هو أحد المواهب الحقيقية فى عالم الموسيقى والغناء، يعشق السباحة ضد التيار فتشعر كأنه يعزف منفردا على أوتار الناس، فيغنى «زعلان شوية» و«ناقص حتة»، ويذهب إلى مدى أبعد فيغنى رباعيات صلاح جاهين بعد أن شكل مع مجدى نجيب وعلى سلامة باقة فنية رفيعة المستوى. «الشروق» التقت المطرب والملحن وجيه عزيز فى هذا الحوار. الشروق: ألبومك الأخير «ناقص حتة» كان كالعادة ناقص حتة.. وأقصد التوزيع لماذا؟ عزيز: ربما لأن نوع الأغانى التى أقدمها لا تحمل فى خصائصها السهولة التى يمكن أن توزع بها أعمال أخرى حتى على مستوى الدعاية وتلقى القنوات الفضائية والإذاعية لها، فهم يشعرون بغربة تجاه هذه الأغانى ولايجدون لها مكانا فى خريطتهم. الشروق: ما الغريب فيما تقدمه؟ عزيز: فى فترة من الفترات كانوا يقولون إن هذه الأغنيات لا تتناسب مع سياسة المحطة.. فى إذاعة نجوم fm مثلا أذاعوا أغنياتى بعد عام من طرحها دون سبب واضح، وأنا لا ألومهم ولكن ربما الصدفة هى ما صنعت ذلك. الشروق: لماذا لايوجد منطقة رمادية فى تلقى الناس لك إما يحبونك إلى اقصى درجة أو لا ولأقصى درجة أيضا؟ عزيز: أعتقد أن هذا شئ طبيعى فى الفن أن تحب أو لا تحب، أما الناس التى تحيرك جدا ولا تستطيع أن تعرف إذا كنت تحبها أم لا فهذا برأيى ليس جيدا. الشروق: الإقبال الجماهيرى فى حفلاتك عكس تماما الإقبال الإعلامى عليها بماذا تفسر هذا الحاجز بينك وبين وسائل الإعلام المختلفة؟ عزيز: الموضوع أصبح واضحا وصريحا وليس محيرا كما تعتقد، فالقنوات الفضائية التى تفتح كل يوم تتعامل بمنطق التاجر وهم يرون أن الأغانى التى يجب أن يعرضونها هى تلك التى يستطيعون أن يكسبوا من ورائها عن طريق «الأس أم أس» و«الكول تون» وغيرها، وأغنياتى من وجهة نظرهم ليس لها مكان فى فاترينة العرض التى يملكونها. الشروق: أنت ملام ومقصر أيضا فأنت لم تقدم أغان بطريقة الفيديو كليب منذ فترة؟ عزيز: هذا صحيح، والحقيقة أننى رافض مبدأ الانتشار من خلال الفيديو كليب لأنى أغنى منذ أكثر من عشرين عاما وطيلة هذه الفترة لم أفكر فى أن أبيع فنى لأحد، فهل من المعقول أن أبيع نفسى الآن وأن أقوم بتسويق نفسى بعد كل هذه المدة. أعتقد أنه من غير المقبول أن أفعل ذلك، مثلا أحد معدى البرامج فى قناة فضائية طلب منى أن أحمل ألبوم ناقص حتة وهم يستضيفوننى فرفضت واقترح أن تفعل المذيعة نفس الشىء فرفضت أيضا، فأنا مؤمن بأن الفن الجيد لا يباع أو يشترى ولو كنت أملك أن تكون حفلاتى مجانية دائما لفعلت. الشروق: البعض يرى أن ما تفعله وتؤمن به ربما يكون فى غير محله وأنك ربما تكون «مزودها حتة» ؟! عزيز: أعتقد أن جمهورى يفهم ما أعنيه ويقدره بدليل زيادته التى تفاجئنى فى كل مرة أقدم فيها حفلة، فأنا أجد فى هذه الحفلات جماهير مختلفة ومن أعمار متفاوتة وهذا يسعدنى جدا فكثيرا ما أجد أطفالا يرددون ما أغنيه. الشروق: تقول إن جمهورك من فئات وأعمار مختلفة فى حين أنك محسوب تماما على اليسار المصرى وجمهور المثقفين؟ عزيز: صدقنى هذا غير صحيح، وأنا فى الأساس لم يكن يعنينى هذا التصنيف وأنا أغنى للإنسان بشكل عام سواء كان مثقفا أو غير مثقف. الشروق: البعض يربط بينك وبين مطربى الضد كما يطلق عليهم فى لبنان زياد رحبانى ومرسيل خليفة وأحمد كعبور وغيرهم؟ عزيز: أنت لا تقصد أن تكون ضد السائد، أنت تقدم ما تؤمن به وتحبه دون أن تضع فى عقلك ما يريده الجمهور وما يمكن أن يكون سائدا لديهم من أجل أن تبيع، وفى النهاية يخرج ما أؤمن به ضد السائد ولهذا يتم وصف ما أقدمه بأنه مختلف. وصدقنى أنا لم أقصد ذلك، أنا فقط أقدم ما أحبه ومؤمن به كما قلت لك، المسألة كلها أنها مجموعة أشياء تجعلك فى هذه المنطقة، منها ثقافتك، منها إحساسك بما يحدث حولك ورفضك أن ترخص نفسك كما يفعل الآخرون ووسط هذا كله ربنا بيوفقك فى العثور على ناس لديها نفس القناعة فنتلاقى ونقدم ما تسميه أغانى ضد. الشروق: هل واجهت مشكلات رقابية فيما تقدمه؟ عزيز: قديما كان هذا يحدث لكن الآن والحمد لله لم تعد هناك أى مشكلة. الشروق: لكن من المؤكد أنك تواجه مشكلات إنتاجية؟ عزيز: حتى هذا لا يحدث، لأن ألبوماتى تقريبا أنا الذى أنتجها والحقيقة أنها لاتتكلف الكثير فأنا أسجلها فى الأستوديو الذى أنشأته فى شقتى وهى من ألحانى وتوزيعى، والشعراء الذين أتعاون معهم مثل على سلامة ومجدى نجيب لا يتقاضون أى شىء ثمنا لهذه الأغنيات حتى عندما فكرت فى مشروع صلاح جاهين كان بهاء جاهين كريما معى إلى درجة لم أتخيلها. وإضافة إلى مساهمات الأصدقاء ليس لدى مشكلة، كان هذا يتم فى الماضى أما فى المستقبل فأنا أرى أن العملية الإنتاجية فى مجال الألبومات الغنائية إلى زوال ولن تجد من ينتج أصلا لى أو لغيرى. الشروق: فؤاد حداد وبعده محمد ناصر ومجدى نجيب وعلى سلامة والآن صلاح جاهين، هل تختار من تغنى له وتوقيت ذلك أم يحدث هذا صدفة؟ عزيز: بدايتى مع فؤاد حداد لم تكن اختيارى وإنما كانت اختيار مسرح الطليعة سنة 1988، عندما لحنت مسرحيتى 100بوتيك وكروان الفن من شعر فؤاد حداد، ثم بدأت بعدها فى التلحين لإبراهيم عبدالفتاح ومحمد ناصر ثم تعرفت على مجدى نجيب عام 1993وقدمت معه عددا كبيرا من الأغنيات لمحمد منير ولى أنا شخصيا. ثم مرحلة على سلامة فهناك أشياء أنا اخترتها وأشياء جاءت بالصدفة، لكن مرحلة صلاح جاهين أنا اخترتها لأنى شعرت أن الرباعيات لابد أن تغنى الآن وبصورة مختلفة ولهذا قررت أن أقدمها فى فيلم سينمائى غنائى استعراضى، والحمد لله هناك من تحمس للفكرة وإن كانت لم تكتمل عندى بعد. الشروق: سبق أن لحن الموسيقار سيد مكاوى الرباعيات من قبل هل أنت مستعد للمقارنة والمنافسة؟ عزيز: أنا لن أقدمها بنفس الطريقة التى قدمها بها الرائع سيد مكاوى فى ألبوم غنائى، ولكن سوف تقدم فى شكل درامى مختلف. الشروق: محمد منير أكد أن العالم أفلس غنائيا هل توافقه الرأى؟ عزيز: لا أوافق نهائيا على ذلك مع احترامى لمنير، ففى مصر ملحنون رائعون ومؤلفون متجددون، ولهذا لست مؤمنا بمسألة الفلس هذه، وأعتقد أن المشكلة فيمن يقدم كل يوم لحنا وهو شىء غير منطقى لأنه فى النهاية سوف تقدم مسخا لا فنا، أنا أرى أن الغناء أفلس اقتصاديا وليس فنيا بسبب الإنترنت وسرقة الألبومات، ولم يعد هناك شركات إنتاج أصلا. الشروق: ولكن هناك شركات مازالت مستمرة؟ عزيز: حدثنى عن الشركات التى أغلقت، أين نصر محروس وشركة دلتا ميراج وساوند أوف أمريكا وغيرها وهى شركات كانت تنتج حتى وقت قريب لكنها أفلست، والذى ينتج الآن من الشركات التى تقصدها سوف يغلق أبوابه غدا لأنه ينتج بشروط قاسية جدا. الشروق: على المستوى الفنى متى نرى أغنية بديلة للسائد المستهلك والمكرر من وجهة نظرك؟ عزيز: المشكلة أن الذين يسعون الآن لتقديم أغنية بديلة عن السائد يريدون أن يتعاملوا معهم كما تعامل هيفاء وهبى، لكن من يريد أن يقدم فنا مختلفا وحقيقيا لابد أن يستغنى عن أشياء كثيرة. الشروق: هل يمكن أن تستغنى عن الفلو ؟ عزيز: لو استطعت أن تصل لمرحلة تكون فيها بسيطا ومتواضعا فى حياتك وغير بسيط ومتواضعا فى فنك فهذا شىء جيد جدا، لكن لو قررت أن تعظم من حياتك على حساب فنك فتلك هى المشكلة. الشروق: هل تدعو للزهد فى الفن؟ عزيز: إطلاقا ولكنى أدعو إلى أن يهتم الناس بفنهم أكثر، والعبرة نأخذها من سيد درويش وموتسارت وكل الفنانين الكبار الذين رحلوا دون أموال لكن برصيد فنى عظيم، فأنا راض بما يأتينى ولا أطمع إلا فى فنى. الشروق: بمناسبة الحديث عن هيفاء ونانسى وغيرهما، هل حاولت إحدى الفنانات أن تلتقى بك فنيا وتأخذ منك لحنا مثلا؟ عزيز: أظن أنهم لا يعرفوننى أصلا. الشروق: لكنك تعرفهم؟ عزيز: طبعا، من الذى لا يعرف هيفاء ونانسى بغض النظر عن كونهما مطربتين أم لا، فأنا أعتبر نانسى صوتا جيدا لكن هيفاء ليست مطربة بأى حال من الأحوال، كما أعرف شيرين واعتبرها من الأصوات الجيدة جدا. الشروق: هل يمكن أن تلحن لأى من المطربين الجدد؟ عزيز: أعتقد أننى لو التقيت فكريا مع أحد فسوف ألحن له، لكن الحقيقة أن هذه المسألة تحتاج إلى جرأة بعض الشىء من المطربين ولا أقصد أنه يجب أن يغنى كلاما سياسيا ولكن لابد أن يكون جريئا فكريا قبل أى شىء. الشروق: أشعر أن جرأة الكلام تظلم جرأتك اللحنية؟ عزيز: تعلمت أنه لا يوجد عمل جيد به عنصر أقل من الآخر، من الممكن أن تصلك الكلمات قبل اللحن، لكن فى النهاية العمل الفنى المحترم لابد أن يكون متكاملا بين الألحان والكلمات.