عندما طلب إلى توموكازو تاكيدا وهو مخرج ياباني شاب، المساعدة في إنتاج عمل وثائقي عن "اغتصاب نانجينج" لم يكن تأكيدا على دراية سوى باسم تلك المدينة الصينية، كما لم يمر بخاطره مطلقا أن يعود به ذلك العمل لذكريات جده الراحل. وقال تاكيدا "تذكرت جملة واحدة حوتها سطور كتبنا الدراسية..لم أفكر مطلقا فيما فعلته اليابان". من المقرر أن يعرض الفيلم المستقل ‘نتاجيا ويحمل اسم " ذكريات ممزقة من نانجينج" وتبلغ مدة عرضه 84 دقيقة ، بعد غد الثلاثاء خلال مهرجان هونج كونج الدولي للأعمال السينمائية الرابع والثلاثين. والفيلم يعتمد في بنائه على تسجيل شهادات الضحايا الصينيين وكذلك جنود يابانيين سابقين في الجيش الإمبراطوري ، عن البشاعات التي ارتكبها الجيش الياباني إبان احتلال المدينة. ففي 13 ديسمبر عام 1937 ، اقتحم الجنود اليابانيون مدينة نانجينج وكانت عاصمة الصين في ذلك الوقت، وقتلوا مئات الآلاف من أبناء الشعب الصيني بينهم الكثير من المدنيين في حملة عنف بالغ دامت ستة أسابيع. وخلف الهجوم ثلاثمئة ألف قتيل ، وعشرين ألف سيدة مغتصبة حسب تقديرات السلطات الصينية، ويعتقد أن أعداد القتلى من اليابانيين كانت أقل بكثير. ومع ذلك نجد بعض المؤرخين والصحفيين اليابانيين ينكرون وقوع تلك المذبحة ويصفون ما شهدته أرض نانجينج ب"الحادثة". وفي سبيل دحض تلك المزاعم اليابانية، قضى تاماكي ماتسوكا وهو مدرس سابق في إحدى المدارس الابتدائية والمخرج المساعد للفيلم، ما يزيد على عشر سنوات في إجراء مقابلات مع ما يربو على 300 من الضحايا الصينيين و250 جندي ياباني. وقال تاكيدا وهو لا يزال بعد في أوائل الثلاثينيات من عمره ، إن الجنود الذين شاركوا في تلك المذبحة كانوا "يتحدثون بوضوح شديد كما لو أن ما حدث كان بالأمس". . ويتحدث جوهي تيراموتو جندي سابقخلال الفيلم قائلا" (في نانجينج) أخبرنا الضباط الأعلى رتبة أن نقوم بالسطو والقتل والاغتصاب وإضرام الحرائق ..وفعل أي شيء". وشعر تاكيدا بالصدمة عندما رأى تباهي بعض الجنود الذين أجريت معهم المقابلات بعدد النساء اللاتي قاموا باغتصابهن. وقال تيراموتو "تعرف ..كنا شبابا ..وكنا(ندرك) أننا قد نلقى حتفنا في اليوم التالي..لذا أردنا مضاجعة أنثى(قبل أن نموت)". يقول تاكيدا إن كثيرا من الجنود " لا يزالون ينظرون للصينيين باعتبارهم مخلوقات غير آدمية.. ويبدو أنهم لم تتح لهم الفرصة لتصحيح أو عكس وجهات نظرهم تلك بعد الحرب". غير أن المخرج الشاب تذكر كيف أن الجندي الذي يبلغ من العمر الآن 90 سنة انهار وغرق في دموعه عندما سافر معه هو وماتسوكا لنانجينج وزار النصب التذكاري الذي يخلد ذكرى الضحايا. وأعادت قصص الجندي إلي أذهان تاكيدا ما قاله له جده الذي تم إرساله لنانجينج بعد مذبحة عام 1937. وقال تاكيدا إن الهدوء كان طبع جده المعتاد لكنه عندما كان يسرف في الشرب كان يصبح ثورا هائجا، وأضاف " أخبرني والداي أن الأشباح الصينية كانت تتلبس بجدي من حين لآخر ..وكان غالبا ما يصرخ..الصينيون سيهاجمونني". ومثل جده، نقل عدد محدود للغاية من الجنود اليابانيين ذكريات الحرب للجيل الذي لحق بهم، وقال تاكيدا "فقط لو كانوا تحدثوا عنها..لكنا تعلمنا أكثر بكثير مما تلقيناه في المدرسة". وأضاف ،في المقابل يحرص الشعب الصيني على توعية الأجيال المقبلة بمدى المعاناة التي تجرعوها خلال الحرب" لذا كانت هناك هوة تزداد اتساعا بين البلدين فيما يتعلق برؤية كل منهما للحرب". وعندما أخبر تاكيدا عددا من أقرانه عن الفيلم، نصحه بعضهم بعدم الخوض في الأمر ، بينما قال آخرون إن الصين أيضا كانت على خطأ. وقال "يبدو أنهم يخلطون بين الماضي والحاضر..ولا يريدون سوى التحدث عن الجانب الجيد من اليابان". ويبدو أن الرؤية تعكس افتقارا لوعي عام بتاريخ اليابان الحربي، الذي يؤكد على المعاناة التي أعقبت إلقاء الولاياتالمتحدة بالقنبلتين الذريتين على هيروشيما ونجازاكي ، لكنه يتجاهل ما اقترفته اليابان في الخارج. وقال تاكيدا "أعتقد أن الناس تحب الخوض فيما يشعرها بالارتياح". وأضاف أنه عندما زار عددا من الضحايا الصينيين، استمر في التساؤل عما فعله جده هناك. لكن بعض الصينيين ذكروه وقتها بأن الجنود اليابانيين أيضا كانوا ضحايا، الأمر الذي يمثل رسالة تذكير ربما حملها كممثل لجيل أصغر. غير أن تاكيدا تشكك في أن يقولوا الشيء ذاته للجنود أنفسهم، إذ أن كثيرا من الضحايا لا يزالون يشعرون بالخوف من المواطنين اليابانيين الأكبر سنا. وقال الجندي الياباني السابق تيراموتو "قالوا لنا ...قاتلوا من أجل الإمبراطور..لكنهم خدعونا لنخوض الحرب".