تنسيق الجامعات 2024| فتح تقليل الاغتراب والتحويلات بين الكليات لطلاب الدبلومات الفنية    50 طالباً.. التعليم تعلن قوائم الفصول استعدادًا للعام الدراسي الجديد    فيديوجراف| نجوم في رحاب «صلاح التيجاني»    تقديم 212 ألف خدمة طبية للمواطنين بسوهاج ضمن مبادرة "بداية"    48 عالمًا من جامعة طنطا ضمن قائمة ستانفورد المعلنة لأفضل 2% من علماء العالم    مركز رعاية الطلاب ذوي الإعاقة بجامعة أسيوط يحتفل بالمولد النبوي الشريف    جاكلين عازر تشهد احتفالية العيد القومي للمحافظة    انطلاق الحملة القومية للتحصين ضد «طاعون المجترات» في الشرقية السبت المقبل    قرار حكومي بتمويل المشروعات الصغيرة ودعم مبادرة التعليم الفني الشامل    رئيس جهاز مدينة أكتوبر الجديدة يتفقد وحدات "سكن لكل المصريين"    الحكومة تعلن تحرير نصف مليون محضر سرقة تيار كهربائي خلال 5 أسابيع    إسرائيل تتهم أحد مواطنيها بالتخطيط لاغتيال نتنياهو وجالانت.. القصة كاملة    في احتفالية «التضامن» بالقليوبية.. تكريم عدد من الأسر الفلسطينية المتضررة من العدوان على غزة    مسؤول أمني: الفيتو الأمريكي يكون العقبة دائما أمام أي قرار لصالح فلسطين    خبير سياسي: إسرائيل تريد مد خط غاز طبيعي قبالة شواطئ غزة    جورماهيا الكيني يصل القاهرة اليوم استعدادا لمواجهة الأهلي    عاجل.. كولر يرفض رحيل ثنائي الأهلي ويفتح الباب أمام رحيل "النجم الصاعد"    وزير الرياضة يتابع آخر تطورات المعمل المصرى لمكافحة المنشطات    بث مباشر| انفعال أحمد ياسر المحمدي أثناء تواجده داخل قفص الاتهام    "بيوصل خمور لأمها وعاشرها مرة برضاها".. مفاجأة في اعترافات مغتصب سودانية بالجيزة    حادث درنة الليبية.. تفاصيل فاجعة وفاة 11 عاملًا مصريًا في طريقهم للهجرة    مهرجان الإسكندرية المسرحي الدولي يعلن أسماء المكرمين    الأبراج الخمسة الأكثر تأثرًا بخسوف القمر    بعد 14 أسبوعا.. فيلم ولاد رزق 3 يتصدر قائمة الإيرادات وأهل الكهف يتذيل    من داخل استوديو.. أحدث ظهور ل شيرين عبد الوهاب بعد شائعة أزمتها الصحية    4 مصابين في قصف إسرائيلي استهدف المخيم الجديد في النصيرات    افتتاح فرع مكتبة مصر العامة بمدينة طيبة في الأقصر (صور)    محافظ المنيا: تقديم 3 ملايين خدمة ضمن حملة 100 يوم صحة    أطعمة ومشروبات تحافظ على صحة القلب (فيديو)    وزير الصحة يلتقي رؤساء مجلس إدارات الشركات التابعة لمجموعة "فارما جروب"    عاجل.. آخر تطورات مفاوضات انتقال نجم بيراميدز للزمالك في الميركاتو الصيفي    شكوك حول مشاركة دي بروين أمام آرسنال في قمة الدوري الإنجليزي    انفجارات البيجر بلبنان فى كاريكاتير اليوم السابع    محافظ الإسكندرية يتابع المخطط الاستراتيجي لشبكة الطرق    حزب الله يهاجم تمركزا لمدفعية إسرائيلية في بيت هيلل ويحقق إصابات مباشرة    نجم هوليود ميخائيل جوريفوي يقدم ورشة في مهرجان شرم الشيخ الدولي للمسرح    الجنايات تعقد محاكمة أحمد ياسر المحمدى المتهم بالتعدى على فتاة فى جلسة سرية    إخماد حريق نتيجة انفجار أسطوانة غاز داخل مصنع فى العياط    3 شهداء خلال حصار الاحتلال منزلا في قباطية جنوب جنين    تعرف علي دور "مبادرة ابدأ" فى محافظة القاهرة لتطوير الصناعات المتنوعة    "رحلة طويلة مع تصوير فيلم الغربان".. عمرو سعد يروج لأحدث أعماله السينمائية    إصابة شخص صدمته سيارة أثناء عبوره الطريق فى الهرم    دوري أبطال أوروبا.. برشلونة ضيفا على موناكو وآرسنال يواجه أتالانتا    