حريق المسرح القومى بالعتبة قبل أكثر من عام ونصف العام لم يكن بالحادث العادى، فالمبنى الذى يعد أقدم مسرح فى الوطن العربى، يدخل فى قائمة الآثار الإسلامية والقبطية، الأمر الذى جعل البعض يصف الحريق حينها بأنه الخسارة الأكبر للمسرحيين المصريين بعد حريق قصر ثقافة بنى سويف قبل بضعة أعوام. وزير الثقافة فاروق حسنى سرعان ما تعهد بإعادة ترميم المبنى ليخرج فى حلة جديدة لا تختلف تماما عن طابعه الأثرى.. وما أن انتهى الحريق وهدأت ألسنته حتى هدأ الحديث عن إعادة ترميمه من جديد ليمر أكثر من 20 شهرا دون أن يتم افتتاح المبنى حتى الآن وسط حالة من الغموض حول مصيره وترقب من قبل المسرحيين لإزاحة الستار عن قبلة المسرحيين المصريين. الغريب فى الأمر أن وزارة الثقافة كانت قد استعانت بلجنة تضم أساتذة من جامعتى القاهرة وعين شمس والمجلس الأعلى للآثار ودار الأوبرا المصرية وممثلين عن صندوق التنمية الثقافية وإدارة الدفاع المدنى للإشراف على إعادة المبنى الأمر الذى بعث الأمل فى نفوس المسرحيين حينها لسرعة الانتهاء من العمل لكن سرعان ما تبدل الأمل بحالة تشاؤم سيطرت على الأوساط المسرحية جراء التأخر فى تنفيذ المهمة، بل وحتى عدم تحديد موعد لذلك. الدكتور أشرف زكى، رئيس قطاع الإنتاج بوزارة الثقافة والمشرف على البيت الفنى للمسرح، يحاول محو نظرة التشاؤم لدى المسرحيين ويفجر مفاجأة بالقول إنه بالفعل تم تحديد موعد لإعادة افتتاح المبنى من جديد وسيكون نهاية العام الحالى وتحديدا فى 31 ديسمبر، مشيرا إلى أن الشركة لم تتأخر إطلاقا فى تسليم المبنى كما يظن البعض وتسير وفق الجدول الزمنى المتفق عليه. ورفض زكى التهويل فيما يتعلق بتأخر موعد تسليم المبنى، وقال: عقب الحريق كنا على استعداد لتسليم المسرح بعد شهرين فقط لكن فاروق حسنى وزير الثقافة أصر على أن تجرى التجديدات وفقا لمعايير مهنية عالية الدقة بحيث يعود المسرح إلى سابق عهده. وأوضح رئيس قطاع الإنتاج بوزارة الثقافة والمشرف على البيت الفنى للمسرح، أن موقع المسرح فى قلب ميدان العتبة المزدحم يعيق حركة دخول وخروج شاحنات النقل ويلزمنا بالتنسيق مع إدارة المرور التى لا تسمح لنا بذلك إلا بعد الثانية عشرة مساء ليخلو سوق العتبة من الازدحام فضلا عن عدم إمكانية صب الخرسانات سوى يوم الجمعة لخلو الميدان من المواطنين فى ذلك اليوم. وكشف زكى عن أن تكلفة إعادة المبنى قد بلغت 75 مليون جنيه لا سيما وأن المبنى تاريخى ويحمل تفاصيل دقيقة وكان الاتفاق مع الشركة على الاحتفاظ بكل تلك التفاصيل التى عرف بها المبنى منذ إنشائه عام 1921، لافتا إلى أن دراسة تجديد المبنى قدمت من قبل متخصصين فى المجلس الأعلى للآثار وفقا لمساحته البالغة 4300 متر إلى جانب مساحة 450 مترا بجوار المبنى تم تخصيصها كجراج لسيارات الجماهير. القضية بالتأكيد لا تعنى زكى وحده، فقد وجد الفنان محمد صبحى نفسه معنيا بالأمر بشكل أو بآخر بعد اختياره مستشارا لوزير الثقافة لشئون المسرح، ويقول صبحى: بالتأكيد أجد نفسى مهتما بجميع شئون المسرح لكن حتى الآن لا أعرف تفاصيل عمليات التطوير والتجديد التى يخضع لها المسرح القومى حاليا.. وليست لدى معلومات دقيقة حول الأمر. وأضاف صبحى أنه حتى الآن لم يتقدم لفاروق حسنى باقتراحاته حول ما تم إنجازه وما تعثر فيما يتعلق بتطوير وتجديد