بعد الحوار المطول للدكتور محمد البرادعى مع «الشروق» والذى نشر أيام 20، 21، 22 الشهر الماضى وأعلن فيه البرادعى عن حاجة مصر إلى وضع دستور جديد، نشرت أمس صحيفة النيويورك تايمز نقلا عن وكالة الأسوشيتد برس تقريرا حول تأثير هذا القرار على الحياة السياسية فى مصر. وركز التقرير على ما قاله البرادعى ل«الشروق»: «ما أريده لمصر هو أن تصبح دولة ديمقراطية.. وما أقوله لا تحركه رغبة شخصية أو دافع شخصى وإنما اقتناع قوى بأن الناس فى مصر يستحقون ما هو أفضل عشر مرات مما لديهم». وذكر التقرير، «أن البرادعى ربما يأسف يوما ما على دخوله فى السياسة المصرية، غير أن الخطوة التى اتخذها ضخت دماء جديدة فى الجو السياسى الراكد فى البلاد منذ ثلاثين عاما». ثم تحدث عن مشروع التوريث الذى يتم التحضير له، وفرص الترشح الضئيلة للبرادعى قائلا: «فإن فرص البرادعى الخاصة بمجرد بالسماح له بدخول سباق انتخابات 2011 الرئاسية ضئيلة. بسبب سلسلة من التعديلات الدستورية التى دفعت بها الحكومة فى عامى 2005 و2007، والتى تقصر الترشيحات من الناحية العملية على كبار أعضاء الحزب الحاكم، أو عدد قليل من أحزاب المعارضة الرمزية التى تحظى بموافقة رسمية». ثم استطرد التقرير أنه وبما أن البرادعى يحظى بالاحترام فى أنحاء العالم ولم يمسه بالفساد الذى يصم جزءا كبيرا من النظام الحاكم فى مصر، فهو قد يكون إلى حد كبير المعارض الأكثر مصداقية للعب دور مهم فى هذا البلد الحليف للولايات المتحدة فى الوقت الحالى. وقال محلل الشئون المصرية الأمريكية مايكل هانا من مؤسسة سنتشرى بنيويورك: «إن حالة الإحباط فى مصر من الشدة بحيث توحى مثل هذه الشخصية بإحساس حقيقى بالمعارضة، حتى وإن كانت تلك الآراء رفضا للوضع القائم فى المقام الأول. إنه شخصية مقنعة جدا». ويقول المحللون إن حالة عدم اليقين التى تحيط بمسألة التوريث تمثل تهديدا للاستقرار فى هذا البلد الحليف للولايات المتحدة، بالنظر إلى تزايد الاستياء الشعبى إزاء تصاعد معدلات البطالة وارتفاع الأسعار والفساد وقبضة الأجهزة الأمنية وحفنة من رجال الأعمال والسياسيين المرتبطين بالنظام على البلاد. وكان البرادعى قد أكد ل«الشروق» فى وقت سابق أنه سوف يترشح فقط إذا كانت هناك ضمانات بأن الانتخابات ستكون حرة ويشرف عليها القضاء بالكامل ويراقبها المجتمع الدولى. وهو يريد كذلك تعديل الدستور لإزالة القيود على من الذى له حق الترشح. وجاء فى التقرير أن إعلان البرادعى أنه سوف يدخل مجال العمل السياسى، قد طغى على الاهتمام العام فى مصر، حيث هيمن على البرامج الحوارية فى التليفزيون، وحفز على إرسال آلاف الرسائل عبر الإنترنت، وتصدر العناوين الرئيسية للصحف، ومقالات كتابها. لكن بعض المعلقين يقولون إن البرادعى ذا الصوت العذب يمكنه أن يكون أكثر فائدة بالنسبة لمصر إذا عزف عن السعى إلى تولى منصب الرئاسة، وقام بالتركيز على إنشاء حركة شعبية تقوم بالضغط من أجل الإصلاح. واهتم التقرير بمقالى الأستاذ عبدالعظيم حماد، رئيس تحرير صحيفة الشروق «من هنا يبدأ البرادعى وموسى والآخرون» والذى نشر يوم الاثنين 7 ديسمبر، ومقال «خلاصة الحوار مع القراء حول البرادعى» والذى نشر يوم الاثنين 28 ديسمبر، والذى حذر فيهما البرادعى من أن «دخول ساحة الرئاسة بداية خاطئة». واقترح بدلا من ذلك أن يرشح البرادعى نفسه فى الانتخابات التشريعية التى ستجرى هذا العام. وأوضح كاتب التقرير أنه أيا ما كان اختيار مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، «فإنه قد دخل الحلبة بالفعل، وسوف يواجه خصوما سبق أن تعاملوا بلا رحمة مع المنافسين». والذى ظهر بجلاء بعد أن نشرت الشروق خطاب البرادعى المفتوح فى شهر نوفمبر. فقد قوبلت انتقاداته لنظام مبارك ودعواته للإصلاح بلوم عنيف من جانب الصحافة الحكومية. ذلك أنه من خلال سلسلة من المقالات التى نشرت فى هذه الصحف، وصم البرادعى بأنه عميل أمريكى، وجرى تحميله المسئولية عن غزو العراق عام 2003، واتهم بأنه لا يكاد يعرف شيئا عن مصر، بفعل السنوات الطويلة التى قضاها فى الخارج. وذكر التقرير أن البرادعى ليس بحاجة إلى الرجوع بالنظر بعيدا جدا إلى الوراء كى يجد أمثلة لما يمكن أن يفعله النظام ضد خصومه. ويذكر أن أيمن نور زعيم المعارضة كان المتحدى الرئيسى لمبارك فى الانتخابات الرئاسية فى 2005، وقد سجن بعد ذلك لمدة تقارب أربع سنوات لاتهامه بالتزوير، وقال مؤيدوه إن الاتهامات ملفقة. وتم مرارا اعتقال الصحفيين والناشطين المؤيدين للإصلاح والسياسيين المعارضين، بموجب قوانين الطوارئ التى تطبق منذ ما يقرب من ثلاثة عقود. ولذلك يرى كاتب التقرير حمزة هنداوى أنه «ربما لا يسهل على النظام أن يعامل البرادعى على النحو نفسه نظرا للاحترام الذى حظى به نتيجة لرئاسته وكالة الطاقة الدولية فى أوقات صعبة. ومع ذلك، فهناك قوة دفع مؤثرة إلى جانب البرادعى». وينتهى التقرير بعرض آراء بعض المعلقين إنه قد يكون مخلص البلاد ومنقذ شعبها مما ينظر إليه على نطاق واسع على أنه سياسات منحازة للأغنياء ضد الفقراء. ويقول آخرون إنه قد يجبر الرئيس مبارك، أو وريثه جمال، على تقديم إصلاحات حقيقية.