توصلت كبرى القوى الاقتصادية في العالم التي اجتمعت في العاصمة البريطانية لندن إلى اتفاق بإقامة نظام مالي عالمي جديد وحماية الدول الفقيرة من السقوط جراء التراجع الاقتصادي عبر تعزيز الاعتمادات المالية للمنظمات الدولية بأكثر من تريليون دولار. وبعد أكثر من سبع ساعات من المناقشات الحادة المتعلقة بكيفية التعامل مع حالة الركود التي يشهدها العالم حاليا ، تعهدت مجموعة العشرين التي تضم الدول الصناعية المتقدمة والاقتصاديات الناشئة في بيانهم الختامي على "القيام بكل ما هو ضروري لإعادة الثقة والنمو والوظائف". وأشاد الرئيس الأمريكي باراك أوباما خلال مؤتمر صحفي عقده في ختام أول قمة كبرى يشارك فيها على الساحة العالمية بالاجتماع ووصفه بأنه اتخذ "موقفا غير مسبوق ومنسق" لمواجهة حالة الركود. ولكن الاتفاق على إجراء تقييم دقيق للنظام المالي العالمي ساهم في تجاوز الخلافات التي ظهرت خلال القمة ، حيث تراجع قادة مجموعة العشرين عن الخطط المتوقعة للإعلان عن إجراءات مالية إضافية لتعزيز النمو العالمي. وفي المقابل ، وقعت مجموعة العشرين على اتفاق لخطوات تهدف إلى إشراف أكبر على الأسواق ، وسد الفجوات في النظام الإداري في محاولة لتجنب وقوع أزمات أخرى في المستقبل من خلال اتساق القواعد الحاكمة للأسواق مع التغييرات التي طرأت في الاعوام الاخيرة بفعل العولمة سريعة الوتيرة. وطبقا للاتفاق الذي تم التوصل إليه في لندن ، فإن قادة مجموعة العشرين اتفقوا على إعطاء صندوق النقد الدولي قوة مالية أكبر ، وزيادة موارده بمعدل 500 مليار دولار إلى 750 مليار دولار. وتهدف تلك الموارد المالية الإضافية إلى تحسين قدرة صندوق النقد الدولي على مساعدة الدول النامية التي تحاصرها الأزمات الاقتصادية بشكل أكبر. كما توصل زعماء مجموعة العشرين أيضا إلى اتفاق بشأن خطة بقيمة 250 مليار دولار تهدف إلى تعزيز التجارة العالمية في مواجهة التراجع الكبير في الاقتصاد. كما تم تخصيص مائة مليار دولار أخرى للبنك الدولي ومجموعة من بنوك التنمية ، ومنها بنك التنمية الآسيوي. وكانت الدول ذات الاقتصاديات الناشئة الممثلة في مجموعة العشرين مثل الصين تضغط من أجل إدخال تعديلات على المؤسسات المالية الكبرى في العالم في إطار جهود إعادة تشكيل النظام المالي العالمي وبهدف تخفيف قبضة الولاياتالمتحدة والدول المتقدمة الأخرى على الهيئات المالية الدولية مثل صندوق النقد الدولي. وقال جوردون براون رئيس وزراء بريطانيا الذي استضافت بلاده قمة مجموعة العشرين إن المراجعة المحتملة لصندوق النقد والبنك الدوليين ستتضمن على الأرجح مطالبة الصين باستخدام عملة جديدة للاحتياطي النقدي لصندوق النقد. وقال المدير العام لصندوق النقد الدولي دومينيك شتراوس - كان : "الأزمة العالمية تضرب الأسواق الناشئة والدول الفقيرة بقسوة". وأضاف شتراوس - كان أن "زعماء مجموعة العشرين أرسلوا اليوم إشارة قوية على أن المجتمع الدولي ملتزم بدعم تلك الدول ، ومن بينها التأكيد على أن صندوق النقد الدولي لديه الموارد المتاحة". وقال براون في ختام ما يعد جولة صعبة من المفاوضات خلال القمة بشأن كيفية انتشال الاقتصاد العالمي من تراجعه إن الزعماء تعهدوا "بمنع حدوث (مثل تلك) الأزمة مجددا". وذكرت مصادر من الوفود المشاركة في القمة إنه في خلال إحدى مراحل القمة ، بدا أن الخلافات قد لا يمكن التوصل إلى حل وسط بشأنها ، حيث عاد بعض المسئولين إلى الفنادق التي يقيمون بها وتركوا الزعماء يكتبون البيان الختامي. وقال الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي : "لقد طوينا الصفحة .. كانت هناك أوقات من التوتر ، ولكن لم نفكر أبدا أنه يمكننا التوصل إلى اتفاق كبير مثل هذا". واتفق زعماء مجموعة العشرين أيضا على مكافحة الملاذات الضريبية الآمنة وصناديق التحوط التي تقدر قيمتها بنحو 6ر1 مليار دولار ، كما اتفقوا على زيادة معدلات الرقابة على وكالات التصنيف الائتماني. وعلاوة على ذلك ، وقع الزعماء على خطة لإقامة نظام مراقبة جديد لمراقبة نشاطات المؤسسات المالية الكبرى في العالم التي تجرى عبر الحدود. ولكن حجم تلك التغييرات يعني أن القمة هي مجرد خطوة في طريق طويل لإحداث تغيير في النظام المالي العالمي ، وذلك مع الأخذ في الاعتبار وضع خطط لعقد اجتماع آخر في وقت لاحق من العام الجاري في نيويورك. وحذر القادة أيضا من التهديدات التي تمثلها النزعات الحمائية ومن المخاطر الناجمة عن الاحتباس الحراري ، كما دعوا إلى بذل الجهود لاستئناف المحادثات المتعلقة بالتجارة العالمية. يذكر أن القمة التي عقدت الخميس هي المرة الثانية التي يلتقي فيها زعماء مجموعة العشرين منذ تشكيل الهيئة قبل عقدين. ورغم أن أسواق المال العالمية شهدت ارتفاعا مدعومة بقمة العشرين ، فقد تلقى المشاركون فيها تذكيرا بالحالة السيئة للاقتصاد العالمي من خلال صدور بيانات في وقت سابق الأسبوع الجاري أظهرت إحكام الركود قبضته على اليابان وأوروبا. وتمثل مجموعة العشرين حوالي 85% من النشاط الاقتصادي العالمي في ضوء ما تتألف منه من دول مثل بريطانيا والولاياتالمتحدة وألمانيا وفرنسا وكذلك الهند والصين والبرازيل.