بروتوكول تعاون بين «التعليم والتضامن والتنمية المحلية وتحالف العمل الأهلي» لتنمية قرى «حياة كريمة»    منظمة الصحة العالمية حذرت من انتشاره..4 أسئلة عن المتحور الجديد لكوروناXEC    إطلاق قافلة طبية بالمجان لقرية إكياد البحرية بالشرقية ضمن مبادرة حياة كريمة    إسرائيل تقدم مقترحا جديدا لوقف إطلاق النار بغزة يشمل بندا خاصا بالسنوار    وزير الري يتابع جاهزية التعامل مع موسم الأمطار الغزيرة والسيول    مأساة عروس بحر البقر.. "نورهان" "لبست الكفن ليلة الحنة"    حقيقة ادعاء فتاه قيام أحد ضباط الشرطة بالإسكندرية بإلقاء القبض على شقيقها دون وجه حق    «الإسكان» تطلق كتيبا توعويا عن قانون التصالح في مخالفات البناء    حكم صلاة الاستخارة للغير.. هل تجوز؟    كيفية الوضوء لمبتورى القدمين واليدين؟ أمين الفتوى يوضح    «افتراء وتدليس».. رد ناري من الأزهر للفتوى على اجتزاء كلمة الإمام الطيب باحتفالية المولد النبوي    حامد عزالدين يكتب: فمبلغ العلم فيه أنه بشر وأنه خير خلق الله كلهم    دورتموند يكتسح كلوب بروج بثلاثية في دوري الأبطال    لو عاوز تمشيني أنا موافق.. جلسة حاسمة بين جوميز وصفقة الزمالك الجديدة    هل موت الفجأة من علامات الساعة؟ خالد الجندى يجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«ليالي ألف ليلة».. واقعيتنا السحرية!
نشر في الشروق الجديد يوم 15 - 04 - 2023


1
لا يمضى رمضان أبدا من دون أن أعاود قراءة نص نجيب محفوظ الفاتن الساحر «ليالى ألف ليلة»؛ هذه الرواية التى لم تلقَ ما تستحقه من ذيوع وانتشار وشهرة حتى اللحظة!
لا يهم هنا كم قرأت هذه التحفة السردية حتى كدت أحفظها عن ظهر قلب؛ ولا يهم كم كتبت عنها معلقا أو محللا أو ناقدا أو مستشهدا بعبارات منها تجعل قارئها فى ذهول حقيقى من تلك القدرة البيانية «إن من البيان لسحرا» (صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم).
لكن يهمنى هنا هو هذا الحضور المتجدد والمتوهج لهذا النص الساحر الذى كتب فى أواخر السبعينيات من القرن الماضى، ونشر فى صورته الأولى على صفحات جريدة «مايو» لسان حال الحزب الحاكم آنذاك، ثم صدرت فى كتاب عام 1982. هذه سمة الأعمال الإنسانية الكبيرة الملهمة؛ ملهمة لقرائها مهما مرَّ عليها من أعوام وعقود، تثير فيهم هذا الإحساس الغامض المثير بالجمال، هذه المتعة التى لا تنفد من وراء الخيال، هذه القدرة على إثارة النوازع الدفينة داخل الإنسان للبحث والتأمل وطرح الأسئلة والكشف عن المجهول مهما كانت المخاطر التى تحوط مغامرة الاكتشاف هذه.
الغريب أن هذا النص الرائع لم يلقَ من العناية النقدية، ولا القراءة الفاحصة، ما لاقته نصوص أخرى لمحفوظ، ربما كان من أقلها تناولا (من حيث الكم) رغم أن هناك ما يشبه الإجماع بين مؤرخى الأدب ونقاده على السواء على اعتبار «ليالى ألف ليلة» واحدا من أنضج وأبرع نماذج الواقعية السحرية فى أدبنا العربى، إذا جاز التعبير والاصطلاح!
2
لم تكن رواية محفوظ الأولى (ولا الأخيرة) التى تتجه إلى كنزنا السردى الأعظم فى التراث العربى (ألف ليلة ليلة) لتستلهمه فى إنشاء نص روائى معاصر، يحمل همومه ويطرح أسئلته الوجودية والمعرفية والإنسانية، متوسلا بعناصر جمالية من التراث القصصى العربى القديم، فقبل رواية محفوظ كانت هناك «أحلام شهرزاد» لطه حسين، و«القصر المسحور» له ولتوفيق الحكيم، وبعد محفوظ بسنوات وسنوات، كتبت منصورة عز الدين «جبل الزمرد» وبين النصوص الثلاثة السابقة، نصوص ونصوص ونصوص!
