن يبدو أن عدل رمسيس الثانى (النسبى) لم يستمر طويلا بعد وفاته فدخل المصريون فى سلسلة من الإضرابات صغيرة العدد قصيرة الزمن من أجل مطالب أشبه بوقفات المصريين الحالية أمام مجلس الشعب وكأن الظلم فى هذه الأرض له تاريخ طويل، فتتغير الأسماء والتواريخ ويظل المصرى آملا فى حياة من العدل.
ماذا عن المستقبل؟
لا نريد أن يكون مستقبلنا نسخة من ماضينا: لا نريد أن يكون مستقبل هذا الوطن فى النماذج الثلاثة التى عرضها المقال: البلوى الذى قَتل، والفلاح الفصيح الذى شَكا، والفلاح المجند الذى أضرب، وإن شاءت السلطة تعطفت ومنحت وإن شاءت تعنتت ومنعت. المهم أن نصل إلى مرحلة المصرى الذى انتخب.
نريد أن تكون لنا حقوق نباشرها بأنفسنا فى انتخابات حرة نزيهة يتحول فيها المحكوم إلى حاكم ويتحول الحاكم إلى محكوم. نريد أن يتحول الحاكم إلى موظف عام إن أحسن استمر وأن أساء فليترك منصبه لمن هو أقدر منه.
إن أمم العالم أجمع قد خطت خطوات واسعة نحو مستقبل أفضل ونحن لم نزل نُحكم بشعارات الباطل التى يراد بها باطل متعللين بحجج لا يرقى إليها منطق سوى عجز نخبتنا الحاكمة أن تتخيل مستقبلا أفضل مما نحن فيه. فالهند تعيش ظروفا اقتصادية أسوأ من مصر، وانقساماتها الدينية أعظم من الانقسام الكائن فى مصر، وحوادث الإرهاب فيها أشد وطأة من مصر، وحدودها أكثر دموية من حدود مصر، وخاضت حروبا أصعب وأشرس من حروب مصر، وعدد سكانها أضعاف عدد سكان مصر، ومع ذلك ديمقراطيتها أكثر رسوخا وقوة وعمقا من ديمقراطية مصر، وليست بحاجة لأن تحتمى وراء قوانين استثنائية كما يفعل الحزب الحاكم فى مصر، كما أن مؤشرات التنمية فيها تتقدم بمعدل أعلى من معدلات التنمية فى مصر. ولكنها دولة حزب المؤتمر الهندى برموزه غاندى ونهرو ومان موهان سنج ونحن دولة الاتحاد الاشتراكى والتنظيم الطليعى والحزب الوطنى، والحمد لله على الستر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.