انقطاع الكهرباء عرض مستمر.. ومواطنون: «الأجهزة باظت»    سعر الدولار الآن قبل بداية تعاملات ختام الأسبوع اليوم الخميس 27 يونيو 2024    شهداء وجرحى في قصف إسرائيلي لمدرسة تؤوي نازحين شرق خان يونس    يورو 2024.. المنتخبات المتأهلة لدور ال16 والمواجهات النارية    يورو 2024.. ترتيب مجموعة البرتغال بعد الخسارة أمام جورجيا    الأهلي يعلق على عودة حرس الحدود للدوري الممتاز    انتهت.. الأهلي يضم يوسف أيمن من الدحيل القطري (خاص بالتفاصيل)    «نجار» يبتز سيدة «خليجية» بصور خارجة والأمن يضبطه (تفاصيل كاملة)    أبطال مسرحية «ملك والشاطر» يقرأون الفاتحة قبل دقائق من بداية العرض (فيديو)    «الوطنية للإعلام» تعلن ترشيد استهلاك الكهرباء في جميع منشآتها    عاجل - مرشح رئاسي ينسحب من الانتخابات الإيرانية قبل انطلاقها بساعات..مدافع شرس عن الحكومة الحالية    الكويت والعراق يبحثان سبل متابعة تأمين الحدود المشتركة بين البلدين    الجيش الجزائري: القضاء على إرهابي وضبط 736 مهاجرا غير شرعي    قانون جديد يدعم طرد الأجانب الداعمين للإرهاب في ألمانيا    جورجيا تحقق فوزا تاريخيا على البرتغال وتتأهل لدور ال16 فى يورو 2024    تنسيق الجامعات 2024.. تعرف على أقسام تمريض حلوان لطلاب الثانوية    الاستعلام عن شقق الاسكان الاجتماعي 2024    تعويضات للمستحقين.. متحدث الوزراء يكشف تفاصيل تطوير جزيرة الوراق    نشأت الديهي: هناك انفراجة في أزمة انقطاع الكهرباء    دوري مصري وكوبا أمريكا".. جدول مباريات اليوم والقنوات الناقلة    بمشاركة رونالدو.. منتخب البرتغال يسقط أمام جورجيا في كأس أمم أوروبا 2024    "أخوات للأبد".. شعار مباراة الإسماعيلي والمصري في ديربي القناة    تركيا تؤكد صعودها بفوز قاتل على التشيك في يورو 2024    البابا تواضروس يتحدث في عظته الأسبوعية عن مؤهلات الخدمة    انتهت بالتصالح.. كواليس التحفظ على سعد الصغير بقسم العجوزة بسبب "باب"    هيئة الدواء المصرية تستقبل وفدا من اتحاد الغرف التجارية    السيطرة على حريق نشب داخل ورشة أخشاب في بولاق الدكرور    بينهم طفل وشاب سعودي.. مصرع 3 أشخاص غرقا في مطروح والساحل الشمالي    الاتحاد الأوروبي يدين الانقلاب العسكري في بوليفيا ويعتبره محاولة لخرق النظام الدستوري    موظفو وزارة الخارجية الإسرائيلية يهددون بإغلاق السفارات    تعرف على سبب توقف عرض "الحلم حلاوة" على مسرح متروبول    حدث بالفن | ورطة شيرين وأزمة "شنطة" هاجر أحمد وموقف محرج لفنانة شهيرة    «30 يونيو.. ثورة بناء وطن».. ندوة في قصر ثقافة قنا للاحتفال بثورة 30 يونيو    محافظ بني سويف يكلف التأمين الصحي بتوجيه فريق طبي لفحص سيدة من ذوي الهمم    مسئول أمريكى يؤكد بأن الجميع لا يريد حربا بين إسرائيل وحزب الله    بالأسماء.. مصرع وإصابة 9 أشخاص إثر اصطدام سيارتين بالطريق الزراعى بالبحيرة    حكم استرداد تكاليف الخطوبة عند فسخها.. أمين الفتوى يوضح بالفيديو    سماجة وثقل دم.. خالد الجندي يعلق على برامج المقالب - فيديو    بالفيديو.. أمين الفتوى: العلاقة الزوجية بين الرجل والمرأة عليها أجر وثواب    نقابة الصحفيين تتقدم بطلبات للنائب العام حول أوضاع الصحفيين في الحبس    في اليوم العالمي لمكافحة المخدرات- هل الأدوية النفسية تسبب الإدمان؟    