هى سطر فى رواية، أبيات فى قصيدة، كلمات فى نثر، هى السندريلا أخت القمر سعاد حسنى التى غيبها الموت ولم تغيب طلتها، نجمة سينمائية غير اعتيادية رأها النقاد كيفما رأوا لامعة تضيئ طرق الفن وتهدى للحياة إبداعها. بالأمس مرت علينا ذكرى ميلاد البهجة والمتعة ،الفرح والشجن والحزن، الغموض والأسطورة.. ذكرى ميلاد سعاد حسنى السبعة والستون، التى نبحث عن رؤية اخرى لها عند الأدباء. احتلت سعاد حسنى فصلا كاملا من كتاب «شخصيات مصرية فذة» للكاتب والمفكر د. جلال أمين فتحدثنا معه عن علاقته بهذه الفنانة الكبيرة فقال: لم تربطنى بها علاقة شخصية ولكن تأثرت كثيرا بحادث وفاتها، فكتبت عنها مقالا كبيرا وأدرجته ضمن فصل كامل عنها بعد ذلك فى كتابى. وسعاد حسنى فى مخيلتى ترتبط كثيرا بصلاح جاهين، فالاثنان عاشا مع الوطن حكايته بحياتهم وظهرا مع بعضهما البعض وتالقا فى فترة الخمسينات والستينات، ويعتبر تطورهما فى الحياة شيق للغاية فاشتهر الاثنان بحالة البهجة والفرح التى يقدماها للجمهور، وعندما تدهورت الحالة السياسية والاجتماعية للمجتمع أثر ذلك عليهم كثيرا، وماتا الاثنان اكتئابا لعوامل عديدة متشابهه. بعد أن ملئا الدنيا بهجه ومرح. وللكاتب الكبير رأى فى موت سعاد حيث يقول اعتقد انها ماتت انتحارا وليس قتلا لأن ما عانته كان صعبا فبعد هذا المجد الذى عاشته كان صعبا أن تستسلم للمرض، ويظهر تأثرها النفسى فى مواقف سردت عنها عندما كانت تذهب للطبيب ليلا حتى لا يشاهدها أحد، وهذا يوضح كم المعاناه. الروائى إبراهيم أصلان حدثنا قائلا: إن لسعاد حسنى صورة لم تفارق خياله أبدا، جائت من موقف ما، فقد دعاه محرم فؤاد عن طريق صديق مشترك إلى حضور فيلمه «حسن ونعيمة»، وعندما ذهب وجد محمد عبد الوهاب يجلس بين مجموعة من الناس واضعا ساق فوق الأخرى، وفجأة دخلت فتاة صغيرة جميلة ترتدى فستان عليه رسوم لزهور متعددة، ذيله قصير وواسع واحتكت بكتفه ثم عبرته لتسلم على عبدالوهاب، الذى لم يقف أو يحرك ساقيه من وضعهما وسلم عليها، فتعجب أصلان من هذا الأسلوب وعندما دخل الفيلم وجد أنها بطلته وتدعى سعاد حسنى، ومن هذا اليوم ولم تفارق خياله صورة الفتاة الجميلة ذات الفستان المطرز بالورد والتى صافحت عبدالوهاب. فراشة الشاعر سيد حجاب قال: «فى تاريخ الاداب والفنون حول العالم نجوم ولاد موت، يلمعوا بسرعة ويرحلوا بسرعة لكن بعد ان يكونوا نوروا سكة جديدة لامتهم فى الابداع والجمال». من هؤلاء مثلا رامبو وموديليانى وسيد درويش.. وسعاد حسنى. فهؤلاء يعيشون حياتهم «مندوهين» يسعوا خلف أشياء لا يراها أحد غيرهم ويحققوا فى فترة قصيرة أشياء كثيرة عظيمة، أنا عرفت كباقى المصريين سعاد حسنى مع أولى أفلامها حسن ونعيمة، التى منذ أن طلت به سكنت