يحدث هذا فى: كاتربيلر شركة صناعة معدات نقل الأتربة، بما فيها البلدوزرات، وشاحنات التعدين الضخمة أعلنت عن أرباح الربع الأول من العام بواقع 55 سنتًا للسهم، بارتفاع عن خسارة 19 سنتا قبل عام. والأهم من ذلك، أن تحسن النتائج نجم بدرجة كبيرة عن ارتفاع الطلب من البلدان النامية. فعلى الرغم من تراجع مبيعات الماكينات فى أمريكا الشمالية وأوروبا، فإنها ارتفعت بنسبة 40 فى المائة فى آسيا وسبعة فى المائة فى أمريكا الجنوبية. ومع زيادة الصادرات، تعاود كاتربيلر توظيف عاملين مرة أخرى. وزاد عدد الوظائف الأمريكية، على الرغم من أن الزيادة بلغت 600 وظيفة فحسب، مقارنة بتسريح عشرة آلاف موظف منذ أواخر 2008، وهو ما خفض قوة العمل الأمريكية فى الشركة إلى نحو 43 ألف وظيفة. المهم فى ذلك أنه يشير إلى «إعادة التوازن» المرغوب فيه بشدة إلى الاقتصاد العالمى، فالعالم بحاجة إلى محرك جديد للنمو يحل محل المستهلكين الأمريكيين الأسخياء فى الإنفاق، وشهيتهم النهمة لصادرات البلدان الأخرى. تشكل محنة اليونان ومشكلات الدين واسعة النطاق فى أوروبا نذيرًا: فلم تعد البلدان المتقدمة قادرة على إيجاد طريقها إلى الازدهار. ومن ثم، إعادة التوازن. كما أن البلدان النامية، خاصة فى آسيا، الساعية إلى تحقيق نمو يقوده التصدير سوف تتحول إلى الإنفاق المحلى. وسوف يزيد اعتماد الاقتصادات الأمريكية والأوروبية على التصدير إلى هذه البلدان. ومن حيث المبدأ، يفضل الجميع تقريبًا حتى الصين إعادة التوازن. ولكن هل يتحقق؟ وفقًا لبعض المقاييس يبدو أن ذلك فى طريقه للتحقق. فقد نجت الصين والهند والبرازيل والعديد من بلدان «الأسواق الناشئة» من أسوأ عواقب الكساد العظيم. حيث تحقق اقتصادياتهم بوجه عام نموًا أسرع من اقتصادنا (بمعدل 6.4 فى المائة سنويًا عامى 2010 و2011 مقارنة مع 2.9 فى المائة فى الولاياتالمتحدة، وفقًا لصندوق النقد الدولى). وهو ما عزز طلب هذه البلدان على المعدات المتقدمة، والأدوات والتجهيزات الصناعية الأساسية (المواد الكيميائية والفحم) التى تشكل ثلثى الصادرات الأمريكية. وسوف تذهب نسبة تزيد قليلا عن ثلاثة أرباع المخزون من طائرات بوينج النفاثة (77 فى المائة) البالغ 3،350 طائرة إلى زبائن أجانب. ففى هذه البلدان يشهد الإنفاق تزايدًا بينما يتسع نطاق الدخول والأذواق، بالنسبة للسيارات، والملابس، وأجهزة الكمبيوتر، والهواتف المحمولة. وفى عام 2002، بلغ الإنفاق الاستهلاكى فى البلدان النامية (ومنها البرازيل والصين والهند) 23 فى المائة من إجمالى الإنفاق فى العالم، بينما كان نصيب الولاياتالمتحدة 36 فى المائة، وفقا لما قدره الاقتصاديان ديفيد هنسلى وجوزيف لوبتون من مؤسسة جيه بى مورجان تشيس. وبحلول عام 2008، بلغ إنفاق الدول النامية 32 فى المائة، بينما كان إنفاق الولاياتالمتحدة 28 فى المائة. هذا هو اللحاق الاقتصادى الكلاسيكى، مع تبنى البلدان الفقيرة منتجات وتقنيات البلدان الغنية. ويقول الاقتصادى أفيند سابرامانيان من معهد بيترسون إنها عملية