سيارات فولفو تكسر حاجز ال 4 ملايين جنيه    جهود الحكومة لدعم المواطنين.. «بره الصندوق»    وزير الداخلية اللبناني: 70 ألفا و100 نازح في 533 مركز إيواء جراء العدوان الإسرائيلي    أبو الغيط: لابد من تدخل المجتمع الدولي بشكلٍ حاسم لفرض حل الدولتين    جرب تدخل الاستاد| إمام عاشور يكشف عن الأغنية المفضلة له من قبل جمهور الأهلى    بمشاركة مرموش| بلزن يخطف تعادلا دراميا أمام آينتراخت في الدوري الأوروبي    استشهاد ضابط شرطة ومصرع عنصر شديد الخطورة بأسوان    تامر عبد المنعم: نستعد لحفل انتصارات أكتوبر بمشاركة فرق البيت الفني    رئيس جامعة الأزهر الأسبق: الكون كله احتفل بميلاد نبينا محمد وأشرقت الأرض بقدومه    رئيس نادي السكة الحديد: سعيد لما وصل إليه الفريق ونسعى للعودة للممتاز    أرخص شقة بمصر.. سعر المتر في وحدات الإسكان بأكتوبر رسميا    المنتدى الإقليمي للاستشارات: الأفق السياسي مغلق أمام التصعيد الإسرائيلي بالمنطقة    فنربخشه التركي يعبر سانت جيلواز بالدوري الأوروبي    أحمد الطلحي: الصلاة على النبي تجلب العافية للأبدان (فيديو)    أحوال الطقس في مصر.. شبورة مائية صباحًا على بعض الطرق    كوريا الجنوبية تدعو إلى تعزيز دور مجلس الأمن للاستجابة بشكل أفضل للصراعات الدولية    أحمد العوضي يعلق على تصريح إلهام شاهين عن الصلاة.. ماذا قال ؟    بالصور.. محمد رجب يستعد لمسلسله الجديد الحلانجي رمضان 2025    بإطلالة شبابية.. ليلى علوي تتألق في أحدث ظهور والجمهور يغازلها (صور)    خبيرة اقتصادية: هناك تحسن بمزاج المستثمرين.. وارتفاعات قريبة بالبورصة المصرية    وزير التعليم: من الآن مفيش مدرس هيخاف تاني من طالب    حملة "100 يوم صحة" قدمت أكثر من 89 مليونا و740 ألف خدمة مجانية خلال 56 يومًا    تنظم ندوة توعوية وورشة تعليم سباكة للسيدات المترددات على القافلة الطبية بقرية الفهمية بالفيوم    409.7 درجة حد أدنى للأسنان.. نتيحة تنسيق شهادة الكويت علمي علوم 2024 في مصر    أهمها شخصة رباح في دراما رمضان الماضي .. وليد فواز يتألق في 2024 ب 3 أعمال درامية وفيلم سينمائي    وزير التعليم: إعادة هيكلة المواد هدفه إتاحة الوقت اللازم لدراستها داخل المدرسة    رئيس حزب الإصلاح: عملية وصول الدعم لمستحقيه تختلف حسب الفئات    أول تعليق من «الأزهر» على تلاوة القرآن الكريم مصحوبًا بالموسيقى: «جريمة»    المملكة أرينا.. أبرز المعلومات عن ملعب السوبر الإفريقي بين الأهلي والزمالك (صور)    عادات يومية من أجل الاستمتاع بيومك للتخلص من التوتر نهائيا    وزير التعليم: نستهدف تدريس البرمجة كلغة أساسية.. المنافسة في سوق العمل ستكون عالمية    الاحتلال الإسرائيلي يقتحم بلدة السموع وقرية ارطاس    شعبة الخضروات: انخفاض أسعار الطماطم ل 28 جنيها للمستهلك نتيجة زيادة المعروض    رئيس جامعة المنصورة يشارك بمراسم توقيع عقود لفتح مكاتب هيئات بريطانية للتصنيف والتسجيل    الرئيس الفلسطينى: القدس تتعرض لحملات تهويد بهدف تغيير وضعها التاريخى    نتائج قرعة دور ال16 من كأس خادم الحرمين الشريفين    دار الإفتاء: المشاركة في ترويج الشائعات حرام شرعًا    وزير الخارجية في الجلسة المفتوحة لمجلس الأمن: السعودية ملتزمة بتعزيز