فى قلوب الجميع وأنا منهم ثم عرفتها بعد ذلك شخصيا فى القاهرة فرأيت إنسانة تجرى خلف حلم وتحققة شيئا فشيئا، وكان كل دورا فى حياتها نقلة فعلية نادرة بحق وتجيد شتى أنواع الفنون، رغم أنها عصامية لم تحصل على ثقافة منهجية لكن كان يدهشنى فهمها العاشق والساحر للفن.. وتأكد إحساسى بها عندما اقتربت منها اكثر ونحن نعد احتفالية بذكرى رحيل صلاح جاهين. كانت كنحلة تأخذ الكلمات من بهاء جاهين وتطير بها لمحمود الشريف وتجلس مع كل فرد وتهتم بأصغر التفاصيل، ففهمت ما قاله يحى العلمى عندما كان يقول لى كنت أثناء تصوير مسلسل «هو وهى» اضبطها تبيت فى التليفزيون وتجلس بملابس التصوير بين الديكور لتراجع مشاهد الغد، وهذا النوع من الإخلاص للفن لا تجده كثيرا فى حياتنا. تشبة الأيام القاص والكاتب سعيد الكفراوى بدأ حديثه قائلا: سعاد هى الممثلة التى رافقت بحياتها أحلام جيلنا، وحين بدأنا الكتابة كانت هى كذلك تبدأ التمثيل مع عبدالرحمن الخميسى، وكانت تجسد اختلاف عن نمط السينما السائد بإطلالة جديدة مختلفة، ورأيتها لأول مرة عندما قدمت 3 قصص مختلفة لإحسان عبدالقدوس، وكانت هى وعبدالحليم وزيزى البدراوى، صبية صغيرة تشبه الأيام التى خرجت فيها، والتى امتلئت بالحلم السياسى والقومى وانتصارات تشييع عبر صوت عبدالناصر فى المنطقة العربية، ثم توالت أفلامها فكانت جزء من هذه الأحلام، حتى عندما انكسر حلمنا فى 67 انكسرت سعاد أيضا، فكانت تمثل حقبة انتصار وهزيمة، حتى الآن عندما أشاهدها مع حسن يوسف ويوسف فخرالدين ورشدى أباظة وأحمد مظهر والثلاثى أذكر وقائع تلك الأيام، بل إننى أتذكر فى أى مكان رأيت هذا الفيلم وتتلبسنى نفس المشاعر التى انتابتنى فى هذا الوقت، وأما ما يحدث الآن من رغبة فى نبش قبرها لتحديد ما إذا ماتت أو قتلت فأنا ضده لأن كل الشواهد التى عاشتها سعاد قبل الموت من خلو نفسى وجسدى وغياب الأضواء والرفقة والستر المادى والغربة وموت عبدالحليم وجاهين وأحمد ذكى، كل تلك العوامل عجلت بأن تغادر الحياة بإرادتها. بهجة وشجن اما الروائى إبراهيم عبدالمجيد تحدث فى البداية وقال: لى موقف مع سعاد حسنى لا أنساه أبدا، ففى عام 1963 كنت فى المرحلة الثانوية العامة، وكانت السينما تعرض «عائلة زيزى»، وباقى أسبوع واحد على الامتحان ولم يكن ممكن أن أطلب نقودا من أهلى لدخول السينما، فأخذت كتب المدرسة وبعتها لإحدى المكتبات وذهبت لأشاهد الفيلم. وصارت سعاد بعدها تمثل لى دائما بهجة حقيقية فى افلام مثل «عائلة زيزى» و«أميرة حبى أنا» وامتزجت تلك البهجة بالشجن فى «على من نطلق الرصاص» و»الكرنك» و«القاهرة 30» و«أهل القمة» وغيرها، وحين ماتت حرصت على أن أذهب لجامع مصطفى محمود لأرى رد فعل الناس عما قيل عن انتحارها مع