تمثل الشراكة الأمنية القوية مع تركيا، منذ أوائل الخمسينيات، عنصرا مهما من عناصر السياسة الأمريكية فى البحر المتوسط والشرق الأوسط. بل إنها أكثر أهمية الآن. وتقف تركيا عند نقطة التقاء أربع مناطق تتزايد أهميتها بالنسبة لأمن الولاياتالمتحدة منذ نهاية الحرب الباردة: البلقان، والشرق الأوسط، والقوقاز / آسيا الوسطى، ومنطقة الخليج. غير أن العلاقات الأمريكية التركية تراجعت على نحو خطير فى السنوات القليلة الماضية، وبشكل خاص منذ 2003. ويمكن إرجاع أصل العديد من التوترات إلى حرب الخليج الأولى. كما تفاقمت التوترات بشكل كبير بسبب تداعيات الغزو الأمريكى للعراق، التى أسفرت عن تدهور خطير فى البيئة الأمنية لتركيا. يتخوف المسئولون الأتراك من أن يؤدى قيام دولة كردية على الحدود الجنوبية لتركيا إلى تكثيف الضغوط الانفصالية فى تركيا، وتهديد سيادتها الإقليمية. وتزايدت هذه المخاوف مع استئناف تمرد حزب العمال الكردستانى، الذى شن هجمات إرهابية عبر الحدود ضد الأراضى التركية من مخابئ فى جنوب العراق. وأسفر إحجام الولاياتالمتحدة عن القيام بتحرك عسكرى ضد حزب العمال الكردستانى، أو السماح لتركيا بالقيام بعمل عسكرى على نحو انفرادى ضد مخابئه فى شمال العراق بعد غزو 2003، عن توترات خطيرة فى علاقات واشنطنبأنقرة. كما تسبب كذلك فى تصاعد حاد للشعور المعادى لأمريكا فى تركيا. اقترنت هذه التوترات بالخلافات بشأن السياسة تجاه إيران وسوريا كما تفاقمت بسببها إلى حد ما. فبينما سعت الولاياتالمتحدة، حتى وقت قريب جدا لعزل البلدين، انتهجت تركيا سياسة التقارب مع إيران وسوريا. ونتيجة لذلك، تزايد الخلاف بين الولاياتالمتحدة وتركيا فى السياسات إزاء إيران وسوريا. وربما تصبح طموحات إيران النووية مصدرا جديدا للتوتر. فعلى الرغم من قلق تركيا إزاء البرنامج النووى الإيرانى لأن مثل هذا البرنامج من شأنه تحفيز سباق تسلح إقليمى، الأمر الذى قد يدفع تركيا لاتخاذ تدابير تعويضية، فإنها تعارض توجيه ضربة عسكرية لإيران، خشية أن تؤدى أى ضربة للمزيد من الاضطراب فى الشرق الأوسط. وقد بدأت تركيا تعتبر الولاياتالمتحدة شريكا دفاعيا لا يعتمد عليه، ووسعت من نطاق علاقاتها الدفاعية مع البلدان التى تقل فيها القيود على المشتريات، خصوصا إسرائيل وروسيا. وتشهد العلاقات الأمريكية التركية فى مجال الصناعات العسكرية مؤخرا حالة من الجمود. ومنذ عام 2002، لم تفز أى شركة أمريكية بصفقة بيع تجارية مباشرة كبرى فى تركيا، إلى أن أنجز سيكورسكى فى عام 2006 صفقة بيع 17 طائرة هليوكوبتر من طراز سيهوك فى خريف 2006. تنشيط العلاقات الأمريكية التركية: الأجندة السياسية: يطرح وصول إدارة جديدة إلى واشنطن فرصة مهمة لرأب الصدع فى الشراكة الأمنية بين الولاياتالمتحدة وتركيا، وإقامة العلاقات على أسس أكثر متانة. وقد ساعدت زيارة الرئيس باراك أوباما لأنقرة فى أبريل 2009 فى صياغة لهجة جديدة فى العلاقات بين البلدين. غير أنه من الضرورى أن يتبع الزيارة خطوات ملموسة فى عدد من المجالات المحددة فيما يلى، لضخ حيوية وقوة جديدتين فى الشراكة الأمنية بين الولاياتالمتحدة وتركيا. يجب أن تزيد الولاياتالمتحدة دعمها السياسى والاستخباراتى لمعركة تركيا ضد إرهاب حزب العمال الكردستانى. يجب أن تمارس الولاياتالمتحدة ضغطا أكبر على حكومة كردستان المحلية من أجل قمع حزب العمال الكردستانى ووقف دعمها اللوجيستى والسياسى له. ينبغى أن تتجنب الولاياتالمتحدة تصوير تركيا على أنها نموذج للشرق الأوسط. ينبغى أن تواصل الولاياتالمتحدة إبداء استعدادها لفتح حوار مع إيران وسوريا ولضم البلدين إلى الجهود الدبلوماسية للمساعدة فى استقرار العراق بينما تخفض عدد قواتها هناك. على واشنطن أيضا تكثيف جهودها لإقناع طهران بالتخلى عن أى محاولة للحصول على أسلحة نووية. ينبغى أن تدعم الولاياتالمتحدة الجهود الأخيرة لتنشيط تحسين العلاقات بين تركيا وأرمينيا، خصوصا فتح الحدود التركية الأرمنية. ينبغى أن تعمل إدارة أوباما بالتعاون مع الكونجرس لمنع تمرير قرار بشأن الإبادة الجماعية فى أرمينيا. يجب أن تواصل الولاياتالمتحدة تأييد انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبى. نظرا لحساسية قضية انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبى بين الدول الأعضاء فى الاتحاد، يجب أن تدعم الولاياتالمتحدة ضم تركيا عبر الدبلوماسية الهادئة من وراء الكواليس وتجنب الضغط العلنى أو سياسة لى الذراع. ينبغى أن تكثف الولاياتالمتحدة جهودها لدفع اليونان وتركيا إلى حل خلافاتهما بشأن بحر إيجة. ينبغى أيضا على الولاياتالمتحدة تشجيع ودعم تكثيف الحوار الذى يجرى تحت إشراف الأممالمتحدة بين الطائفتين القبرصيتين. ينبغى على واشنطن أن تشرع فى حوار استراتيجى واسع مع أنقرة حول الاستخدام المستقبلى للقواعد التركية، خصوصا قاعدة إنجرليك. يمكن أن يكون دفاع الصواريخ الباليستية مجالا مهما للتعاون الأمريكى التركى فى مجال الدفاع مستقبلا. يجب على الولاياتالمتحدة تشجيع تركيا على اتخاذ خطوات أخرى لإحياء عملية الديمقراطية والإصلاح الداخلى. يجب ألا تبالغ الولاياتالمتحدة فى رد فعلها على تنامى الوعى الدينى فى تركيا.