القوات المسلحة تنظم مؤتمراً طبياً بعنوان "اليوم العلمى للجينوم "    بشرى لطلاب الثانوية العامة.. مكتبة مصر العامة ببنها تفتح أبوابها خلال انقطاع الكهرباء (تفاصيل)    حزب المؤتمر: ثورة 30 يونيو نقطة انطلاق لمستقبل أفضل لمصر    مساعد وزير البيئة: حجم المخلفات المنزلية يبلغ نحو 25 مليون طن سنويا    نجاح كبير للشركة المتحدة فى الدراما.. 125 عملا بمشاركة 12 ألف فنان و23 ألف عامل "فيديو"    بتكلفة 250 مليون جنيه.. رئيس جامعة القاهرة يفتتح تطوير مستشفي أبو الريش المنيرة ضمن مشروع تطوير قصر العيني    المشدد 5 سنوات لمتهم بجريمة بشعة في الخصوص    كيف يؤدي المريض الصلاة؟    إسلام جمال يرزق بمولود.. اعرف اسمه    الكشف على 2450 مواطنًا وتقديم الخدمات مجانًا بقافلة القومى للبحوث فى أطفيح    «التمريض»: «محمود» تترأس اجتماع لجنة التدريب بالبورد العربي (تفاصيل)    تسليم 1155 جهازًا تعويضيًا وسماعة طبية لذوي الهمم بكفر الشيخ    هل يجوز الرجوع بعد الطلاق الثالث دون محلل؟.. «الإفتاء» تحسم الجدل    «ابعدوا عن المراجعة».. خبير تربوي ينصح طلاب الثانوية العامة لتجنب التوتر    ميناء دمياط يستقبل سفينة وعلى متنها 2269 طن قمح    بدء جلسة البرلمان بمناقشة تعديل قانون المرافعات المدنية والتجارية    وزيرة التخطيط تبحث فرص التعاون والاستثمار مع 50 شركة بريطانية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



السودان.. بلد أكبر من أن يسقط
نشر في الشروق الجديد يوم 09 - 01 - 2010

صار مستقبل السودان على المحك مع اقتراب الانتخابات الوطنية المقررة فى أبريل المقبل، ودنو موعد إجراء الاستفتاء على مستقبل الجنوب الذى يُفترض أن يتم فى عام 2011، وكلا الحدثين هما من أهم عناصر اتفاق السلام الشامل المبرم فى مثل هذا اليوم من عام 2005 إيذانا بانتهاء حرب أهلية دامت 20 عاما بين الشمال والجنوب.
ينضوى كلا الحدثين على آفاق حقيقية واعدة، ولكنهما الآن غير أكيدين، ذلك أن القادة السياسيين فى السودان يتراجعون اليوم عن التزامات قطعوها على أنفسهم سابقا، لذا بات التعاون والإجماع أمرا صعب المنال، ويزيد الطين بلة استمرار مأساة دارفور غربى الدولة.
لقد كان دعم المجتمع الدولى هو العامل الأهم فى جمع الأطراف السودانية المعنية على مائدة واحدة عام 2005، كما كان للكثير من الدول الأفريقية المحورية دورها فى ضمان الاتفاق، ونحن اليوم أحوج ما نكون إلى جهود مماثلة.
إن وجود الدعم الدولى المناسب هو سبيل السودان إلى التحرك خلال الأشهر المقبلة والذى يعد تحركا حاسما صوب تحقيق السلام وترسيخ الديمقراطية. وإذا أخفق المجتمع الدولى فى مواجهة هذا التحدى، فإن الصراع والتوترات القائمة اللذين كلفا البلد مئات الآلاف من الأرواح بالفعل سيكون مآلهما إلى الاستمرار والتفاقم، ولسنا أبدا فى موضع المجازفة بحدوث ذلك.
