يبدو المرسم الخاص بالمصغراتية وكأنه مشهد من الأفلام المصرية القديمة تملأه بيوت نوبية تملك زخارفها سحرا للعيون، وكذلك تبدو البيوت الريفية متقنة بأدق تفاصيلها من أفران ومصاطب لا تختلف شيئا عن البيوت الحقيقية، إلا أن حجم الواحد منها بالكاد يتجاوز كف اليد. عبير سعد الدين المصغراتية قررت أن تكون تلك المجسمات منطلق لنشر تراث البيت الشعبي المصري، إذ لا تكتفي عبير بعمل القطع الفنية بل تجمع الأفال من حولها لتبث بهم روح الإنتماء لتراثهم الشعبي في ورشتها التعليمية. وتقول عبير سعد الدين الشهيرة بالمصغراتية في حوارها مع "الشروق"، إن هدفها الترويج للتراث المعماري بالثقافات الشعبية المصرية المتنوعة وتخريج أجيال تنتمي لثقافتها المصرية وتراثها المعماري الغني بالمفردات والألوان. وتحكي عبير أن حبها لمفردات التراث الشعبي البسيطة لازمتها منذ طفولتها، إذ قامت خلال مسابقة لقصر ثقافة الجيزة حين لم تكن تجاوزت 16 من عمرها بدمج فن الخيامية التراثي بفن الكولاج العصري، واستبدال رموز الكولاج بمفردات تراثية كالكف والخرزة وغيرها للتعبير عن التراث الشعبي. وعن بداية ولعها بالمصغرات، تقول عبير إن ابنها طلب منها ذات مرة عمل بيت عرائس ليلعب به وأثناء عملية البحث استوقف عبير مدي جمال المصغرات وقوتها في التعبير عن الصورة، ومدى احتياج التراث المعماري للبيوت المصرية لإعادة الإحياء والترويج بين الأجيال القادمة ما جعل مصغرات البيوت هوايتها الأساسية. وتحكي عبير عن أول بيت صنعته وكان من التراث النوبي، وتقول إنه مليء بالألوان والزخارف الجاذبة للعينين. وتكمل عبير عن أول بيت من صنع يديها إنه كان إهداء لصديقة نوبية كانت من ألهمتها تصميم البيت من كثرة حكاياتها عن النوبة، ومن شدة إتقان عبير لتفاصيل البيت تضيف إن متحف تراث الأقصر طلب البيت ليتم إلحاقه بمقتنيات المتحف. وعن كيفية استلهام التصاميم، تقول عبير إنها تحرص علي مقابلة أبناء الثقافات المتنوعة من نوبيين وريفيين ومن ساكني المناطق الشعبية؛ لأخذ آرائهم قبل الخروج بأي تصميم، بجانب مشاهدة الصور الفوتوغرافية وممتابعة الأفلام القديمة التي كان لبيوتها حظا من صناعات عبير على غرار بيت السيد أحمد من فيلم قصر الشوق، والذي حرصت عبير حسب قولها على إظهار أدق تفاصيله من الآية المعلقة أعلي السرير النحاسي لشماعة الملابس للمشربية وغيرها. وعن سعيها لنقل حب التراث للأجيال القادمة، تقول عبير إنها جعلت الطفل نصب عينيها لذلك أعدت ورشة تعليمية لتدريب الأطفال على إعداد مصغرات البيوت المصرية والتي تمضي فيها حسب قولها 20 ساعة أسبوعيا. وعن أسلوب التدريب للأطفال، توضح عبير أن البيت النوبي يكون المستوى الأول للمبتدئين؛ لبساطة تفاصيله رغم كثرتها ولوجود معظم المفردات التراثية من قطع أثاث فيه، بجانب كثرة ألوانه وزخارفه المحببة للطفل. وتضيف عبير إنه بعد إتمام الطفل للبيت النوبي ينتقل للبيت الريفي الأكثر تعقيدا والمليء بالتفاصيل الأصعب. وعن تجاوب الأطفال تقول عبير إنه من جهة الشغف لاحظت استمرار الأطفال حتي أوقات العطلات وأما من جهة الإتقان، فقد شارك العديد من أطفالها بمعارض فنية ومنهم من حقق مركزا متقدما في منافسة مع عدد من الفنانين الأكبر سنا والمتمرسين بفن المصغرات. وتقول عبير إنها لم تكتفي بالمستوي المحلي لتحرص على إحياء التراث المعماري العربي إذ عملت مع عدة متدربين مغاربة علي عمل نماذج من منازل شفشاون المغربية والتي تشترك مع البيوت النوبية في كثرة الألوان والتفاصيل التي تشكل عامل الإبهار بفن المصغرات. وتوضح عبير إنها مع متدربيها من العرب تحرص علي تدريبهم أولا علي نماذج البيوت النوبية تماما كما تفعل مع المصريين وتستطرد عبير إن عملها بالتراث العربي لم يقتصر على البيت المغربي، إذ خاضت تجربة مع متدربة أخرى على نموذج للبيت البحريني بينما تلقت طلبات للتوسع بالعمل على البيوت التونسية. وعن شهرة مصغر البيت المصري عالميا، تقول عبير إنها شعرت بقدر كبير من السعادة أثناء تواجدها بمعرض تراثنا حين زارها عدد من اليابانيات المتابعات لعملها والقادمات لرؤيته مباشرة. وتضيف أنها تمكنت من المشاركة بعدة معارض بدول أخرى خارج مصر بينما تتلقي دعوات من هواة فن المصغرات بالولايات المتحدةالأمريكية لعرض نماذج من عملها عبر مجموعات التواصل الاجتماعي الخاصة بهم. وعن قدرة فن المصغرات علي تجسيد تراث البيت المصري، تقول عبير إن التصوير الفوتوغرافي يملك قدرة كافية علي نقل أدق التفاصيل الشكلية إلا أن المصغرات من ينقل الروح ويدب الحياة في مجسم لبيت. وعن ردة فعل من يشاهد أعمال المصغرات، تقول عبير إن كثيرين أخبروها أمنيتهم بأن يتم تصغيرهم للعيش في تلك البيوت. وعن علاقتها بهيئات التراث المصري تقول عبير إن تلك الهيئات والمتاحف كانت من أكبر داعميها ما جعلها تحول شكرها لهم لمجسمات ملموسة من المصغرات، إذ قامت بتصغير مقتنيات المتحف الفن الإسلامي لتضفي عليها أدق التفاصيل منذ مرحلة النحت والصب إلى مرحلة التعتيق التي تتضمن وضع لمسات القدم وعامل الزمن علي الصحون والأنسجة القماشية واأبواب التي يتم تصغيرها قبل إهدائها للمتحف للاحتفاظ بها.