العمل الجماعي لتحقيق الأمن والتنمية    نقابة المعلمين تنعى مدير مدرسة توفي بأزمة قلبية أثناء اليوم الدراسي بالمنصورة    مبادرة "بداية جديدة" تنظم ندوة توعية لمكافحة وعلاج الإدمان بجنوب سيناء    جثة ملقاة بشوارع الإسماعيلية والسبب آثار.. حبس 5 متهمين    رئيس جامعة عين شمس يستقبل السفير الفرنسي لبحث سبل التعاون    وزيرة التنمية المحلية تتابع الموقف التنفيذي للأكاديمية الوطنية للتدريب    نائب بالشيوخ: مناقشة التحول من الدعم العيني لنقدي هدفه إعلاء مصلحة المواطن    معهد تيودور بلهارس ينفي وجود مصابين بالكوليرا داخله    خبير عسكري: إخلاء جنوب لبنان بهدف توسيع دائرة المواجهة بين حزب الله وإسرائيل    ضبط أدوية بيطرية منتهية الصلاحية ومجهولة المصدر في الشرقية    5 أبراج تقع في الحب من النظرة الأولى..هل أنت من بينها؟    مصرع عامل صدمته سيارة أثناء عبور الطريق بالمنيا    عمر جابر: لدينا ثقة كبيرة في تحقيق السوبر.. ولا توجد أفضلية لأحد    بينها رد الجنسية المصرية ل84 شخصًا.. 8 قرارات جديدة لوزارة الداخلية اليوم 26-9-2024    وزارة الصحة تفوز بجائزة الأمم المتحدة للوقاية من الأمراض غير المعدية ومكافحتها    إعلام عبري يفضح سبب قبول نتنياهو بمحادثات تسوية مع حزب الله تشمل غزة ولبنان    وزير الصحة يستعرض تحديات صناعة الأدوية محليا وسبل توطينها    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس 26-9-2024 في محافظة قنا    البابا تواضروس: نتألم بشدة لاتساع رقعة الحرب في المنطقة    عاجل.. حقيقة طلب جوميز برحيل صفقة الزمالك الجديدة    أول رد من أسرة إلهام شاهين على أزمة فرح ابن شقيقها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الانتخابات فى السودان ومخاض الولادة فى الجنوب
نشر في الشروق الجديد يوم 10 - 04 - 2010

تجرى غدًا الانتخابات فى السودان بينما تتخبط البلاد مع أسئلة حول الاستفتاء واستقلال الجنوب وترسيم الحدود، وقبل كل شىء، استقرار الجنوب.
يقف السودان عند مفترق سياسى عشية الانتخابات الرئاسية والبرلمانية والمحلية التى ستجرى فى الحادى عشر من أبريل 2010. ومع اقتراب موعد الانتخابات، بدأت أحزاب المعارضة والحركة الشعبية لتحرير السودان تهدد بمقاطعة الانتخابات بسبب مزاعم بالتزوير. وقد تضع هذه المقاطعة كل من الانتخابات والاستفتاء حول استقلال الجنوب (المقرر عقده فى يناير 2011) فى حالة خطيرة من عدم اليقين.
ومع ذلك فإنه من المرجح أن تتراجع الحركة الشعبية لتحرير السودان عن التهديد بالمقاطعة، وهذه الخطوة يمكن أن تقوض لها مصلحة أساسية فى إجراء الاستفتاء على الاستقلال فى وقته المحدد. وإذا كان الأمر كذلك، فللمرة الأولى منذ عقود، سيتوجه مواطنو الدولة الأكبر فى أفريقيا إلى صناديق الاقتراع. وفيما يُرجَّح أن يحتفظ الرئيس عمر البشير بالسلطة، قد يتطلب الأمر جولة ثانية من التصويت الحاسم للفوز بالغالبية المطلقة المطلوبة. وعلى الرغم من كل الشوائب التى تعانى منها الديمقراطية فى السودان، من غير المرجح أن تكون الانتخابات الجديدة شبيهة بتلك التى تحصل فى غينيا الاستوائية حيث يصوّت 98.5٪ من الناخبين للرئيس المنتهية ولايته، ويعرف الجميع النتائج قبل أشهر من عملية الاقتراع.