منذ أن جمع السيد نيلسون مانديلا عددا من زعماء العالم السابقين لتشكيل مؤسسة الحكماء، وجهنا جهودنا إلى أزمة السودان، واخترنا السودان كأول مقصد نتوجه إليه جماعة بالزيارة، وراقبنا عن كثب وضع الكارثة الإنسانية فى البلاد بمزيد من القلق والاهتمام على مدى العامين المنصرمين.
وقد التقينا خلال زيارتنا لعام 2007 عددا من الزعماء السياسيين والمدنيين من مختلف أنحاء الدولة، وكذا عددا من ممثلى وكالات الأمم المتحدة، والاتحاد الأفريقى، والدبلوماسيين الأفريقيين، بيد أن لقاءاتنا بالعامة كانت لها أعمق الأثر فى نفوسنا.
وقد سمعنا فى تلك اللقاءات حكايات شخصية عن مآسى تفوق التصور، وآلام مفجعة ويأس قاتل، وبات من الواضح أن أعمال العنف والتشريد والفقر وانتهاكات حقوق الإنسان قد طالت جموعا غفيرة.
إن السودان قد رزح لعقود طوال تحت وطأة صراعات مريرة ضاربة بجذورها فى مهاوى الفقر المدقع، والصراع على الموارد، والتوترات العرقية والدينية. لكن على الرغم من كل ذلك الفساد والظلم، فقد لمسنا أيضا قدرا كبيرا من التفاؤل والقدرة على التعافى، فكما هى حال البشر فى كل أنحاء العالم، لمسنا لدى أهل السودان عزما على بناء مستقبل أفضل لأبنائهم وأحفادهم. فلطالما تاقت أنفسهم إلى السلام والاستقرار والمشاركة فى رسم مستقبل الوطن، وفرص تعليمية واقتصادية نافعة لانتشال أنفسهم وذويهم من براثن الفقر.
لكن هذه الآمال لم تعرف الطريق إلى النور حتى الآن، وهذه ليست بمأساة فحسب لأهل هذا البلاد الذين عانوا طويلا، بل لقد أدت تلك الأوضاع إلى استشراء الضرر ليطال المنطقة والعالم.
فالسودان ليست بالدولة الصغيرة، بل هى دولة كبيرة مترامية الأطراف تحل فى المرتبة العاشرة عالميا من حيث المساحة، والأولى أفريقيا وعربيا بالمعيار ذاته، وتشغل موقعا محوريا فى قارتنا السمراء، إذ تحدها مصر من الشمال وكينيا من الجنوب، ولها حدود أيضا مع ما لا يقل عن سبع دول أخرى.
ويناهز تعداد شعب السودان 40 مليون نسمة، شردت الحرب منهم مليونى نسمة منذ عام 2003، وأجبر عدد كبير من هؤلاء المشردين على اللجوء إلى الدول المجاورة، وليس هذا الملمح الوحيد لتأثر دول الجوار بعدم الاستقرار فى السودان.
ومن المعلوم أن شعب السودان معدود ضمن أفقر شعوب العالم، وذلك فى تناقض صارخ مع واقع الدولة الغنية بالثروات الطبيعية التى من بينها النفط والمعادن النفيسة، ولو كانت تلك الثروات مسخرة لخدمة الشعب فى دولة تنعم بالاستقرار والأمان فى ظل قيادة تخضع للمساءلة وتأخذ بمبادئ الحكم الرشيد، لوُجّهت تلك الثروات للارتقاء بمستوى المعيشة، ومواجهة التحديات الماثلة أمام السودان.
ولكن ثمة بصيص أمل لن تُكتب له الحياة إلا بالتقاء العامة والقادة فى الشمال والجنوب على كلمة سواء لتنفيذ اتفاق السلام الشامل تنفيذا كاملا، بل إن عدم اتخاذ اللازم للانتخابات المقبلة، وضمان إجراء الاستفتاء فى إطار سلمى سيعنى إقبال الدولة على شفا خطر داهم يفوق ما سبق من أخطار.