المسرح القومى لأنى مازلت فى مرحلة الإعداد وجمع المعلومات التى تفيد حالته الراهنة. وتعهد صبحى بالإعلان عن الخطة الشاملة التى من المقرر السير عليها فى السنوات المقبلة خلال مؤتمر صحفى يعقد خلال الأيام القادمة. الفنان توفيق عبدالحميد، آخر مدير معين للبيت الفنى للمسرح، اعتبر الحديث عن المبنى وإعادة تجديده أكبر منه شخصيا «لأنها مهمة تخص وزير الثقافة على نحو مباشر». وقال عبدالحميد، الذى قدم استقالته من المنصب بعد 4 أشهر فقط، إن المدة القصيرة التى تولى فيها مسئولة البيت الفنى جعلته غير ملم بما وصلت إليه تجديدات القومى حيث رفض الحديث عن الميزانية المحددة لتطوير المسرح فى عهده، وقال: «توليت إدارة المسرح القومى بعد الحريق وفى فترة التطوير ورحلت عنه وهو مازال كذلك، وأنا أعتبر نفسى خارج تلك الحكاية لأنها أكبر منى ولأن الوزير بنفسه هو من يتولى ذلك الأمر». وزاد عبدالحميد من صراحته قائلا «أعتقد أن كلامى عن القومى فى الفترة الحالية لن يحمل جديدا لأنى تركت الجمل بما حمل كما أننى لا أحب الحديث عن أى شىء يخص المسرح وأعتبر عملى إداريا فى المسرح سواء لرئاسة المسرح القومى أو البيت الفنى فترة منقضية لا أحب أن أتذكرها». جزء من جسدى الفنانة سميحة أيوب التى تولت إدارة المسرح القومى 14عاما منفصلة، المرة الأولى من عام 1975حتى 1982 ثم من 1983 إلى 1989، لم تخف تشاؤمها إزاء الوعود التى أطلقت بإعادة المبنى إلى سابق عهده، وقالت «لا يوجد ما يدعونى للتفاؤل أبدا خاصة بعد طول مدة أعمال الترميم التى استغرقها المبنى». غير أن الفنانة الملقبة ب«سيدة المسرح العربى» عادت وأضافت «أفضل الانتظار حتى تتم إعادة افتتاح المبنى من جديد وحينها لن أتردد فى إعلان موقفى مما حدث، وأنتظر اليوم الذى يعاد فيه افتتاح المبنى وكأننى سأسترد جزءا من جسدى فقده يوم الحريق المشئوم». ودعت الفنانة سميحة أيوب إلى عدم الاكتفاء بالمظهر أو الشكل الخارجى فى أعمال التجديد بحيث تشمل جميع أركان المبنى بداية من خشبة المسرح وانتهاء بدورات المياه.. فالمبنى قيمة ثقافية لمصر لا يجب أن نبخل عليه أو نتعامل معه على أنه مجرد مبنى تعرض للحريق ويتم تجديده». وردا على سؤال حول ما إذا كان قد تمت الاستعانة بخبراتها فى عمليات تجديد المبنى اكتفت بالقول «لم يتصل بى أحد حول المر.. لأن هذا التصرف من شيم الكبار». وذكرت سميحة أيوب بالتجديد الشامل الذى عرفه المبنى خلال توليها رئاسة المسرح القومى، مشيرة إلى أن عمليات التطوير شملت جميع قطاعات المبنى، وقالت إن المرحوم عبدالحميد رضوان، الذى كان يتولى حينها وزارة الثقافة، كان متفهما للغاية ولم يبخل على المبنى بكل ما كانت تطلبه، خاصة أنها كانت تكتفى بالضروريات فى حدود المعقول على حد قولها. وأكدت أنها لم تعرف حتى الآن قيمة تكلفة التجديدات التى أنفقت على تجديد المسرح القومى فى عهدها لأنها طلبت من رضوان الابتعاد عن الأمور المادية تماما، واكتفت بوضع خطة التطوير التى يحتاجها المبنى. حجم الدمار الفنان محمود ياسين، الذى تولى سابقا رئاسة المسرح القومى، ويحفظ كل ركن من أركانه «شبر شبر»، على حد قوله، لم يخف انزعاجه من طول مدة أعمال الترميم بمبنى أقدم مسرح بالوطن العربى، غير أنه يعتبر ذلك دليلا واضحا على حجم الدمار الذى لحق بالمبنى جراء الحريق. ياسين اعترف