«بعد ثمانية وثلاثين عاما من التهجير القسرى يقرر وليد دهمان العودة إلى الأرض المحتلة لرؤية والدته والاقتراب حسيا من ذاكرته وزيارة شبابه الذى تركه معلقا فى غزة، وفى الطائرة يتعرف دهمان الفلسطينى المطرود من أرضه على دانا أهوفا الإسرائيلية التى تجلس فى المقعد المجاور له، ثم تتفرع من خلال هاتين الشخصيتين الشخصيات والأحداث والحكايات فى رواية «السيدة من تل أبيب»، للكاتب الفلسطينى الذى يعيش فى لندن «ربعى المدهون»، وهى الرواية التى ذاع حولها الكثير من الجدل الإيجابى. ويبدو أن رواية المدهون تدور على تخوم السيرة الذاتية، أو تتقاطع مع بعض تفاصيلها الصغيرة، فالكاتب فلسطينى مهاجر مثل بطله، لكنه مولود فى مدينة المجدل / عسقلان 1945، وقد هاجر المدهون بعد نكبة 48 مع عائلته إلى قطاع غزة حيث أقام فى خان يونس، وأتم تعليمه ما قبل الجامعى، قبل أن يحصل فى عام 1970م على ليسانس الآداب قسم تاريخ من جامعة الإسكندرية، ويعمل حتى الآن فى الصحافة. ربعى المدهون تتنوع كتاباته ما بين القصة القصيرة والدراسات السياسية، والسيرة الذاتية، وأهمها فى هذا السياق «طعم الفراق.. ثلاثة أجيال فلسطينية فى ذاكرة».. ما يوحى بمركزية القضية الفلسطينية فى وعيه وأعماله. لكن هذا لا يعنى إمكانية إدراج أعمال الكاتب تحت مايعرف ب«أدب المقاومة»، فأعماله فى مجملها تتجاوز هذا المفهوم الذى صار قديما فى رأى الكثيرين، لكنها أيضا لا تعنى نفيه وإنما الابتعاد عنه، والاقتراب أكثر من صورة الواقع الراهن الذى يتطلب نوعا مختلفا ومغايرا من الكتابة. هذه الكتابة لا تتوقف فى رأيه عند تجاوز التقليدى وإخراج الفلسطينى من صورته النمطية وحسب، وإنما أيضا إحداث نقلة على المستوى الفنى، تخدم القضية التى تغيرت معطياتها وبالتالى يجب تغيير طرق التعبير عنها. لكن يجدر توضيح أن هذه المعطيات الجديدة ليس من ضمنها مسألة الاعتراف بالآخر الإسرائيلى، وإنما كيفية التعامل معه، باعتباره واقع لا مفر من التعايش معه. ومن أجل هذا يعمل الكاتب دائما على تخليصه من إسرائيليته الراهنة فنيا، والانطلاق من الإنساني فى الصراع الفلسطينى الإسرائيلى للكشف عن كل ما هو غير إنسانى. ربما يكون لهذه النظرة المغايرة للقضية الفلسطينية وطريقة التعامل معها علاقة بوجود الكاتب فى لندن حيث يحمل الجنسية البريطانية، ويعيش، ويعمل هناك، لكن المرجعية الفلسطينية لوعى وتكوين الكاتب ربما تمنح فوزه بجائزة البوكر الجدلية بعدا سياسيا، يحيل الإبداع الفلسطينى إلى نصر للقضية أو هزيمة لها. على أن الأمر الذى يشغل بال الكاتب الفلسطينى فى الحالتين، الفوز أو عدمه هو تقديم، وتصدير الحكاية الفلسطينية، والتى يرى أنه قد آن لها ان تحتل مكانها، وبصورة خاصة فى الوعى الغربى، لكى تقف فى مواجهة الحكاية الأخرى، الحكاية الإسرائيلية، التى لا تزال تستغل البعد الإنسانى لما تعرض له اليهود من قمع على مر العصور، وما حدث أثناء الحرب العالمية الثانية وبعدها، فى تبرير اغتصابها للأرض العربية، وتفرض نفسها على الوعى الغربى وتؤثر فى موقفه العام من الصراع.