وقد يؤدى الإخفاق لأن يشب الصراع عن طوقه الحالى، وهو ما حذر منه الأمين العام للأمم المتحدة؛ السيد بان كى مون، وسيتمخض ذلك عن آثار وخيمة لا على شعب السودان أو الدول المجاورة فحسب، بل على العالم أجمع. ولسنا بحاجة لمن يذكر بالتهديد المترتب على انهيار أى دولة وما يشكله ذلك من خطر على الاستقرار والسلم العالميين، ومن هنا ليس للعالم من خيار إلا المشاركة.
فبادئ ذى بدء، لابد من ضمان نزاهة الانتخابات المقبلة فى السودان وانفتاحها على الجميع، ومشاركة كل الشعب والمناطق فيها، بما فى ذلك من شُرّدوا فى الداخل وفى المناطق التى يسيطر عليها المتمردون فى دارفور.
كما أن وجود مراقبين دوليين لضمان شفافية الانتخابات ونزاهتها وخلوها من القيود على الجميع هو أمر لا مفر منه لمراقبة الانتخابات والاستفتاء خلال عام 2011. عندئذ فقط ستتولد الثقة لدى الشعب السودانى فى النتائج، وسيُبنى على ذلك الأساس للتحرك صوب الديمقراطية الحقيقية والإصلاح الحقيقى. وإذا لم ترقَ الانتخابات للمعايير الديمقراطية، فثمة خطر داهم سيفضى إلى تفاقم التوترات والعنف.
وهذان الاقتراعان على الرغم من أهميتهما البالغة ليسا كل التحديات التى تواجه السودان والشعب السودانى اليوم، فمشكلات الدولة بما فيها من تعقيدات وتشابك لا سبيل إلى التعاطى معها شيئا فشيئا، ولا يمكن التغلب عليها أيضا بجهود دول ومنظمات منفردة لها يد فى الشأن السودانى لكن لأغراض واهتمامات مختلفة، فقد تكون جهودها ملء السمع والبصر، لكنها لن تؤتى ثمارها بدون التنسيق الجاد فيما بينها.
إننا بحاجة إلى أن يتحرك المجتمع الدولى لتدشين استراتيجية واضحة شاملة تراعى أهمية الانتخابات والاستفتاء، وما بعد هذين الحدثين.
ستكون هذه جهودا للإعداد لاتفاق بوساطات خارجية فى دارفور، ولحل النزاعات القائمة بين قادة الشمال والجنوب بشأن الاستعداد للانتخابات والاستفتاء وغيرها من الجوانب الأساسية فى اتفاق السلام، لكن الحاجة الملحة لمزيد من الدعم الإقليمى والدولى ما زالت قائمة لتحقيق هذه الغاية.
وبالمثل، لا سبيل إلى التعاطى مع مشكلات دارفور على مأساويتها بمعزل عن الأزمة المتفشية فى أرجاء الدولة، لذا نحتاج إلى جهود المجتمع الدولى، والدول الأفريقية على وجه الخصوص، للنظر فى احتياجات الشعب السودانى قبل النظر فى مصالح قادته.
ويظل الباب مفتوحا أمام مستقبل أفضل وأرقى للسودان، لكن النجاح متوقف على الالتزام بالجدول الزمنى للتقدم كما تقرر فى اتفاق السلام الشامل.
إن انعدام التحرك السريع والقوى من المجتمع الدولى لاسيما من ضامنى اتفاق السلام لضمان الالتزام بالوعود، سيفضى إلى ضياع هذه الفرصة، وقد تكون العواقب وخيمة كارثية. إن الوقت ينفذ سريعا، والمستقبل لن ينتظر.
الأخضر الإبراهيمى وديزموند توتو؛ عضوان فى مؤسسة الحكماء، وهى مجموعة من أبرز زعماء العالم جمعهم السيد نيلسون مانديلا تحت مظلة واحدة.
www.the Elders.org
خاص «الشروق»


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.