بأنه لم يستطع التردد على المبنى لمتابعة ما آلت اليه عمليات التجديد خشية أن تراوده مشاعر الانهيار التى تملكته يوم الحريق عندما رأى المبنى الذى شهد انطلاقته الفنية بعد قدومه من مسقط رأسه «بورسعيد» يتحول إلى كتلة رماد، مضيفا «أحلم باليوم الذى سيعاد فيه افتتاح المبنى من جديد». وقال ياسين إن أكثر ما يميز المبنى أنه خضع لعمليات تطوير وتحديث واسعة خلال فترة تولى الفنانة سميحة أيوب مسئوليته، ومن هنا يصبح المطلوب من الشركة المسئولة عن التجديد أن تعيده إلى سابق عهده، وكذلك الحال بالنسبة للنقوش القديمة ولمعان الألوان والإضاءة والزخارف لأنها تراث قديم يمنح المبنى قيمة تاريخية لا تقدر بمال. فيلم لمحمد فوزى وإسماعيل ياسين يعيد الطابع الأثرى للمبنى كشف المهندس مدحت مصطفى، عضو اللجنة المشرفة على ترميم المبنى بوزارة الثقافة، أن الشركة المنفذة للمشروع انتهت من مراحل عدة فى عمليات التطوير أهمها ترميم الجزء الأثرى فى المسرح وصالة المدخل بارتفاع 9 أمتار وتم تلوينها بمعالجة أثرية على أن تكون بداخلها شبكة لإطفاء الحرائق. وأضاف أنه تم الحصول على نقوش الصالة من صور قديمة لأحد أفلام محمد فوزى وإسماعيل ياسين، حيث قمنا بتنفيذها حتى يعود شكل الصالة إلى حالتها فى العشرينيات، فضلا عن أننا انتهينا من إدخال الأنظمة الخاصة بالدفاع المدنى طبقا للكود المصرى لمكافحة الحريق وحماية المنشآت المدنية تحت إشراف متخصصين من وزارة الداخلية وإدارة الدفاع المدنى. وشدد مصطفى على أن الأولوية كانت فى الحفاظ على مكونات المسرح التاريخية من اكسسوارات وملابس وفرش أثرى حيث نقلناها إلى مكان آمن وفى الوقت نفسه أنهينا إجراءات تراخيص التطوير من حى الموسكى المجاور للمسرح. وتابع أنه تم الانتهاء أيضا من أعمال الترميم الإنشائى لعناصر «القبة والمنطقة المحيطة بها والسقف النهائى»، وكذلك تم الانتهاء من رمى «الخوازيق» الخاصة بخشبة المسرح التى وصلت إلى 280 خازوق ستارة لمنع صعود المياه الجوفية من سطح الأرض الموجودة على عمق 160 سنتيمترا بجانب تزويد الخشبة بقرص دوار ومصاعد وميكانيزم حديثة. وواصل عضو اللجنة المشرفة على عمليات الترميم أنه تم الانتهاء أيضا من بناء غرف الفنانين والمخازن وإنشاء مبنى جديد مكون من أرضى وثلاثة طوابق تحتوى على المكاتب الإدارية والخدمات، وكذلك اعتمد التصور الكامل للتصميمات الداخلية والخارجية وهى الأعمال التى انتهينا منها فى شهر أبريل الماضى. وحول ما تبقى من أعمال الترميم قبل افتتاح المبنى قال إنه سيتم مستقبلا وضع أساسيات الأنظمة للدفاع المدنى والكهرباء ومكيفات الهواء بجانب اختيار عينات متكاملة من الترميم الزخرفى للأجزاء الأثرية، وتأتى بعد ذلك مرحلة التشطيبات النهائية من الداخل والخارج. آخر عروض المسرح القومى أنتج المسرح القومى قبيل حريقه فى 2008 مسرحيتين هما «زكى فى الوزارة» تأليف لينين الرملى وإخراج عصام السيد وبطولة حسين فهمى وسوسن بدر، و«روميو وجولييت» عن رائعة شكسبير إخراج سناء شافع وبطولة طلبة المعهد العالى للفنون المسرحية . وهى آخر المسرحيات التى عرضت على خشبة المسرح القومى. بعد ذلك تم إنتاج آخر مسرحيات القومى التى تعرض حاليا على خشبة مسرح ميامى وهى «خالتى صفية والدير» تأليف بهاء طاهر وإخراج محمد مرسى وبطولة صابرين وهشام عبدالله.