بعدما غطت إعلانات القصور والفيللات، سواء فى المنتجعات السياحية أو فى المجتمعات العمرانية الجديدة على أطراف القاهرة، صفحات الصحف خلال العامين الماضيين، بدأت الظاهرة فى التراجع لتعود الطبقة المتوسطة، وما يناسبها من إسكان متوسط التكلفة والربح، إلى دائرة اهتمام شركات الإسكان. تقدمت 33 شركة استثمار عقارى الشهر الماضى بطلبات إلى وزارة الإسكان لتعديل تراخيص مشروعاتها فى المدن الجديدة بخفض عدد الوحدات الفاخرة وتحويل جزء منها إلى متوسطة تتراوح مساحاتها بين 80 و200 متر، مما سيضيف آلاف الوحدات السكنية المتوسطة وفوق المتوسطة وستقلل المطروح من الوحدات الفاخرة. يأتى هذا الاتجاه بعد أن كانت شركات التنمية العقارية قد ركزت خلال السنوات القليلة الماضية على الإسكان الفاخر، للاستفادة من ارتفاع أرباح هذا النوع من الإسكان. ولكن كثرة المعروض من الوحدات الفاخرة من ناحية، وتراجع الطلب على الإسكان الفاخر، فى ظل وجود الأزمة المالية العالمية، من ناحية أخرى، قلص هذا الاتجاه. يرى شريف حافظ، رئيس شركة ماسبيرو للتنمية العقارية، أنه لم يعد هناك خيار أمام شركات الإسكان، فالاتجاه إلى القطاع الذى يلائم الطبقة المتوسطة أصبح اختيارا إجباريا فى ضوء الأزمة، وهو ما يؤكده نهاد رجب، رئيس شركة سياك للمقاولات، موضحا أن الشركات مضطرة للتحول لقطاع الإسكان المتوسط لتتلاءم مع طلب السوق. ويضاف إلى هذا أن شركات الإسكان مطالبة بسداد قيمة أقساط الأراضى التى حصلت عليها قبل الأزمة من وزارة الإسكان، وبالتالى فهى مطالبة بالاستثمار فى زيادة الطلب على هذا القطاع. ويوضح رجب أن بعض الشركات بدأت بالفعل تعدل من مساحات الوحدات التى تقوم بإنشائها، بحيث تتناسب مع الطلب الحالى، لتتراوح مساحاتها بين 130 مترا و170 مترا، لتخدم الطبقة المتوسطة، بعدما تراجع الطلب على الإسكان الفاخر، الذى كان يعد نوعا من الاستثمار، حيث كان أغلب المتقدمين لشراء هذه الوحدات يقبلون عليها بهدف المتاجرة. قطاع الإسكان المتوسط يوجد به إمكانات ضخمة للنمو، حيث قدرت دراسة أعدتها وزارة التخطيط الطلب على هذا القطاع ب112 ألف وحدة سنويا، مقابل 5000 13000وحدة سنويا فى قطاع الإسكان الفاخر. ولكن يظل قرار التحول عن الإسكان الفاخر قرارا صعبا. «العديد من الشركات لا تريد أن تضحى بالربح الذى تحصل عليه من البناء للقطاع وترفض أن تتخلى عن صورتها أمام العملاء ببناء وحدات أقل من الإسكان الفاخر». تبعا لما جاء على لسان سها النجار، رئيس قطاع البحوث ببنك استثمار فاروس. وكانت شركات التنمية العقارية، تبعا للنجار، قد حققت أرباحا غير عادية خلال العامين اللذين سبقا الأزمة، بالرغم من ارتفاع أسعار مواد البناء، حيث لا تزيد تكلفتها على 20% من تكلفة الوحدة، خاصة أن «كثير من شركات التنمية العقارية الخاصة مثل سوديك، بالم هيلز، مجموعة طلعت مصطفى، حصلت على الأراضى بأسعار رخيصة». وتوضح النجار أن الربح العائد على الشركات من البناء للقطاع الفاخر قدره البعض بأكثر من 100% من تكلفة البناء للوحدة، ومن المؤكد أن البناء للطبقة المتوسطة يعنى انخفاض أرباح هذه الشركات، حيث لا تزيد الأرباح فى أغلب الأحيان على 10% من التكلفة الكلية للمشروع. إلا أن عمر الهيتمى، العضو المنتدب لشركة أوراسكوم للإسكان التعاونى، ينظر إلى الوضع فى القطاع من زاوية أخرى».. الشركات التى ستتجه لتلبية احتياجات الإسكان المتوسط، من المؤكد أنها ستربح، لأنه يعتمد على طلب قوى». ويتفق شريف حافظ مع الهيتمى، موضحا أنه بينما يحتاج البناء للطبقة المتوسطة لكفاءة أعلى فى إدارة المشروع، حتى تنخفض تكلفة البناء، إلا أنه كلما زادت عدد الوحدات التى يتم بنائها تقل التكلفة الثابتة للوحدة، وبالتالى تزداد فرصة الربح للمشروع. وكان الاتجاه إلى بناء الوحدات التى تلائم أصحاب الدخول المتوسطة السبب فى تحسن أرباح بعض الشركات، كما جاء فى بيان إعلان نتائج أعمال شركة بالم هيلز لعام 2008، حيث أرجعت الشركة فى بيان لها التحسن فى الأرباح إلى اتجاه الشركة إلى البناء لشرائح الدخول المتوسطة. وكانت وزارة الإسكان والمرافق والتنمية العمرانية قد بدأت أخيرا فى تحفيز شركات الإسكان الخاصة على التوجه للبناء لشريحة الإسكان المتوسط، ووضعت حوافز، منها برنامج «المقاول الصغير» الذى طرحت من خلاله 300 قطعة أرض مزودة بالمرافق فى 18 مدينة جديدة، لبناء وحدات سكنية لا تزيد مساحتها على 120مترا. وبينما لن تحدد وزارة الإسكان، تبعا لأشرف كمال، نائب رئيس هيئة المجتمعات العمرانية، حدا أقصى لسعر الوحدة المبيعة، اشترطت الوزارة فى البرنامج الحصول على 20% من الوحدات التى يتم بناؤها لبيعها من خلالها إلى المواطنين بأسعار منخفضة نسبيا، كما ستعلن الوزارة عن المرحلة الثانية خلال الفترة القادمة. وبعيدا عن هذه البرامج، أخذت بعض الشركات المبادرة بطرق الفرص فى هذا القطاع، شركة أوراسكوم للفنادق والتنمية واحدة من الشركات التى بادرت لتلبية الطلب على الإسكان للفئات الأقل دخلا بإنشائها لشركة أوراسكوم للإسكان التعاونى، والتى حصلت أخيرا على 200 فدان من هيئة المجتمعات العمرانية فى إطار البرنامج القومى للإسكان لبناء وحدات للإسكان المتوسط والتعاونى.