لكن فى جوبا، عاصمة الجنوب، الانتخابات هى عمليا حدث من دون أهمية، وتُعتبر مجرد إجراء شكلى على الطريق نحو الاستفتاء حول استقلال الجنوب فى يناير الثانى 2011، والذى يعتبر أكثر أهمية بالنسبة إلى الحركة الشعبية لتحرير السودان التى تتخذ من الجنوب مركزا لها. فالانتخابات الوطنية هى مجرد جزء من اتفاق السلام الشامل الذى تم بوساطة أمريكية؛ آخر تنازل فى الطريق نحو الاستفتاء.
لن تُقاطع النخب السياسية الجنوبية فى الحركة الشعبية لتحرير السودان والأحزاب الأصغر الانتخابات الوطنية، لكنها ستركز كل مواردها ومناوراتها السياسية على الفوز بالمقاعد التى تأمل هذه النخب فى أن تقود إلى تشكيل حكومة دولة جنوبية مستقلة فى أقل من عام. انتخابات الرئاسة والحكايات فى الجنوب والبرلمان الذى يتخذ من جوبا مقرا له، مهمة للغاية فى هذا السياق. المنطق السياسى واضح هنا؛ فبما أن الاستقلال هو فعل إيمان فى جوبا، فلماذا يزعجون أنفسهم بانتخابات لن تدوم مفاعيلها أكثر من عشرة أشهر، فى الوقت الذى ستولد فيه دولتهم الخاصة التى يتوقون إليها منذ وقت طويل؟ لهذا السبب، عقد سالفاكير، رئيس حكومة جنوب السودان شبه المستقلة، العزم على الاحتفاظ بمنصبه فى حين أُرسِل ياسر أرمان لتمثيل الطموحات الرئاسية الشكلية للحركة الشعبية لتحرير السودان فى الخرطوم.
لكن، إذا ما كان الاستقلال يُعتبر محتوما فى جوبا، فكيف يُنظَر إليه فى الخرطوم؟ هل حزب المؤتمر الوطنى الحاكم بزعامة البشير مستعد للتعايش مع جنوب مستقل يضم أكثر من ثلثى الاحتياط النفطى للبلاد؟ وماذا عن الأحزاب الشمالية الأكثر قومية أو ميلا نحو الإسلامية التى قد تكتسب نفوذا بعد الانفصال؟
يعتبر عدد كبير من الخبراء فى الشأن السودانى الذين يدقون ناقوس الخطر حول استقلال الجنوب منذ توقيع اتفاق السلام الشامل العام 2005، أن التعايش مستحيل، ما يضع الشمال والجنوب فى مسار تصادمى قد يؤدى إلى تجدد الحرب الأهلية. ووفقا لهذه المدرسة الفكرية، سيضع حزب المؤتمر الوطنى عوائق إجرائية ويستخدم ذرائع أخرى لإرجاء الاستفتاء إلى مالا نهاية، ما سيدفع بالحركة الشعبية لتحرير السودان إلى إعلان الاستقلال من جانب واحد. وهكذا سترى دولة جديدة النور، لكنها ستكون عُرضة إلى خطر هجوم وشيك من الشمال.
لكن هذا السيناريو ليس حتميا البتة. فثمة أدلة بأن الخرطوم وبلدانا أساسية أخرى فى المنطقة مثل مصر، ليست مستعدة وحسب للتعايش مع جنوب مستقل (ولو بحذر)، بل إن هذا ما تتوقعه الآن توقعا تاما. لم يعد السؤال المطروح: هل ستولد دولة جديدة فى الجنوب العام المقبل؟ بل هل ستعيش بسلام مع جارتها وتكون دولة مستقلة قابلة للحياة، لا منطقة موضوعة تحت حماية المجتمع الدولى؟
صحيح أن السلام شرط مسبق كى تكون الدولة الجديدة قابلة للحياة، لكنه ليس ضمانة. فالدولة المائة والثالثة والتسعون فى العالم (بحسب تصنيف الأمم المتحدة) التى لا منفذ لها إلى البحر وذات الحكم السيئ (حتى الآن) والغنية بالموارد والمعرضة إلى نزاعات، ستولد مع كل الخصائص التى نجدها عند الدول الأكثر هشاشة فى العالم التى حددها عالم الاقتصاد فى جامعة أكسفورد بول كولييه. ومع اعتماد الحكومة على النفط للحصول على 98٪ من عائداتها، وفى غياب شبه كامل للبنى التحتية خارج جوبا، من الواضح أنه سيكون على المانحين تحمّل أعباء معظم الفواتير التى قد تصل إلى بلايين الدولارات سنويا دون غرق الحكومة.
