لا يفارق الكشك حتى فى أوقات فراغه، وإن كان يستغل بعض الوقت أثناء وجوده فيه للمذاكرة، أحمد صلاح، المسئول مع أخيه عن كشك «أولاد صلاح»، يرى فى مهنته كنزا لا يعوضه شىء، ولذلك فهو غير مستعد للتفريط فيه من أجل وظيفة حكومية. رغم أن عمره لا يتجاوز العشرين عاما، فإن أحمد صلاح، طالب فى سنة ثالثة حقوق، يتولى مسئولية كشك والده، مع أخيه، منذ ما يقرب من 7 سنوات، «ده رزقنا وأكل عيشنا، ولو مش إحنا اللى حافظنا عليه ووقفنا فيه، عمر ما حد هيعمل كده»، يقول صلاح، الذى يتقاسم ورديات الوقوف فى الكشك مع أخيه، وفقا لجدول محاضراته فى الجامعة. «صاحب كشك زمان يعنى مالك ثروة»، وفقا لصلاح، خاصة وإن كان فى شارع رئيسى مثل شارع الثورة بحى المهندسين، «حولنا ثلاث مدارس، ونادى الصيد، كما أن سيارات عديدة تمر من أمامنا، وهى فى طريقها إلى مطلع كوبرى أكتوبر»، يوضح صاحب الكشك الصغير، الموجود فى نفس مكانه منذ أكثر من 20 عاما. والذى تتنوع منتجاته، وإن كانت فى مجملها لا يتعدى إجمالى قيمتها «الألف جنيه»، بحسب صلاح، ولكن الشىء المؤكد أن «صافى الربح الذى يدره هذا المكان يتعدى التكاليف، لكننا بحاجة إلى دخل أكبر لتطويره، فالكشك فى الوقت الحالى فى أسوأ حالاته»، على حد تعبير صلاح. فإذا وقفت فى شارع الثورة أمام هذا الكشك، تجد من بعده ومن قبله على نفس الرصيف، ما لا يقل عن ثلاثة أكشاك، وفى السنتين الأخيرتين، تم افتتاح العديد من المحال التى تبيع نفس منتجات الكشك، مثل «أون ذا رن»، و«كويك إكسبريس»، الأمر الذى كان له «تأثير سلبى كبير على مبيعات الكشك، نتيجة لتعدد المنتجات ورخص ثمنها فى هذه المحال، مما يجعلها أكثر قدرة على المنافسة»، تبعا لصاحب الكشك. وهذا ما يجعل من «تطوير المحل ومنتجاته أمرا ملحا»، وفقا لصلاح، خاصة أن وجود هذه المحال لم ينجح بعد فى «الاستيلاء على زبون الرصيف مننا»، بحسب تعبير صلاح، حيث يفضل عدد كبير من الأفراد الوقوف بسياراته والحصول على بضائعه من السيارة بدلا من النزول والدخول إلى المحل، «وهذا ما نعتمد عليه خاصة أن الركنة صعبة جدا فى الشارع». ويروى صلاح أنه فى الماضى كان الكشك، بمفرده، مصدرا للمنتجات لجميع طبقات الشعب، ولكن هذه الظاهرة بدأت تتلاشى مؤخرا بعد انتشار سلاسل الهايبر ماركت فى جميع أنحاء مصر، «فالمكان هناك أوسع، والعرض أفضل، وذلك كله بسبب الإمكانات المادية الأكبر، ولكن لكل طبقة رزقها، وهذه المحال لم تنجح بعد فى القضاء على نشاطنا، فما زال هناك زبون للكشك، والباقى علينا إحنا»، بحسب قوله، مشيرا إلى أنه حاول فى الفترة الأخيرة تنويع منتجاته وضغط نفقاته لتنويع البضاعة. وأضاف صاحب الكشك: «هذه المحال تعتمد فى الأساس على زبون شراء مخزون المنزل أو النزهة، أو توصيل الطلبات»، مشيرا إلى أن رغبة الشركات الكبرى فى الإعلان عن منتجاتها من خلال الأكشاك، لوجودها فى الشارع، يوفر له بعض المصاريف الذى تساعده على إيجاد كمية وأنواع اكبر من المنتجات. «نحن نضع ثلاجات الشركات أو يافطات إعلاناتهم، مقابل تخفيضات، وتسهيلات فى السداد، والحصول على قدر مخفض من المنتجات»، يوضح صلاح. وللوهلة الأولى، حين ترى الأكشاك القاطنة فى شارع الثورة، تعتقد أن دخل الكشك يأتى فى الأثاث من تلامذة المدارس، ومن ثم يكون الرواج أكثر فى موسم الشتاء، إلا أن صلاح، يوضح أن «مبيعات الكشك لهؤلاء التلامذة لا تساهم بجزء كبير فى إجمالى إيراداته، خاصة أن المدارس الثلاث الموجودة فى الشارع حكومية، أى أن تلامذتها من الطبقة الفقيرة»، بحسب قوله، مضيفا «على العكس نحن نحقق أرباح أكبر فى موسم الصيف، بسبب كثرة مبيعات الحاجة الساقعة والسجائر»، كما جاء على لسانه. وكان صلاح يذهب مع والده إلى الكشك منذ أن كان فى السابعة من عمره، ليتأمله ويتعلم منه، وبالفعل، كما يقول صلاح، لقد نجحت فى أن «أشرب سر المهنة من والدى، فقد اتعلمت منه كيف أتعامل مع الناس، وهذا أهم شىء فى مهنتنا، أن أضحك فى وش الزبون، وإلا مش هيجى عندنا تانى»، يقول صلاح. والابتسامة لا تفارق وجه صلاح، وهو يتعامل مع الزبائن التى تأتى إليه، ولكن هذا لا يعنى، كما جاء على لسانه، انه سوف يقبل إهانة شخصية من أى زبون، فكثيرا ما صادفنى زبائن عصبية تتلفظ بكلمات جارحة، لا أرد عليها، كما علمنى والدى، ولكنى على الفور أقرر عدم بيع أى منتج لها، وأضاف: «أنا أبحث عن الرزق، ولكن ما حدش يجى على كرامتى»، يقول صلاح. ويفخر صلاح، دون أى خجل، بأنه يعمل فى الكشك، رغم أنه سيحصل على ليسانس الحقوق بعد عام واحد فقط، «الشغل مش عيب وأنا فخور أن فى إيدى صنعة إلى جانب الشهادة، واللى فى إيده كشك دلوقتى عارف إنه فى إيده نعمة لازم يحافظ عليها، وأنا مستنى أخلص علشان أعطى اهتماما أكبر للكشك وأحسن من حالته»، بحسب تعبيره، موضحا أنه حتى فى حالة حصوله على وظيفة بشهادته لن يتنازل عن وقفته فى الكشك. وأنهى صلاح حديثه مرددا مرة أخرى «الكشك ثروة وكنز يجب الحفاظ عليه، وكلما تهتم به تعلو أسهمه، وانخفاضها لا يعنى انهيارها، بل أنها تكون مرحلة لجنى الأرباح وسرعان ما تسترد قيمتها».