كيف يرى الأمريكيون الإسلام والمسلمين؟ هذا هو السؤال الرئيسى الذى نوقش أمس، ضمن أسئلة أخرى تضمنها مؤتمر بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، لعرض دراسة «التصورات الدينية فى أمريكا، مع تحليل متعمق للاتجاهات الأمريكية نحو المسلمين والإسلام»، وهى الدراسة التى أعدها معهد جالوب الأمريكى لأبحاث الرأى العام. «إعلان التحيز ضد اليهود يكون الأعلى ارتباطا بإعلان التحيز ضد المسلمين، وسط الشعب الأمريكى، فمن يتحيز ضد اليهود نتوقع أن يتحيز ضد المسلمين ب 32 مرة . هذه هى إحدى أكثر النتائج إثارة للجدل فى الاستطلاع والتى أطلعنا عليها محمد يونس، أحد الباحثين الرئيسيين بالمعهد وأبرز القائمين بالاستطلاع. يونس المصرى الأصل الأمريكى الجنسية يعتقد أن نتائج الاستطلاع تفتح آفاقا جديدة، وغير متوقعة للتعاون بين الجالية اليهودية والمسلمة فى أمريكا. ويضيف، خلال حديثه ل«الشروق»: «قد تكون هذه النتيجة صادمة لمواطنى الشرق الأوسط، حيث الصراع الفلسطينى الإسرائيلى يأخذ منحى دينىا يدفع البعض للاعتقاد بوجود تعارض فى المصالح بين الديانتين الإبراهيميتين، لكن الأمر فى الحقيقة قد يكون مختلفا. لقد تربيت فى سنوات طفولتى فى ثاوث كارولينا فى الولاياتالمتحدة، وكان المسجد على تعاون مستمر مع أكبر المعابد اليهودية فى الولاية، وبرز التعاون أكثر فى مجالات الأطفال المشردين والتدخلات التنموية، وكان الأمر إيجابيا للغاية. أعتقد أن هناك تحديا مشتركا أمام اليهود والمسلمين فى أمريكا للعمل معا من أجل تحسين قبول الأمريكيين للمختلفين دينيا، وهو ما يرغبه الشعب الأمريكى، حتى لو كان لا يعرف طريقة تحقيق ذلك». وحول إحدى نتائج الاستطلاع التى تشير إلى أن 53 % من الأمريكيين يعرفون شخصا مسلما، فى حين يعرف81% منهم يهوديا قال «أعداد اليهود والمسلمين فى أمريكا متساوية تقريبا، بالرغم من عدم وجود إحصاء رسمى لأعداد السكان على أساس الدين، لكن غالب القول إن أعداد الجاليتين متساوية وتتراوح ما بين 3 إلى سبعة ملايين لكل منهما، وهو رقم ضئيل للغاية وسط الشعب الأمريكى الذى يتجاوز تعداده 320 مليونا، ومن المستحيل علميا أن يكون أكثر من نصف الشعب الأمريكى قد قابل رجلا مسلما فى حياته، أو أن 81 % منه قابل شخصا يهوديا، هذا الأمر غير مقبول إحصائياً، لكن ما يحدث فى الغالب هو أن الأمريكى يخلط ما بين المسلم واليهودى والهندى والإثيوبى، ويعتقد أنه قابل يهوديا أو مسلما لمجرد أن لونه قمحى، أو اسمه ينتهى باسم شهير وسط الجالية اليهودية أو المسلمة». وأضاف «الاهتمام بالعالم الإسلامى لم يظهر فى أمريكا إلا بعد أحداث 11 سبتمبر، وبالرغم من أن تجربة الجالية المسلمة فى أمريكا أفضل كثيرا من تجربتها فى أوروبا من حيث الوضع التعليمى والاقتصادى، إلا أن عموم الشعب الأمريكى من غير المتخصصين لم تكن لتهتم حتى بمعرفة اسم رسول الإسلام، إلا بعد ضرب برجى التجارة، وهذا لم يمنع أن تكون لدى الشعب الأمريكى كل الرغبة فى تحسين العلاقة مع العالم الإسلامى والشرق بشكل عام، بدليل انتخابه للرئيس أوباما. وقد نشطت عشرات المنظمات الإسلامية بالفعل لتعميق حالة الحوار وتحسين العلاقات لكن عدد المسلمين فى أمريكا وتركيبهم السكانى المتعدد الأعراق والثقافات، كل هذا لا يسمح بأن تُثمر هذه الجهود على الأقل فى وقت قريب». وعما إذا كان إعلان 53% من الأمريكيين أنهم منحازون ضد الإسلام يعنى رفض الشعب الأمريكى للمسلمين، قال: «دراسة معهد جالوب لم تسع لقياس الانحياز الحقيقى ضد الإسلام، بل قياس الانحياز المعلن، وهناك فرق كبير فى المجال البحثى، فقياس الانحياز الحقيقى يكون من خلال مؤشرات مركبة تسأل مثلا عن مدى موافقة الأمريكى على السكن بجوار مسلم أو الزواج من مسلم أو مسلمة