من خطوتين «أولا على البلدان أن تعبر عتبة هوبس» نسبة إلى الفيلسوف توماس هوبس (1588 1679)، الذى أعلن أن الحياة «بغيضة ووحشية وقصيرة» من دون حكومة قوية. ويقول سابرامانيان أن الحكومات يجب أن توفر الحد الأساسى من الأمن والرعاية الصحية، وتخلق نوعًا من أنواع حكم القانون وتوفر حماية للممتلكات. وما لم يحدث ذلك، لن يتحقق الاستقرار من أجل الانتقال إلى الخطوة الثانية: إتاحة الفرصة لعمل السوق؛ بمعنى ممارسة الفضائل الاقتصادية الاساسية (ترويض التضخم وضبط الميزانيات الحكومية). ويرى سابرامانيان أن أجزاء من أوروبا وأمريكا اللاتينية لم تعبر بعد عتبة هوبس. ولكن العديد من البلدان فى أماكن أخرى جنت ثمار الانتقال إلى الخطة الثانية. وتعتبر الصين والهند أكثر الحالات إثارة للاهتمام. ففى العقود الأخيرة فحسب، خففتا القواعد التنظيمية السائدة فى الدولة، وتحولت القيود على الملكية والتجارة إلى سياسات أكثر استنادًا إلى قواعد السوق. إذًا، فهل تسير إعادة التوازن وفقا للسيناريو؟ حسنًا، ليس بالضرورة. صحيح أن الاختلالات التجارية الضخمة انخفضت بصورة حادة، كما انخفض العجز التجارى الأمريكى من 760 مليار دولار عام 2006 إلى 379 مليار دولار فى 2009، وانخفض أيضا الفائض التجارى الصينى، غير أن هذه التغيرات تعكس فى معظمها الكساد العظيم. وأدى تفاقم الركود إلى توقف الناس والشركات عن الإنفاق. وشهدت التجارة العالمية انكماشًا حادًا، وكذلك حجم الاختلالات. ولكن مع التعافى القوى، عادت التجارة والاختلالات للنمو مرة أخرى. فتتزايد الواردات فى الولاياتالمتحدة بأسرع مما تفعل الصادرات؛ ويرى الخبير الاقتصادى ريتشارد بيرنر من مؤسسة مورجان ستانلى أن هذا الارتفاع ربما يكون مؤقتًا مع تجديد الشركات لمخزوناتها. ويبقى أن ما نحتاجه هو خفض كبير فى قيمة العملة الصينية، الرينمنبى، ويعتقد فريد برجشتن من معهد بيترسن أن الرينمنبى ربما يكون مقوما بأقل من قيمته بالنسبة للدولار بواقع 40 فى المائة. ويتيح هذا للصادرات الصينية ميزة ضخمة كما يعزز فوائضها التجارية. وتتخوف البلدان الآسيوية الأخرى من تغيير قيمة عملاتها مالم تغير الصين قيمة عملتها أولا، ويلفت هنسلى إلى أنهم: «سوف يتراجعون أمام الصين». ويشعر كل من الاتحاد الأوروبى والبرازيل والهند بأن الرينمنبى يمثل تهديدا له. ويرغب الرئيس أوباما أن تتضاعف الصادرات الأمريكية خلال خمس سنوات. وربما لايكون ذلك واقعيًا، ولكنه يصبح مستحيلاً إذا لم تنخفض قيمة الرينمنبى. ويقول سكوت بول من اتحاد المصنعين الأمريكيين، وهو تجمع من العمال والمستثمرين: «إنه أهم أداة لدينا من أجل زيادة الصادرات وتخفيض الواردات». وهذا صحيح، لكن الصين ترفض بعناد أى تغيير كبير فى قيمة العملة. والاقتصاد العالمى يقف على مفترق طرق مصيرى؛ الانتقال إلى نظام جديد. فهل ستقدم الدول على هذا التحول؟ أم أن رغبة كل دولة فى تعظيم إنتاجها ومعدلات التوظيف سوف تطلق العنان لنزعة الدفاع عن الذات الحمائية والنزعة القومية؟ Washington Post