انتشار الأفكار السلفية التى تحرم الفن، ولكن فى قلب الزحام وأثناء خروج النعش، فجاة وجدت نساء محجبات وبعض الرجال الملتحين يهتفون «لا إله إلا الله سعاد حسنى حبيبة الله» وكتبت وقتها مقالا بعنوان «لماذا ياربى كلما اقتربت منا البهجة ابتعدت»، وهى الفكرة التى تطورت معى بعد ذلك لرواية بعنوان «عتبات البهجة» وكانت عن البهجة التى لا تكتمل أبدا، ولكن لم تكن عن سعاد حسنى. ملهمة النجوم أما الكاتب والروائى يوسف القعيد فتحدث فى البداية عن تخوف كثير من كتابنا من الكتابة عن نجوم السينما رغم أن ماركيز نفسه كتب عن شاكيرا، وأدوار سعيد كتب عن تحية كاريوكا وونجيب محفوظ سالوه لو سافرت القمر ومعك شخص واحد من سيكون قال «سهير ذكى»، وقال إن تلك الحالة من التخوف والحذر وقفت حائلا أمام الكتابة عن سعاد حسنى وباقى العظام من الفنانين، وقال إنه رأها ذات مرة عند شمس الأتربى فى الليلة التى سبقت سفرها للعلاج والتى انتهت بعودتها فى تابوت، وكانت رغم مرضها وبدانتها إلا أن ضحكتها كانت ضحكة سعاد حسنى وحملت عيناها نفس التالق الخاص بها، وحدثتها فى هذا اليوم وقلت لها انت جزء جوهرى من احلامنا فسخرت منى بشدة وقالت بطلوا الكلام الكبير ده.. وقال إذا تحدثت عنها كممثلة فسأقول إن أحسن أدوار عادل إمام كان فى المشبوه وحب فى الزنزانة، وذلك لأن سعاد حسنى هى من كانت أمامه فهى ترفع الممثل معها وتحلق به فى دنيا الأداء التمثيلى. مارلين مونرو الكاتب خالد الخميسى نجل الراحل عبدالرحمن الخميسى مكتشف سعاد حسنى والذى قدمها فى فيلم حسن ونعيمة قال: سعاد حسنى بالنسبة إلى تعتبر المع ممثلة ظهرت فى تاريخ مصر هى وشادية، ووصلا بالممثلة المصرية لمقومات لم تتحقق من قبل ولم تتحقق حتى الآن مرة أخرى. وذكر لنا موقف يؤكد على عبقرية الإبداع التى تمتعت بها سعاد فقال: بعد وفاتها عرض معهد العالم العربى بباريس فيلم خلى بالك من زوزو، وكان يجلس بجانبى شخص فرنسى دخل العرض بالصدفة وكان يهم للمغادرة بعد قليل لارتباطه بموعد وكان يريد تمضية بعض الوقت حتى الموعد، ولكن ما أن ظهرت سعاد حتى تسمر فى كرسيه وبعد أن انتهى الفيلم نظر إلى وسالنى من هذه العبقرية، انها اكثر جمالا وإبداعا من مارلين مونرو وكل من عرفتهن بحياتى.. وبعد خروجنا من العرض لحفل استقبال وجدت إعجاب مذهل من جميع الفرنسيين الحاضرين رغم جهلهم بالعربية وبسعاد نفسها. وهذا الموقف يشرح كيف كانت سعاد فنيا، أما إذا أردنا النظر إلى حياتها الشخصية فلن أقول إلا أنها كانت أكرم من حاتم الطائى ولى معها كثير من المواقف تثبت ذلك. وتحدث أيضا عن من شكلوا وعى وفكر سعاد فقال إنها أخبرته أن عبدالرحمن الخميسى وصلاح جاهين بنوها فكريا وعقليا، أما بدرخان وآخرون فقد بنوها وجدانيا.