ومع ذلك، من غير المحتمل أن تتجدد الحرب الأهلية السنة المقبلة، على الرغم من انعدام الثقة بين الخرطوم وجوبا. لقد تعرض اتفاق السلام الشامل إلى انتكاسات عديدة منذ العام 2005، لكنه لم ينهر، مُظهرا قدرته على الصمود تحت الضغوط. وعلى الرغم من ذهنية الربح والخسارة وسياسة حافة الهوية اللتين اتسم بها تطبيق الاتفاق طوال سنوات، قدّم الجانبان فى اللحظات الحاسمة تنازلات صعبة لإبقاء الاتفاق حيا. فقد رأى الطرفان أن فوائد التقيد بالاتفاق، ولو كانت مؤلمة فى معظم الأحيان، تتفوق على تكاليف انهياره. وتريد حكومة البشير إحكام قبضتها على السلطة وتطبيع العلاقات مع الغرب إن أمكن؛ أما بالنسبة إلى جوبا فلطالما كان الاستقلال هو المكافأة. هذه النتائج واضحة للعيان الآن، ولا تُقصى واحدة منها الأخرى.
غير أن النجاح يتطلب جولة أخرى من التسويات، ولاسيما فى ما يتعلق بعائدات النفط. سوف يكون من الضرورى الإبقاء على شكل معين من تقاسم العائدات النفطية من أجل التخفيف من وطأة التداعيات الاقتصادية لانفصال الجنوب عن الخرطوم. ويتبين الآن أن جغرافيا النفط فى السودان لا تخضع فى تفكير أى من الجانبين إلى لعبة الربح والخسارة، فالاحتياط الرئيسى موجود فى الجنوب، فى حين أن الأنابيب ومعامل التكرير موجودة فى الشمال. وسوف يكون على جوبا والخرطوم أن تتعاونا تحقيقا لفائدة الطرفين. وسيسهل هذا الواقع، إلى جانب الضغوط الدبلوماسية على حكومة جنوبية ترغب فى الحصول على اعتراف دولى، التوصل إلى تسوية تحافظ على تدفق بعض العائدات النفطية إلى الخرطوم (إنما على الأرجح أقل من نسبة الخمسين فى المائة التى تحصل عليها حاليا).
يجب أن تبدأ هذه المفاوضات جديا الآن. فهى لا تستطيع الانتظار حتى يناير 2011، عندما تكون مرحلة الانتقال إلى الدولة الممتدة لستة أشهر قد انطلقت، مع كل الإجراءات التى تشملها من ترسيم للحدود إلى الحصول على الاعتراف الدبلوماسى. يجب أن تحصل الخرطوم على تضمينات بأن استقلال الجنوب لن يتم على حسابها، سواء على الصعيد الاقتصادى أو الدبلوماسى. وفى هذا الإطار، يتعين على الولايات المتحدة أن تؤدى دورا حساسا، ولو صعبا من الناحية السياسية، عبر اتخاذ إجراءات ملموسة نحو نزع العقوبات وتطبيع العلاقات إذا تمتعت الانتخابات بالصدق نسبيا وحصل الاستفتاء فى الموعد المحدد. ومن شأن هذه الجزرة الدبلوماسية الممدودة منذ سنوات أن تمنح الخرطوم محفزات إضافية لقبول استقلال الجنوب.
لكن، حتى لو تحقق هذا السيناريو السلمى نسبيا فى الأشهر العشرة المقبلة، ليس واضحا على الإطلاق بأن الجنوب المستقل حديثا سيكون دولة قابلة للحياة تتمتع بالاكتفاء الذاتى. ويخشى حلفاء جوبا الطبيعيون (بما فى ذلك الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى وجيرانها فى المنطقة مثل كينيا وإثيوبيا) أن يُصبح جنوب السودان الدولة العاجزة التالية فى أفريقيا، ناهيك عن تحوله مصدر إلهام للحركات الانفصالية فى مختلف أنحاء القارة، بدءا بمناطق أخرى فى السودان مثل دارفور. فالتنافس على الموارد النادرة يؤلب أصلا المتحدات والمجموعات العرقية بعضها على بعض، ما أدى إلى تجاوز عدد الضحايا فى الجنوب أعداد الذين سقطوا فى دارفور العام الماضى. وبحلول يناير 2012، ربما لن تحذر عناوين الصحف الرئيسة حول السودان من تجدد الحرب بين الشمال والجنوب، بل من خيبة الأمل المتزايدة، والخصومات العرقية، والتململ داخل الجنوب نفسه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.