«من قال إن الحرب على غزة قد انتهت؟ من قال ذلك؟ الحرب على غزة مستمرة.. وأنا لا أعنى فقط الحصار والتجويع ولكننى أعنى القصف والغارات»، هكذا قالت هيدى إيبشتين الناشطة اليهودية المطالبة بمنح الشعب الفلسطينى حقوقه المشروعة. تحدثت إيبشتين ل«الشروق» فى القاهرة مساء الخميس قبيل ساعة من إعلان قنوات الأخبار عن ثلاث غارات شنتها قوات الاحتلال الإسرائيلى على قطاع غزة المحاصر تسببت فى سقوط ثلاثة شهداء وعشرة من الجرحى إلى جانب إحداث المزيد من الخراب والدمار فى القطاع المفقر. «وقبل ذلك وقبل ذلك.. منذ ارتكاب الحكومة والجيش الإسرائيلى المجزرة فى قطاع غزة فى يناير 2009 فإن الحرب على غزة لم تنته ولذلك كان ينبغى السماح لنا بالذهاب إلى القطاع ليس فقط لتقديم المعونة التى احضرناها من أدوية ومواد طبية وأغذية مواد للمدارس ولكن أيضا وبنفس القدر من الأهمية لنخبر شعب غزة المحاصر أننا معه وأنه ليس وحيدا»، قالت إيبشتين البالغة من العمر 85 عاما بصوت استعاض عن حماسة الشباب وقوته بحماسة الإيمان وحزمه. «نعم كان ينبغى أن ندخل غزة ونتجول فى الشوارع ونسلم الناس هناك هؤلاء الذين يعيشون فى خيام واطلال منازل فى عز الشتاء الرسائل التى كتبها مواطنون من بلدان مختلفة من العالم ليعلموا انهم ليسوا وحدهم». إيبشتين مواطنة أمريكية، ولدت فى ألمانيا لأسرة يهودية قبل 8 سنوات من تولى هتلر الحكم وتمكن والديها من ترحيلها إلى بريطانيا فى نهاية الثلاثينات من القرن الماضى قبل أن يلحقوا بغيرهم من اليهود الذين فنوا فى محرقة آشويتز فى عام 1942. إيبشتين لم تتمكن أبدا من اقتفاء أى أثر لوالديها ولكن كل ما تتذكره عنهم وبفخر بعد سبعة عقود من آخر لقاء لهما بها أنهما كانا يرفضان الصهيونية وأنهما عندما كانا يحاولان الهرب من ألمانيا النازية رفضا وبشدة أى فكرة للذهاب لفلسطين. واليوم فإن إيبشتين تقول إنها تشعر بالفخر أنها مثل والديها ترفض الصهيونية كما ترفض «السادية التى يمارسها الحكم والجيش فى إسرائيل ضد الفلسطينيين ليس فقط فى الضفة الغربية وقطاع غزة ولكن أيضا هؤلاء الذين يعيشون فى إسرائيل يحملون الجنسية ولكن يعاملون بقوانين غير تلك المطبقة على اليهود». إيبشتين وصلت القاهرة فى 27 ديسمبر ضمن قافلة من النشطاء ليس بقافلة شريان الحياة ضمت 1400 ناشط من الولاياتالمتحدة وعدد آخر من دول العالم من أبرزها فرنسا وجنوب أفريقيا. «فعلنا كل شىء، كل شىء بالضبط كما طلبت السلطات المصرية وحملنا كل ما أردنا احضاره. أنا مثلا حرصت على أن أحضر حقيبة كبيرة ملأتها بأقلام رصاص وأقلام تلوين وكراسات رسم لأطفال غزة الذين يتعرضون لمعاناة لا تطاق». تطرقت إيبشتين. ثم أضافت بحزن «لكن السلطات المصرية قررت ألا نذهب، هكذا بعد أن أمضينا ثلاثة أشهر فى التحضيرات والإجراءات». إيبشتين التى لا يكاد يخلو أى جزء من وجهها من تجاعيد خطها الزمن فى رحلة لا تخلو من ذكريات قاسية قررت بعد يومين من وصولها لمصر أن تبدأ فى إضراب عن الطعام «لحث السلطات المصرية على السماح ل(القافلة) بالذهاب إلى غزة». وبعد بضعة أيام سمحت السلطات المصرية لمائة فقط من اعضاء القافلة بالذهاب. إيبشتين كانت من الأسماء المسموح لها بالدخول إلى القطاع ولكنها أصرت أنها لن تذهب إلا إذا سمحت السلطات المصرية لكل أعضاء القافلة بالدخول. خمسة وثمانون فقط من أعضاء القافلة دخلوا غزة فى رحلة استمرت قرابة الثلاثة أيام. «الفترة كانت قصيرة جدا فلم يجدوا الوقت الكافى للقيام بما أردناه فى الأساس وهو التضامن الذى هو أمر بالغ الأهمية لأهالى غزة»، تقول إيبشتين. إيبشتين تقول إنها تمنت لو أن «مصر لم تصغ إلى ما تقوله إسرائيل وأمريكا وسمحت للقوافل الإغاثية بالدخول إلى غزة». تقول إن رفض السلطات المصرية «غير المبرر كان صادما» لكنها لا تيأس. «نعم.. سأعود.. أظن أننى سأعود.. فأنا مصابة بحمى الذهاب إلى غزة لأسلم على النساء والأطفال ولأقول لهم إن ما يرتكب بحقكم ليس باسمى ولأقول لهم إننى أتعاطف معكم بالرغم من كل الاتهامات التى توجه لى بأننى لست يهودية حقيقية.. إننى لن أشفى من الحمى إلا إذا ذهبت إلى غزة ورفعت صوتى من هناك ضد كل المجازر التى ترتكب بحق الشعب الفلسطينى وضد الحصار الذى يعيش تحته أهل غزة».