أو مشاركته العمل، وليس بسؤاله حول ما إن كان منحازا أم لا، وحتى لو إن الإعلام العربى قدم الدراسة على أنها تقيس الانحياز الحقيقى فهذا غير صحيح، هناك دراسة أخرى نجريها حاليا فى أمريكا وأوروبا لقياس الانحياز الحقيقى ونتائجها لم تظهر بعد». وأضاف يونس «التحيز ضد الشعوب الغريبة أمر معتاد منذ نشأة الولاياتالمتحدة وهى جزء من حكايات نشأة أمريكا، لكنها لا تمثل طبيعة فى الشعب الأمريكى الميال لقبول الآخر إذا امتلك المعلومات الصحيحة عنه. وقد يختلف هذا مع سياسات النظام الأمريكى الذى تحكمه المصالح، إلى درجة قد تدفعه لتعميق الصورة السلبية تجاه مجموعات بعينها من البشر على أساس مصالح سياسية واقتصادية، وقانونا التحيز ضد الآخرين لا يمثل جريمة فى القانون الأمريكى، بينما يمنع القانون التمييز ضد أى أقلية، لذلك نجرى الدراسة الحالية عن الانحياز والتمييز». يونس تحدث عن دور الإعلام الأمريكى فى تكريس صورة ذهنية سلبية تجاه المسلمين، مشيرا إلى أن 90% من المادة الإعلامية التى تقدم فى وسائل الإعلام الأمريكى والمتعلقة بالإسلام يكون المتحدث فيها من منظمات أو جماعات مسلحة، مثل القاعدة وحزب الله وحماس بينما 90% ممن يتحدثون فى الموضوعات المتعلقة بالمسيحية يكونون من رجال الدين والنشطاء فى الجمعيات المدنية، وهو ما يكون له أكبر الأثر على صورة الإسلام لدى الأمريكيين. لكن أن يعتقد 16% من الأمريكيين فى أن المسلمين فى دول المنطقة يريدون المساواة الكاملة بين المرأة والرجل، فى حين يوافق 8% فقط من قضاة مجلس الدولة فى مصر على تحقيق هذه المساواة عمليا، بدا مفارقة متوقعة ليونس، فإعلان المواقف المطلقة خلال ملء استمارة استبيان يختلف عن التصرف العملى عندما يتعلق الأمر بتغييرات على أرض الواقع الحقيقى. وأضاف «عندما أجرينا استطلاعا فى دول إسلامية حول ما إن كان الناس يرغبون فى تأسيس دستور جديد يساوى بين المرأة والرجل وافق85 % من السعوديين و73% من المصريين، لكن بالطبع عندما يأتى وقت تنفيذ هذه المساواة تختلف الآراء كثيرا، وهذا أمر طبيعى فى كل دول العالم، ولو بنسب مختلفة». «الحياة فى الحقيقة تختلف كثيرا عن التوقعات النظرية، هذا ما تُعلِمنا إياه استطلاعات الرأى والدراسات الميدانية» وفقا ليونس الذى يضيف: «توقع الكثيرون أن تظهر الدراسات أن الفقراء فى أمريكا أكثر تحيزا ضد الآخر الدينى أو العرقى، وكانت النتيجة العكس، إذ ظهر أن الفقراء أكثر تسامحا، وكنا نعتقد أن من يعرف شيئا عن الإسلام كاسم الرسول أو القرآن أو من تعامل مع شخص مسلم سيكون أكثر تسامحا مع الإسلام، وثبت أن كل هذه التوقعات الافتراضية غير صحيحة». 100% من المصريين متدينون هكذا طالعتنا الصحف بنتائج استطلاع حول التدين فى 150 دولة فى العالم أجراها معهد جالوب، لكن محمد يونس ينفى، ويقول «لم نقل إن كل المصريين متدينون ولم نقس درجة تدينهم، هذا الخلط غير علمى، فى الحقيقة كنا نسأل المشاركين فى الاستطلاع: هل للدين تأثير على حياتك؟ فكانت إجابة 99% من المصريين بنعم، وهذا لا علاقة له بتدينهم، فلو سألنا سيدة غير متدينة تماما من أفغانستان هل يؤثر الدين على حياتك؟ ستكون الإجابة بنعم بكل تأكيد. أما إذا أردنا أن نقيس درجة التدين لدى المصريين أو أى شعب آخر فهذا يحتاج لتصميم مؤشرات مركبة ومتراكمة، وهذا بعيد تماما عن عمل مراكز أبحاث استطلاعات الرأى». وحول غياب مراكز استطلاعات الرأى فى مصر قال يونس: «قابلت الدكتور ماجد عثمان المسئول عن مركز معلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء وهو باحث جيد، ويتبع مركزه أسسا علمية مقبولة، بل وأغلبها معتمد دوليا، لكن غياب التعدد والتنافسية يحرم مصر كثيرا من وجود مراكز نشطة وعلمية وتحظى بالمصداقية الكافية».