شريان الحياة هو اسم قافلة للمساعدات الإنسانية، بدأت من انجلترا، وفيها ناشطون أوروبيون وأمريكيون وعرب مقيمون فى الغرب وأتراك وغيرهم، وقد قدمت منذ أيام فى رحلتها الثالثة، والتى أطلق عليها «شريان الحياة 3» بحشد كبير من البشر والمعونات والحافلات. وقد لاقت هذه القافلة ترحيبا فى كل مكان حلت به رسميا وشعبيا، حتى وصلت للأردن، وتم الحفاوة بها هناك أيضا رسميا وشعبيا، وما أن وصلت إلى ميناء العقبة الأردنى، واستعدت أن تستقل العبارات فى طريقها إلى ميناء نويبع المصرى، لتسير داخل سيناء لتصل للحدود مع غزة، حتى صدرت تصريحات من الخارجية المصرية ممثلة فى وزير الخارجية المصرية أحمد أبوالغيط، أو المتحدث الرسمى باسم الوزارة حسام زكى، وبدت تلك التصريحات كالتى يطلقها الزعماء السياسيون فى زمن الحرب، كلها تهديد ووعيد بعدم السماح بالمرور لهذه القافلة إلا إذا عادت مرة أخرى من الحدود الأردنية والسورية لتركب البحر وتدخل من ميناء العريش، وذلك قبل يوم 3 يناير وإلا لن يسمح لها بالمرور، وفشلت كل المساعى سواء من القافلة أو من مندوب الحكومة التركية لإقناع السلطات المصرية بالسماح للقافلة بالدخول من ميناء نويبع، واضطر منظمو القافلة للاستعداد للعودة إلى الأراضى السورية مرورا بالأردن لركوب البحر الأبيض المتوسط لمحاولة الوصول لميناء العريش، ولقد سمعت المتحدث باسم القافلة وهو يصرح لإذاعة «BBC» العربية بأن هذا التعنت سيكلفهم مئات الآلاف من «اليورهات» كان أولى بها الشعب الفلسطينى المحاصر فى غزة، وبالرغم من أن هيئات تركية إنسانية ومنظمى الحملة ببريطانيا تحملوا التكلفة، فإن الشعب الفلسطينى كان أولى بها أيضا، ناهيك عن الخطر الذى يتهدد هذه القافلة حين مرورها فى المياه الدولية أمام فلسطينالمحتلة، واحتمال تعرض القوات الإسرائيلية للقافلة فى البحر كما حدث لقوافل أخرى كانت قادمة من قبرص ومالطة وتعرضت لها قوات الاحتلال الإسرائيلى، وهذا أيضا ما صرح به المتحدث باسم القافلة، والذى ذكر أنهم طلبوا من السلطات المصرية ضمان سلامتهم إذا ذهبوا من هذا الطريق أى طريق البحر الأبيض عبر سوريا إلى العريش فرفضت. وجلست أتأمل تصريحات الوزير أحمد أبوالغيط وزير الخارجية، والمتحدث باسم الخارجية حسام زكى فلم يقنعانى بأى منطق، وشعرت أنه منطق الطفل الذى يعاند مع طفل آخر، حين يقول إن عدم استجابة القافلة لخط السير الذى وضعته السلطات المصرية هو إهدار لهيبة وكرامة الدولة ولىّ لذراعها. وهو كما ترون منطق غريب ولا يقنع عاقلا، ولقد حاور الإعلامى عمرو أديب ومعه النائب محمد مصطفى شردى فى برنامج «القاهرة اليوم» المتحدث الرسمى باسم وزارة الخارجية حسام زكى، فلم يستطع أن يقنعهما بجدية هذه الأسباب، وهم يذكرونه بأن صورة مصر فى وسائل الإعلام العالمية والعربية ولدى الشارع المصرى سيئة، ومبرراتها لهذا التصرف غير مقنعة، وظل الرجل أى المتحدث باسم وزارة الخارجية يكرر كلاما ضعيفا ركيكا ومستفزا، فلم أجد تفسيرا لكل هذا الغباء سوى الوصف نفسه أى أنه غباء! ومهما قيل فى أن حجم المساعدات التى تدخل عن طريق الهيئات الإغاثية المصرية أكبر بكثير من حجم هذه القافلة، وقد يكون هذا قولا صحيحا، لكن حجم التغطية الإعلامية العالمية والعربية لهذه القافلة كان أكبر دعاية للقضية الفلسطينية، ولفت انتباه العالم لحصار مليون ونصف المليون من الشعب الفلسطينى فى غزة، وهو أمر بالغ الأهمية، لكن بفضل الغباء الذى مورس مع هذه القافلة عند الحدود المصرية تحول هذا الإعلام نحو تسليط الضوء على تعسف وعدم عقلانية السلطات المصرية فى تصرفها، وتأكد ذلك بغباء الخارجية المصرية، وأنا كمواطن مصرى أشعر بالإهانة من هذا التصرف الأحمق، وأتبرأ منه أمام الله والتاريخ، وإنا لله وإنا إليه راجعون.