لكن من بينها جميعا ينفرد نص محفوظ «ليالى ألف ليلة» بهذه القدرة المدهشة والمذهلة معا على محاورة «ألف ليلة وليلة» بجرمها الحكائى الضخم المعجز وانتقاء، من بين مئات الشخوص والوقائع والحكايات والإنس والجن والمدن الواقعية والمتخيلة، ما يحيل إلى علاماتٍ ورموز تنطق بأسئلتها، وتجسد همومها وأحلامها وتطرح رؤيتها السياسية والاجتماعية من خلال تشكيلها الجمالى، بصياغات غاية فى الإحكام والذكاء لطبيعة العلاقة بين الحاكم والمحكوم، وتفكيك بنية الفساد الأخلاقى والاجتماعى والمؤسسى، وتحليل جذور التطرف والإرهاب والتمرد العنيف.. إلخ.
3
حصل ماركيز على جائزة نوبل للآداب عام 1982، فانطلق طوفان ترجمة روايات أمريكا اللاتينية، وخاصة ما يمثل تيار الواقعية السحرية فى العالم أجمع!
ومن وقتها وربما حتى اللحظة استحوذ تيار الواقعية السحرية على وجدان الجميع؛ كتابا وقراء، ونقادا وأفرادا عاديين، لكن نجيب محفوظ كان انتهى من كتابة نصه هذا فى نوفمبر من العام 1979 أى قبل حصول ماركيز على نوبل بثلاث سنوات، وقبل ترجمة عمله الأشهر مائة عام من العزلة بذات المدة.
ووعى محفوظ بثراء «ألف ليلة وليلة» وخصوبتها الجمالية، ومركزية حضورها فى التراث الإنسانى والأدب العالمى، يسبق هذا بكثير منذ قرأها فى صباه للمرة الأولى كاملة، ثم قرأها مرة ثانية قبل أن يشرع فى كتابة روايته تلك... يقول محفوظ فى واحد من حواراته مع محمد سلماوى:
«قصص «ألف ليلة وليلة» بثرائها القصصى غير المسبوق‏،‏ تُعتبر بلا شك من أهم القصص فى الأدب الإنسانى كله‏،‏ وإذا كان تأثيرها قد امتد إلى الآداب الأوروبية، وغيرها، فإن تأثيرها عندنا كان أشد وأقوى لأنها نبعت من هذه التربة، وكانت متشربة بتراثنا العربى، فعبرت عنه كأفضل ما يكون التعبير‏،‏ وفى الوقت الذى هى أعظم الفن القصصى فهى للأسف سيئة السمعة، ولم نكن نقرأها فى الصغر إلا مبتسرة ومراقبة لما فيها من مشاهد جنسية جريئة إلى أن قرأناها بعد ذلك كاملة‏،‏ ومن مميزاتها أنها عبرت عن أحلام الإنسان كلها‏،‏ لكن البعض كان يعطى لنفسه حق مصادرة جانب من هذه الأحلام، مما كان يؤثر بلا شك على شموليتها«».‏
4
وفى ذات الحوار، يكشف نجيب محفوظ لسلماوى عن إدراكه لهذا التيار المميز فى كتابة الرواية الذى استفاد أيما استفادة من «ألف ليلة وليلة».. وذلك حينما يسأله محمد سلماوى: وماذا عن الناحية الفنية فى ألف ليلة وليلة‏،‏ هل تجد فيها أسلوبا فنيا متميزا أم أنها كما تبدو للوهلة الأولى مجرد تتابع للقصص كل وراء الأخرى؟
فيجيبه الأستاذ‏ نجيب محفوظ:‏ ألا يتحدثون الآن عن أسلوب فنى جديد فى الرواية العالمية يعرف باسم الواقعية السحرية؟‏
إن بداية «الواقعية السحرية» هى هنا فى «ألف ليلة وليلة» التى مزجت ما بين الواقع والخيال، والحقيقة والسحر، كما لم يفعل أحد من قبل‏،‏ ولعل من كتبوا فى أمريكا اللاتينية مثلا بأسلوب «الواقعية السحرية» قد تأثروا بها‏،‏ لأن أغلبهم يعترف بالقيمة الفنية الكبيرة ل«ألف ليلة وليلة».
بهذا الإدراك والوعى العميق بألف ليلة وليلة فى التراث العربى والإنسانى معا، وبتطور أشكال السرد فى الرواية العالمية، وظهور تيار الواقعية السحرية فى الأدب العالمى، سبق محفوظ الجميع، فى أدبنا العربى، بكتابته «ليالى ألف ليلة»..
5
ما من مرة قرأت فيها هذه الرواية إلا وتمنيت (والتمنى يكون للمحال!) لو أن محفوظ كتب أعمالا أخرى على غرار (ليالى ألف ليلة) أو حتى أعاد كتابة حكايات (ألف ليلة وليلة) القديمة كلها فى صورة روائية حديثة.. لو حدث هذا لكنا ظفرنا بكنز عظيم من الإبداع والفن الخالدين..
(وللحديث بقية)


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.